مازال العالم الإسلامي شرقاً وغرباً يتابع تلاوة القاريء العملاق صاحب الحنجرة الذهبية الشيخ عبدالعظيم زاهر "1904- 1971" بتقواه وورعه وزهده وخشوعه وأدائه المتميز.. ورغم مرور 42 عاماً علي رحيله إلا أنه مازال باقياً في ذاكرة وأذهان الناس ليس بقرآنه فقط. ولكن بآذانه الشهير الذي أصبح يتابعه كل مسلمي العالم لحظة انطلاق مدفع الافطار في شهر رمضان المعظم. حرصت "عقيدتي" علي مشاركة أسرة الشيخ عبدالعظيم زاهر. فكان لها هذا اللقاء المثمر مع نجله الدكتور سمير عبدالعظيم زاهر -طبيب بانجلترا- الذي قال: إن نبوغ أبي -عليه رحمة الله- جاء مبكرًا. فقد ألحقه والده بكتاب القرية حينما كان عمره 3 سنوات وبحمدالله حفظه كاملاً بإتقان وعمره سبع سنوات. الإنطلاقة يقول د. سمير: كان الوالد -رحمه الله- يحب أن يقرأ القرآن بصوت عالي جداً بحيث يسمعه كل من في المنزل. وربما بعض الجيران أيضاً نظرًا لقوة صوته وأدائه. وحينما وصل سن الثامنة طلب منه أن يفتتح احتفال القرية بمناسبة المولد النبوي الشريف.. وهنا سمعه عمدة القرية فأعجب به وانبهر بأدائه فنصح والده -جدي- قائلاً: إن هذ الولد سيصبح له شأن عظيم في دنيا التلاوة. فلا بد أن تسارع بأن تجعله يسافر إلي القاهرة حيث المجد والشهرة. يكمل د. سمير: ..وبالفعل استجاب جدي لنصيحة العمدة وأرسل والدي الشيخ عبدالعظيم مع شقيقه الأكبر حسين الذي كان يعمل مدرساً بالقاهرة ألحقه للدراسة بمعهد قراءات الشيخ خليل محمد غنيم الشهير بالشيخ الجنايني. وواصل الشيخ تفوقه الدراسي حتي وفقه الله بالحصول علي إجازة في القراءات السبع. الزواج المبارك وعن زواج الشيخ عبدالعظيم زاهر يحكي د. سمير: حينما تخطي والدي سن ال17 أصر جدي علي تزويجه. فتزوج من والدتي والتي كانت سيدة صالحة جداً.. وقد حدث موقف في بداية زواجهما أن العائد من القراءة كان زهيدًا جدًا. فعثر شقيقه حسين علي وظيفة له بإحدي المدارس وأبلغه أنه سيعمل مدرساً للقرآن الكريم بالمدرسة مقابل خمسة جنيهات. ولكن المدرسة تشترط علي من يقوم بهذه المهنة -مدرس قرآن- أن يرتدي بدلة ولا يرتدي العمة والكاكولا.. فعاد الشيخ إلي زوجته فرحاً مسروراً قائلاً: بحمدالله عثرت علي عمل بعائد مادي خمسة جنيهات -وكان المبلغ كبيرا جدا في تلك الفترة- وأطلع زوجته: ولكنهم اشترطوا عدم ارتداء العمة والكاكولا -الزي الأزهري- هنا غضبت الزوجة وقالت للشيخ عبدالعظيم: انني تزوجت شيخاً ولن أقبلك إلا وأنت "شيخ للقرآن" وخيّرته بين أمرين إما أن يرتدي العمة والكاكولا أو تطلق منه فوراً.. فاحترم الشيخ رغبة الزوجة الصالحة التي توجهت له بسؤال: "قلت إنك ستتقاضي خمسة جنيهات مقابل هذا العمل. فما الذي ستتقاضاه مقابل القراءة؟ فقال لها: إنما هذ أجره علي الله.. فقالت: وأنا لا أريد سوي الذي هو من عند الله. المكافأة أثناء إحياء الشيخ عبدالعظيم زاهر لاحدي السهرات تصادف وجود سعيد باشا لطفي الذي انبهر بأداء الشيخ فطلب منه بعد أن أثني عليه أن يتوجه له غدًا في الإذاعة لتقديم طلب اختبار بلجنة اختبار القراء. وبالفعل توجه الشيخ في اليوم التالي فأمر عبدالعظيم باشا لطفي مدير الإذاعة وقتها بعقد لجنة فورًا برئاسته وعضوية أ.