* يسأل صلاح أحمد متولي من الإسماعيلية: * هل كل قتل يوجب القصاص؟ ** يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر: ليس كل قتل يوجب القصاص وإنما يوجبه القتل العمد بشروط مخصوصة يأتي ذكرها: ومن هنا قسم الفقهاء القتل إلي قسمين: 1- قتل عمد 2- قتل خطأ. وقسمه بعضهم إلي ثلاثة أقسام: 1- قتل عمد 2- وقتل شبه عمد 3- وقتل خطأ فلنتكلم عن القتل العمد وشروطه. 1- القتل العمد: وهو القتل الذي تتحقق فيه الشروط الآتية: الأول: أن يقصد القاتل إزهاق روح الإنسان فعلا. الثاني: أن يكون القاتل عاقلا بالغا. الثالث: ألا يكون الحاكم قد أمره بقتله قصاصا. الرابع: ألا يكون قد قتله دفاعا عن النفس بحيث لم يتمكن من حماية نفسه منه إلا بقتله. أما اشتراط القصد في وجوب القصاصي فدليله ما رواه أبوداود والنسائي. وابن ماجدة والترمذي وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قتل رجل في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فرفع ذلك إلي النبي صلي الله عليه وسلم فدفعه إلي ولي المقتول فقال القاتل يا رسول الله ما أردت قتله: فقال النبي صلي الله عليه وسلم للولي. "أما إنه إن كان صادقا ثم قتلته دخلت النار" فخلاه الرجل وكان مكتوفا بنسعة فخرج بنسعته نسعته قال: فكان يسمي "ذا النسعة" والنسعة سير من الجلد: وأما اشتراط العقل والبلوغ فلما رواه أحمد وأبوداود والترمذي عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال "رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون حتي يفيق وعن النائم حتي يستيقظ وعن الصبي حتي يحتلم". وأما الشرط الثالث فدليله قوله تعالي: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا" سورة الإسراء أي جعلنا لوليه حقا في القصاصا من القاتل. وروي ابن ماجة أنه صلي الله عليه وسلم قال: "من قتل عامدا فهو قود ومن حال بينه وبينه أي "بينه وبين القصاص" فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. وأما الشرط الرابع: فدليلة ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "جاء رجل إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أن يأخذ مالي: قال فلا تعطه مالك: قالك أرأيت إن قاتلني؟ قال قاتله: قال أرأيت إن قتلني؟ قال فأنت شهيد: قال أرأيت إن قتلته؟ قال هو في النار. الخامس: أن يكون القتل بأداة يقتل بها أو بمثلها غالبا: قال صاحب المعني "العمد ما ضربه بحديدة أو خشبة كبيرة فوق عمود الفسطاط "يعني الخيمة" أو حجر كبير في الغالب أن يقتل مثله أو أعاد أحدهما أن يضربه بمجدد وهو ما يقطع ويدخل في البدن كالسيف والسكاكين والسنان "يعني الحربة والرمح" فهذا كله إذا جرح به جرحا كبيرا فمات فهو قتل عمد لا خلاف فيه بين العلماء فيما علمناه. السادس: أن يكون المقتول معصوم الدم فإن كان المقتول حربيا أو مرتدا ثبتت ردته بالبينة القاطعة فلا قصاص علي قاتله ولا دية. روي البخاري ومسلم في صحيحهما: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "لا يحلم دم امريء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدي ثلاثة: 1- الثيب الزاني. 