الدكتورة فوزية عبد الستار أستاذ القانون بجامعة القاهرة أول سيدة مصرية يتم تعيينها في مجلس شعب عام 7891 وقد أهلتها كفاءتها لتولي رئاسة اللجنة التشريعية والدستورية بالمجلس وهي أول امرأة تتولي هذا المنصب.. ويأتي هذا الحوار مع الدكتورة فوزية عبدالستار باعتبارها فقيهة دستورية وباعتبارها أحد الذين يملكون رؤية شاملة لما يجري علي الساحة السياسية بكل ما تتضمنه من تداخلات وتناقضات خاصة ونحن علي أعتاب إعداد دستور جديد ناهيك عن الجدل المثار حول تشكيل الجمعية المنوط بها وضع الدستور.. وقضايا أخري مهمة.. وهنا تكمن أهمية هذا الحوار.. كيف ترين المشهد المتأزم بين جميع الأطراف بشأن تشكيل لجنة إعداد الدستور.. وكيف يمكن الخروج؟ البحث في مسألة تكوين أو تشكيل الجمعية التأسيسية لعمل الدستور لايحتاج إلي كل هذا النقاش المحتدم لاسيما في البرلمان، فالمفروض أن هذه الجمعية تشمل جميع أطياف الشعب المصري بكل طبقاته وبكل انتماءاته وبكل ثقافته فيجب أن تشمل كبار أساتذة القانون الدستوري في الجامعات المصرية وكبار المستشارين الذين طبقوا نصوص الدستور ويعرفون دقائقه وتشمل الجمعية أيضا رؤساء الأحزاب السياسية ورؤساء النقابات المهنية والعمالية إضافة إلي الأقباط والمرأة والشباب والفلاحين والعمال والتجار وكل الفئات المتصورة وذلك لسبب بسيط هو أن الدستور ماهو إلا تنظيم للقواعد الأساسية التي تحكم كل المواطنين، وبالتالي لابد أن يكون متوافقا مع جميع هذه الفئات.. وأقول إن الذي يدهشني هو مطالبة بعض أعضاء البرلمان بنسبة كبيرة في الجمعية، فالبعض طالب ب 04 في المائة والبعض الآخر قال إنها 06 في المائة من أعضاء الجمعية وهذا غير مفهوم إطلاقا وليس له أي سند من القانون أو الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة في 03 مارس من العام المنصرم.. ولك أن تعرف أن البرلمان لايعدو أن يكون أحد طوائف الشعب وبالتالي يجب أن يكون تمثيله بنفس نسبة تواجده في المجتمع. فهذا العدد من الأعضاء نسبتة محدودة إلي جانب الشعب المصري ومن هنا يجب إلا يمثل بأكثر من 5 في المائة أو علي أقصي تقدير 10 في المائة من الجمعية التأسيسية.. ويجب أن يكون واضحا هنا أن الإعلان الدستوري قد عهد إلي البرلمان بانتخاب اللجنة فقط وليس بالانضمام إليها. لكن هناك من يري أن غالبية دساتير العالم ولدت من رحم البرلمانات؟ أولا هذا نوع من المبالغة ثانيا لكي يكون البرلمان جزءا من الجمعية التأسيسية يجب أن يكون له سند من نصوص الدستور أو الإعلان الدستوري، وليس لدينا نص بهذا المعني.. علما بأن هذه الدساتير تعهد إلي البرلمان بانتخاب اللجنة وليس بتشكيلها.. فليس من حق البرلمان أن يشكل نفسه في هذه الجمعية التي تضع الدستور. دستور71 ماهي أهم مقترحات الدستور الجديد وأي دستور يتناسب مع مصر؟ واقع الأمر أن دستور عام 1971 المصري كان يعتبر من أفضل دساتير العالم قبل أن يشوه بتعديلات عام (2005 2007) فقد كان الهدف من هذه التعديلات شخصيا بإتاحة الفرصة للتوريث.. وأقول إن هذا الدستور فيه أبواب كثيرة لاتزال تصلح في مصر فيمكن الأخد بها مثل الباب الذي يتكلم عن المقومات الأساسية للمجتمع والباب الذي يتكلم عن الحريات والحقوق والواجبات العامة والباب الذي يتكلم عن سيادة القانون وأيضا الباب الذي يتكلم عن استقلال القضاة. وأما الذي يحتاج إلي تغيير فعلا سلطات رئيس الجمهورية التي يجب أن تحجم أو تقل في الدستور الجديد حتي لا تتيح الفرصة لديكتاتور جديد.. فيجب أن يكون تقرير مسئولية رئيس الجمهورية أمام الشعب وكذلك الوزراء.. فلا يصح ولايجوز أن تكون لهم حصانة فالإسلام ليس فيه حصانة للحاكم وإنما هو مسئول مسئولية كاملة عن جميع أفعاله. لكن ماهي أهم المقترحات التي ترينها في الدستور الجديد؟ أولا : النص علي التفرغ الكامل لأعضاء مجلس الشعب في أداء مهمتهم البرلمانية حتي لايجمع عضو في المجلس بين وظيقته في السلطة التنفيذية ووظيفته في السلطة التشريعية لأنه إذا جمع بينهما.. كما يحدث الآن فإنه لن يستطيع أن يؤدي واجبه الرقابي علي السلطة التنفيذية إذ كيف يتصور أن مديرا عاما في وزارة معينة يمكن أن يوجه سؤالا أو استجوابا لوزيره، فهذا لا يجوز. المقترح الثاني أري إلغاء أي تخصيص مقاعد لفئة معينة ومن هنا يجب إلغاء نسبة العمال والفلاحين التي كان منصوصا عليها في الدستور السابق، كما يجب إلغاء نسبة المرأة التي كان ينص عليها التعديل الذي أدخل علي الدستور السابق لسبب هو أنه طالما أن الدستور ينص علي مبدأ المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات العامة.. فلا يجوز تخصيص نسبة لفئة معينة.. لأن هذا يتعارض مع مبدأ المساواة وهو من المبادئ التي تسمو فوق الدساتير. المقترح الثالث: يجب النص علي اعتبار الرقابة الدستورية علي القوانين تكون سابقة علي إصدارها وليست لاحقة علي ذلك كما هو الشأن الآن والسبب في ذلك أن الرقابة السابقة تعني أنه عندما يريد مجلس الشعب أن يصدر قانونا معينا فإنه يحيل الأمر إلي المحكمة الدستورية العليا لكي تبحث ما إذا كان متفقا مع الدستور أو مخالفا له فإذا قضت أنه متفق مع الدستور يصدره المجلس، وأما إذا كان غير متفق فيعاد إلي المجلس ليعدل مافيه من عوار حتي يصاغ بصبغة الدستور فيخرج في كل الأحوال متفقا مع الدستور، ولهذا التعديل أهمية كبيرة لأن صدور القوانين مدموغة الدستورية يؤدي إلي الاستقرار التشريعي، فلا يحكم ببطلان القانون بعد ذلك. فلا شك أن الاستقرار التشريعي يؤدي إلي طمأنينة المستثمرين ويشجع علي الاستثمارات. المقترح الرابع: مقترح قد يثير البعض هو إلغاء الحصانة البرلمانية. فكثيرا ما تسببت في إفلات بعض المنحرفين من العقاب نتيجة تسترهم وراء الحصانة. فمجلس الشعب غالبا مايدافع عن العضو المتهم باعتباره جميلا لأعضائه ومن ثم غالبا مايرفض رفع الحصانة ومن هنا تضيع الحقوق وينتهك العدل في الدولة. الاقتراح الخامس: أري ضرورة النص في الدستور الجديد علي أن الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلسي الشعب والشوري يجب أن تختص به السلطة القضائية. ولايكون للمجلس التشريعي شأن في ذلك. فالسلطة القضائية سلطة مستقلة ومحايدة وهي الأقدر علي الفصل في صحة عضوية النواب علي أن يكون قرارها نهائيا لايخضع لسلطة المجلس بعد ذلك. المقترح السادس: لابد من تقليص سلطات رئيس الجمهورية حتي لاتؤدي السلطات الواسعة التي كانت له في الدستور السابق إلي تحكمه واستبداده. المقترح السابع: ضرورة النص علي انتخاب نائب لرئيس الجمهورية في نفس الوقت الذي ينتخب فيه رئيس الجمهورية وذلك حتي يأتي النائب برضاء الشعب ولايترك تعيينه في يد رئيس الجمهورية. لاسيما أنه يقوم بمهام رئيس الجمهورية في غيابه للسفر أو للمرض أو العجز أو غير ذلك من المهام. كيف تفسرين المخاوف التي تنتاب البعض من حدوث انقسام عند كتابة الدستور الجديد؟ من الطبيعي أن يكون هناك خلافات بين أعضاء لجنة يصل عددهم إلي مائة عضو ولكن في النهاية لابد من الاستقرار علي رأي معين ولابد أن يقدر أعضاء الجمعية التأسيسية مسئوليتهم التاريخية.. فلابد أن يكون لديهم من المرونة مايجعلهم يتوافقون علي النصوص التي تحقق المصلحة العليا لمصر دون النظر إلي أي اعتبارات. محل اتفاق ❊ المادة الثانية من دستور 1971 تنص علي أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومباديء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. هذه المادة أحدثت جدلا بين التيارات الإسلامية المختلفة فحزبا النور والبناء والتنمية يقولون بتعديل المادة الثانية لتنص صراحة علي أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع في حين يتمسك حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للإخوان المسلمين علي الابقاء علي النص الحالي الذي يقول بمباديء الشريعة الإسلامية؟. أري أن يظل هذا النص كما هو لأنه يكفل ويضمن ألا يصدر أي تشريع إلا إذا كان متفقا مع مبادئ الشريعة الإسلامية وأيضا، لأن الأقباط أعلنوا موافقتهم علي استمرار هذا النص لأنهم مطمئنون إلي أن الشريعة الإسلامية تحمي حقوقهم وتقرر اخضاعهم لشريعتهم فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية. فلا يوجد أي داع إطلاقا لإثارة الجدل والخلاف فهذه المادة محل اتفاق من الجميع وتضمن حقوق المسلمين والمسيحيين علي حد سواء. ماذا يقصد بعبارة الإسلام دين الدولة .. فهل يقصد بالضرورة الإسلام الحضاري الذي يتجاوز الطقوس والشعائر؟ الإسلام هو الإسلام، فلايوجد إسلام حضاري وغير حضاري، فالإسلام فيما أعرفه دين ودولة بمعني أن الإسلام كما ذكر الإمام الأكبر الراحل الشيخ محمود شلتوت هو عقيدة وشريعة. فالإسلام كما جاء بالعبادات والفروض الدينية من صلاة وزكاة وحج جاء أيضا بتشريع تنظيمي لجميع جوانب الحياة في المجتمع سواء تعلقت بعلاقة الحاكم بالمحكومين.. فبمقتضي الإسلام أن الحاكم يأتي بإرادة الشعب ويخضع للرقابة الشعبية ويسأل عن أفعاله كلها مسئولية جنائية ومدنية شأنه شأن أي مواطن آخر، كذلك ينظم المعاملات المدنية ويضع أحكاما للبيع وللشراء وأحكاما للهبة وأحكاما تفصيلية للمواريث. كما يقرر مواجهة المجرمين بالعقاب الرادع ليتحقق الأمن في المجتمع وينظم العلاقات الخارجية بين الدول ويضع قواعد مثالية في حالة الحروب، فالإسلام عقيدة وشريعة أي دين دولة. المختلط أفضل ماهو النظام الأقرب والأنسب لمصر.. البرلماني أم الرئاسي أم المختلط؟ في الواقع النظام الرئاسي لابأس به، إذ أحسن اختيار رئيس الجمهورية، لأنه الذي يحقق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبما أن النظام الرئاسي يعطي سلطات واسعة لرئيس الجمهورية.. فالأصلح أن نأخذ بنظام مختلط.. فلا نأخذ بالنظام البرلماني علي إطلاقه لأنه يطلق سلطات البرلمان بما قد لا يتفق مع مصلحة مصر. هناك تباين في مواقف القوي السياسية حول الجيش في الدستور.. حيث نجد من يطالب بحصانة للمجلس العسكري.. ومن يطالب بتحديد خصوصية للجيش ومن يرفض أي خصوصية؟ أرفض أي امتياز لأي فئة من الشعب طالما أننا نخضع لمبدأ المساواة وهو مبدأ أساسي في أي دستور متحضر. فكلنا نخضع لسيادة القانون. هل سيستمر البرلمان إلي أن يتم مدته القانونية أم تتوقعين حله؟ لا أتوقع ذلك، لأن عناصر حل المجلس موجودة في الخلل الدستوري وفي نصوص قانون مجلس الشعب باعتبارها أخلت بمبدأ المساواة بين المواطنين وبمبدأ تكافؤ الفرص وهي من المبادئ الدستورية الهامة، فالوضع الطبيعي أن يحكم بعدم دستورية هذه النصوص، وهذا معناه بطلان المجلس الذي انتخب علي أساسها فإذا كان المجلس باطلا. فلا يجوز أن يستمر وبالتالي يجب حله في هذه الحالة. بعد حصول التيار الإسلامي علي الأغلبية في البرلمان (بغرفتيه) هل نحن مقبلون علي دولة دينية؟ لابد أن يكون واضحا للجميع بأنه لايوجد مايسمي بالدولة الدينية في النظام الإسلامي إطلاقا.. ففي صدر الإسلام والوقت الذي كان فيه أشد ما يكون قوة كان يتولي الحكم رجال (عاديون) ولايتطلب الإسلام أن يكون الحاكم من رجال الدين. بل هو شخص يستشير فيما يتعلق بمسئوليته من العلماء والخبراء في جميع المجالات ثم يتخذ قراره في ضوء هذه المشورة. وأقول إن الإسلام وضع قواعد هامة هي قاعدة الشوري كما جاء في قوله تعالي {وأمرهم شوري بينهم} فالدولة الدينية يحكمها رجل الدين ويدعي بأنه يعمل بتفويض إلهي، ولذلك يصدر من القرارات مايشاء ويستبد بشعبه كما يشاء دون أن يسأل لأنه يدعي بأنه يحكم باسم الله سبحانه وتعالي وهذه الدولة كانت موجودة في القرون الوسطي في أوروبا.. لكن الدولة في الإسلام لاتعرف رجال الدين لأنه لايوجد في الإسلام لارهبنة ولا كهنوت. كيف ترين تفعيل قانون محاكمة الوزراء رقم 79 لسنة 1958؟ هذا القانون أصبح غير قابل للتطبيق باعتباره ينص علي تشكيل المحكمة من قضاة مصريين وسوريين فهناك استحالة لتطبيق هذا القانون، ومادام الأمر كذلك أري الرجوع إلي القواعد العامة وخضوع الوزراء للقانون الطبيعي العادي شأنهم شأن بقية المواطنين فيخضعون لقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية. وماذا عن قانون السلطة القضائية؟ هذا القانون لابأس به إطلاقا، ربما الاعتراض علي بعض النصوص التي تجعل هناك نوعا من التبعية لوزارة العدل، واعتقد أن مايريده القضاة هو التخلص من هذه التبعية ويكتفون بالتبعية الإدارية فقط فهذا القانون لابأس به. هل تتفقين مع المطالب الداعية لإلغاء مجلس الشوري؟ لا أؤيد وجود مجلس شوري ينفق عليه هذا الحجم من النفقات وبدون جدوي واقترح الاستعاضة عنه بلجنة استشارية. ❊ في مؤتمر عقد مؤخرا بحزب الحرية والعدالة طالبت بعض النائبات عن الحزب بإلغاء المجلس القومي للمرأة؟ لا أجد مايبرر وجود مجلس قومي للمرأة لأن المرأة جزء من الشعب وتخضع للقانون وللدستور المصري الذي يقرر مساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات العامة وهنا أتساءل لماذا يخصص للمرأة مجلس قومي؟ فالشعب أحوج لهذه النفقات التي تنفق علي هذا المجلس. وسط الاسماء المرشحة لمنصب رئيس الجمهورية من برأيك من هذه الأسماء تكاد تجتمع به الكثير من الصفات المؤهلة لهذا الموقع؟ حتي الآن لم تتضح أمامي الصورة بعد.. فلابد أن يعرض المرشحون برامجهم وتوجهاتهم ويمكن في ظل ذلك التفضيل بينهم. ماهي الأسباب التي أدت إلي الصدام مع النظام السابق.. والذي انعكس علي استبعادك من مجلس الشعب. اعترضت علي أمور كثيرة أثناء تواجدي بالمجلس لكن الاعتراض الأكبر الذي كان بسببه خرجت من المجلس كان علي توريث بعض الوظائف في بعض الجهات والوزارات حيث كان هناك جهات خاصة بأولاد المسئولين (يشتغلون) فيها.