مصطفي رضا وآخرين وقرأ الشيخ "وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس بما عملت وهو أعلم بما يفعلون" "69. 70 من سورة الزمر". فقبل الشيخ ليصبح ثاني قاريء تعتمده الإذاعة بعد الشيخ محمد رفعت -رحمه الله- ثم تبعهما المعتمد الثالث الشيخ أبوالعينين شعيشع. وأكد نجل الشيخ عبدالعظيم زاهر أن والدته كانت قد رأت رؤيا قبل هذا الاعتماد مفادها أنها رأت الشيخ في الرؤيا مرتدياً للزي الأزهري محاطاً بشيء يشبه الوشاح مكتوب عليه اسم الشيخ عبدالعظيم زاهر بطريقة مستديرة وحينما قصوا الرؤيا علي الشيخ السقا فسرها بقوله: إن اسم الشيخ سوف ينتشر بقوة.. وكانت بمثابة البشارة ليلتحق الشيخ بعدها بالإذاعة ليحلق صوته عبر الأثير في أنحاء الدنيا.. وكانت الإذاعة وقتها تعلن لمدة ثلاثة أيام عن مولد نجم جديد في دنيا تلاوة القرآن الكريم وهو الشيخ عبدالعظيم زاهر وقدمته في أول إذاعة له في 20/4/.1936 مدرسة مستقلة وعن مدرسة الشيخ أضاف: لقد كان صاحب مدرسة مستقلة بذاتها» فرغم انه كان معاصرًا للشيخ أبوالعينين شعيشع والشيخ محمد رفعت والشعشاعي الكبير وعلي محمود ومصطفي اسماعيل ومحمد المنشاوي والبنا والحصري.. وكان يعشق الشيخ أحمد ندا واسماعيل سكر إبراهيم الفران وكان قد سبقه في التلاوة من قريته العلم القرآني الشيخ منصور بدار.. رغم وجود كل هؤلاء في حياة الشيخ إلا انه لم يقلد أحداً ولم يستطع أحد أن يقلده حتي يومنا هذا.. وعن مدرسته.. كان صاحب مدرسة تتميز بالعديد من المقامات أهمها مقام الصبا الذي كان يصاحبه الخشوع.. وكان الأداء أداءً ربانياً.. كان يميز الشيخ أيضاً في تلاوته انه كان يقرأ القرآن و كأنه كان يفسره بحيث كان المستمع يجده يتعامل مع النص القرآني بفهم وتجاوب. مهمته التأثير في وجدان السامع. وكان يتميز بوقفات مميزة جداً منها مثلاً: عندما كان يقرأ آخر سورة القصص: "فجاءته إحداهما تمشي علي استحياء" فيقف الشيخ -أي أن هذا الاستحياء هو من طبيعة المرأة- ورسول الله يقول: "من لا حياء فيه لا خير فيه" ثم يكمل الشيخ قول الله: "قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا" وفي سورة القصص يقرأ الشيخ: "أفغير الله تبغونني أعبد أيها الجاهلون" فيقف ثم يكمل "ولقد أوحي إليك وإلي الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكنن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين".. هنا كنا نجد الشيخ يقف علي قول الله تعالي: "بل الله فاعبد" بأعلي طبقة في صوته -جواب الجواب- تفاعل شيخ الأزهر أضاف د. سمير: ولأن مدرسته كانت من أرقي المدارس في الأداء حدث ذات مرة أن إمام الجامع الأزهر الشيخ حسن مأمون كان حاضرا لواجب عزاء. وحدث عندما سمع القرآن بصوت الشيخ عبدالعظيم زاهر أن وقف وقال بأعلي صوته: يا سلام يا شيخ علي هذا الأداء. والله وكأن القرآن يتنزل من السماء. أضاف: قص عليَّ شقيقي الأكبر الدكتور حسين أن جنود الجيش الإنجليزي حينما سمعوا جمال صوته دخلوا السرادق المقام بالقلعة -وكان