25 سبتمبر.. هو الموعد الذي حدده أكراد العراق، للاستقلال عن الدولة الأم والمضي قدما في تحقيق الحلم الذي يراودهم منذ أكثر من مائة عام، بإنشاء أول دولة كردية بالمنطقة العربية بالعراق، وربما تمتد بعد ذلك لتشمل الدولة الكردية الكبري في كل من سورياوإيرانوتركيا إضافة للعراق، والحلم يتزعمه رئيس إقليم كردستان العراق: مسعود البارزاني الذي يري أن الحلم قد تأخر كثيراً وأن الإقليم هو أقليم مستقل فعليا وفوق الأرض، أو بمعني أصح حسب خصومه هو دولة داخل الدولة؟! وحلم الدولة الكردية.. هو حلم قديم يداعب كل أكراد المنطقة وخاصة في العراقوإيرانوتركياوسوريا.. وبعد الترتيبات التي وضعها الحلفاء أثناء الحرب العالمية الأولي، وظل الحلم يراود الأكراد بين الحين والآخر وتبعا لظروف المنطقة التي اصطدم الحلم بها أكثر من مرة وحالت الظروف تلك في تحقيقه أكثر من مرة خاصة مع رفض حكومات تلك الدول مجرد مناقشة هذا الحلم أو حتي تحقيق الحكم الذاتي للأكراد في أي من تلك الدول، عدا العراق الذي وافق في بدايات القرن الحالي علي إنشاء كيان مستقل لهم في إقليم كردستان العراق الذي يحظي بعلم خاص به وبعملة مستقلة إضافة لحصة كبيرة من البترول الذي يعوم فوقه الإقليم والباقي للحكومة المركزية في بغداد. ولذا.. حاول الأكراد كما تقول التايمز البريطانية أن يطالبوا بحقوقهم بصورة أكثر دبلوماسية ودون الاصطدام بالدول المركزية بالمنطقة مع الاتصالات شبه المستمرة مع القوي الفاعلة بالمنطقة لتأكيد أحقيتهم في الاستقلال وإنشاء الدولة الكردية أو علي الأقل إنشاء أقاليم مستقلة خاصة بهم كما حدث في العراق كمثال. ومع اندلاع الثورات العربية بداية من العام 2011 بدأ الحلم الكردي يعود للواجهة وبصورة أقوي وكان ذات العام بداية طرح جديد للدولة الكردية قدمه مسعود البارزاني خلال زيارته للبيت الأبيض ولقائه بالرئيس الأمريكي وقتها باراك أوباما الذي اقتنع بالطرح الكردي علي أساس أن الأكراد بالمنطقة باتوا حلفاء تقليديين لأمريكا والغرب في حربها ضد الإرهاب وضد الجماعات المتطرفة الجهادية خاصة داعش في العراقوسوريا.. ومن هنا كان اعتماد أمريكا علي وحدات حماية الشعب الكردي وقوات سوريا الديمقراطية والبشمركة في معارك ضد تنظيم داعش التي استمرت لعدة شهور، أثبت فيها الأكراد أنهم رقم هام في معادلة التوازن العسكري بالمنطقة. أضف لذلك كما تقول الواشنطن بوست الأمريكية، أن الأكراد في العراق بصفة خاصة، ترجموا مواقفهم السياسية لسيطرة فعلية علي الأرض، ببسط نفوذهم علي عدة مناطق كان متنازعا عليها مع بغداد وأهمها: كركوك الغنية بالبترول والغاز، التي شكلت لهم موارد مالية إضافية واستقلالاً أكبر عن الحكومة المركزية والأهم تدعيم مطالبهم بالاستقلال التام عن الدولة العراقية وبقوة التواجد فوق الأرض والتدعيم الفعلي لمؤسساتها الخاصة بها. ومن هنا كان حرص إقليم كردستان علي أن تكون له مؤسساته الخاصة من برلمان وحكومة وجيش ومؤسسات اقتصادية كبري أو علاقات ممتازة مع كل من أمريكا والغرب وعلاقات لا تقل أهمية مع دول إقليمية وعربية فاعلة وأبرزها: تركيا والأردن وإيران ومعظم دول الخليج. وهو الأمر الذي ساعد إقليم كردستان علي أن يكون لاعباً فاعلاً في الأزمة العراقية مع الجماعات المتشددة وعلي أن تعترف به دول أو تنوي دول أخري علي الاعتراف به فور إعلان الدولة الكردية المستقلة في كردستان وعلي أساس مطالب كردية قديمة جديدة تؤكد كلها أن الكرد هم قومية مستقلة لابد لهم من دولة مستقلة لن تحوي أكراد العراق فقط بل ستشمل؛ سواء طال الزمن أم قصر، كل أكراد المنطقة الذين يشكلون نحو أربعين مليون كردي حسب رئيس إقليم كردستان العراق: مسعود البارزاني. وبين الحين والآخر.. يقترح الأكراد عقد استفتاء حول تقرير المصير وعلي غرار تجربة جنوب السودان الذي بدأ بإجراء استفتاء حول تحديد مصيره إما بالوحدة مع الشمال أو الانفصال عنه ثم بعد ذلك بالذهاب للأمم المتحدة لإصدار التقرير النهائي بإنشاء الدولة الحلم. ولا ينكر بارزاني هنا.. دور واشنطن والقوي الأوروبية الكبري الفاعلة بالمنطقة مع عدم إغفال مخاوف قوي إقليمية من إنشاء الدولة الكردية، التي تحوي قوميات كردية تخشي أن يطولها فيروس الاستقلال عن الدولة المركزية، والمقصود هنا كل من: سوريا التي تخوض فيها قوات كردية هناك معارك متواصلة ضد داعش وبمساعدة واشنطن خاصة في الرقة، وفي إيران حيث تعيش قومية كردية مرتبطة بأكراد العراقوسوريا، ثم تركيا التي تبدي مقاومة شديدة لأي فكرة حول دولة كردية مستقلة قد تطول أكرادها معها. والوضع بهذا الحال معقد.. خاصة مع معارضة واضحة للدولة الكردية المقترحة ومع ما يزيد الشكوك حولها أكثر مع تأييد إسرائيل لقيامها، كذريعة إما لتفكيك دول معادية لها مثل: العراقوسورياوإيران أو بإقامة علاقات مع الدولة الكردية الناشئة تكون بالضرورة مسمارا في نعش الدول العربية من حولها. والحل عند البعض، كما تقول النيويورك تايمز الأمريكية، هو في الحل التوافقي بأن تكون هناك دولة أو أقليم مستقل للأكراد داخل تلك الدول وليس في العراق وحده، وضمن نظام كونفيدرالي يحقق لتلك الأقاليم الناشئة المزيد من الاستقلالية في مؤسساتها المالية والسياسية والإدارية، وفي توزيع الثروة مع الدولة المركزية التابعة لها، وهو النموذج الموجود حالياً بالفعل في إقليم كردستان بالعراق، ولكن يبدو أن أكراد العراق لا يكتفون بذلك بل يطالبون بالمزيد وهو الأمر الذي ينتظره العالم كله مع استفتاء 25 سبتمبر وما بعده، وهو الاستفتاء غير الملزم للحكومة العراقية الذي اتفقت علي إجرائه كافة الأحزاب الكردية العراقية في سابقة لم تحدث من قبل ووفقا للمادة رقم 140 من الدستور العراقي التي تنص علي إجراء استفتاء في المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية في بغداد.