2- والنفس بالنفس 3- والتارك لدينه المفارق للجماعة وأمر القتل إنما يكون للحاكم فهو الذي يقيم الحدود فمن رأي مرتدا أو زانيا أو قاتلا فلا يقتله بنفسه وإنما يرفع أمره لولي الأمر بخلاف الحربي فإنه يقتله متي تمكن منه هذه هي أهم الشروط التي ذكرها الفقهاء في قتل العمد والدليل من القرآن الكريم قوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلي الحر بالحر والعبد بالعبد والانثي بالأنثي فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدي بعد ذلك فله عذاب أليم ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" البقرة. والمعني: يا من آمنتم بالله حق الإيمان. فرض الله تعالي عليكم القصاص بسبب القتلي بأن يقتلوا القاتل عقوبة علي جريمته دون أن تقتلوا سواه بأن تقتلوا الشخص الحر بمثله والعبد بمثله والمرأة بمثلها: وهذا لا يمنع من أنه إذا قتل الرجل امرأة أن يقتل بسبب قتله لها. لأنه قد أجمع العلماء علي قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل؟ وأن القاتل عمدا إذا اسقط عنه أولياء القتل القصاص ورضوا أن يأخذوا منه دية القتيل فعليه أن يدفعها لهم بدون تسويف أو مماطلة. وعليهم أن يكونوا رفقاء في مطالبته بدفع الدية وذلك الذي شرعناه لكم هو من باب التخفيف عليكم والرحمة بكم. فمن تجاوز منكم أيها المؤمنون هذه التشريعات فله عذاب أليم واعملوا أن تنفيذ القصاص في القاتل الذي قتل إنسانا ظلما وعدوانا يؤدي إلي الحياة الآمنة أما تركه فيؤدي إلي فتنية في الأرض وفساد كبير. حكم القتل العمل من أكبر الكبائر ومن أعظم الذنوب لأن الله تعالي قد كرم الإنسان وحرم الاعتداء عليه. ومنحه حق الحياة. فمن اعتدي علي حياته بالقتل فقد استحق اللعن والطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة بدليل قوله تعالي: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما" النساء .93 وبدليل قوله سبحانه: "إنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" المائدة .32 ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي توعدت قتل النفس ظلما وعدوانا قوله صلي الله عليه وسلم "الإنسان بنيان الله. ملعون من هدم بنيان الله". وفي حديث آخر "لزوال الدنيا أهون علي الله تعالي من قتل مؤمن بغير حق". وإلي جانب أن القتل العمد من أكبر الكبائر. ومن أعظم الذنوب. فإن جزاء القاتل عمدا الإنسان ظلما وعدوانا. القصاص أي القتل لهذا القاتل كغيره دون سبب شرعي يدعو لذلك. ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "العمد وقود إلا أن يعفو ولي المقتول" أي القتل العمد يوجب قتل القاتل إلا إذا عفا عنه أولياء المقتول وسمي القصاص من القاتل عمدا قودا لأن هذا القاتل يقال إلي جهة تنفيذ الحكم بقتله كذلك من أحكام القاتل لغيره ظلما وعدوانا الحرمان من الميراث والوصية إذ لا يرث القاتل من ميراث المقتول شيئا إذا كان القاتل من ورثة المقتول سواء أكان القتل عمدا أو خطأ لأن القاعدة الفقهية تقول "من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه" وهذا مذهب جمهور الفقهاء. يثبت القصاص في القتل بأحد أمرين: الأول: الاعتراف الصريح. فإذا قال القاتل أنا قتلته عمدا ولم يكن مكرها علي الاعتراف ولم يكن به جنون ولم يكن له في ذلك غرض يريد تحقيقه كأن يريد أن يتخلص مما هو فيه من ضيق شديد وفقر مدقع. ومرض موجع وبأس فاجع وغير ذلك من الأمور التي تجعل صاحبها يفكر في التخلص من الحياة بأي طريقة لضعف إيمانهم بالله تعالي وعدم ثقتهم بفضله ورحمته فهذه كلها من الشبهات التي تدرأ الحد فعلي الحاكم أن يكون فطنا لمثل هذه الأمور فلا يأخذ الاعتراف مهما كان صريحا إلا إذا صدر من صاحبه وهو بكامل قواه العقلية والنفسية وهو واثق مما يقول ليس من وراء اعترافه دوافع أخري تشوبه وتجعله موضع شبهة يدرأ بها الحد: والاعتراف سيد الأدلة كما يقولون. الثاني: شهادة رجلين عدلين: يشهدان أمام الحاكم أنهما رأوه يقتل بآلة قاتلة كسكين ونحوها. وأنهما رأوا المقتول يشحط في دمه ولا تقبل في الحدود ولا في القصاص شهادة النساء مهما كثر عددهن.