ذلك قبل الثورة- وجلسوا ليستمعوا للقرآن بصوته العذب. يقرأ القرآن في الكعبة يحكي لنا د. سمير أن ملك السعودية التقي والدي حينما كان يؤدي فريضة الحج عام 61 وأصر الملك علي مرافقته أثناء الطواف حول الكعبة المشرفة. وأمر الملك فيصل بفتح الكعبة فدخلها والدي وقرأ من سورة فاطر: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا". من عاداته وعن تواضعه قال: كان والدي -رحمه الله- جالس الفقراء وخصوصاً أهالي القرية الذين أحبهم وأحبوه حباً جماً. وأذكر ذات مرة أن تعطلت السيارة في مدخل القرية فقام الأهالي برفع السيارة وكان بداخلها الشيخ الذي أراد أن ينزل معهم لكنهم رفضوا مؤكدا: كنت معه في تلك اللحظة.. وكان من عاداته أيضاً أنه كان حريصاً علي صلاة الفجر جماعة بالمسجد وكان يحدثنا بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: "بارك الله لأمتي في بكورها". وكان حريصاً علي صلة الأرحام فكان إما يحضر خصيصا لزيارة أقاربه في القرية. وإما سيتضيفهم عنده بفيلته بالزيتون. وعن كرمه حدث ذات يوم أن احترق محصول زهر القطن وأصبح الأهالي عاجزون عن سداد الإيجار -دفع الإيجار- فترك لهم الإيجار بأرضه البالغة مساحتها 52 فداناً. يحب الصفح وعن صفحه عن الآخرين يقول د. سمير: حدث ذات مرة أنني اكتشفت أن بائع الدجاج الذي كان يأتينا بالأشياء انه قد وضع قطعة حديد لتثقل الميزان. فأمسكت بيده وكان ذلك بمنزلنا فظل يعتذر إليَّ حتي لا أبلغ ووالدي. فأبلغت والدي. طلب مني عدم فضحه مرة أخري. وقال للرجل: لماذا تقوم بهذا الفعل المشين؟ فاعتذر الرجل وهو يبكي وأقسم لوالدي أنه لن يعود لمثل هذا أبداً. فأعطاه الشيخ أموالاً كثيرة. وقال له: إذا أردت شيئاً فتعال وخذ ما تريد ولا تقدم علي هذه الأشياء .. والتفت إليَّ وطلب منيِّ عدم إراقة ماء وجهه لأنه مسكين. الصدقة الجارية يقول د. سمير عبدالعظيم زاهر: يقول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له". وبحمد الله تعالي ينطبق هذا الحديث الشريف علي والدي -رحمه الله- أما عن صدقة جارية فنقول بحمدالله: إن للشيخ العديد من المراكز الإسلامية والمساجد العملاقة والجمعيات الخيرية ودور الأيتام ورعاية الأيتام وتزويج اليتيمات ودور تحفيظ القرآن بقرية الشيخ بالقليوبية مجول. وبالزيتون. وبمدينة نصر والشروق.. هذا بخلاف دار للمناسبات بقريته. أما عن العلم الذي ينتفع به فقد ترك -ولله الحمد- العديد من التسجيلات القرآنية التي تسمعها الدنيا يومياً ليس أجل و لا أحسن من كلام الله -عز وجل- أما عن الولد الذي يدعو لأبيه. فأقول نحن بحمدالله 12 فرداً.. "8" من الأم الأولي التي رحلت. و"4" من الأم الثانية. وكلنا -ولله الحمد- ما من يوم يمر إلا وندعو له. تكريمات تم تكريم الشيخ في حياته بإصدار دولة عُمان طابع بريد يحمل صورة الشيخ وكرمته الدولة بعد وفاته بعشرين عاماً بمنحه وساماً رفيعاً من الطبقة الأولي. وكانت موسوعة عظماء القرن العشرين قد تضمنت الشيخ عبدالعظيم زاهر بصفحتها رقم 331 من الزعماء ورجال الدين والسياسة والمفكرين وكبار الأدباء والكتاب.