لم يكن مفاجئا سعي 'مسعود برزاني' رئيس إقليم كردستان نحو توظيف الأزمة العراقية الحالية لتحقيق حلم راوده كثيرًا بإعلان استقلال الدولة الكردية في شمال العراق، فمنذ التاسع من شهر يونية الماضي وفي أعقاب سيطرة مسلحي 'داعش' علي مناطق في شمال العراق وغربه ومن بينها الموصل وتكريت وبعد انسحاب القوات الحكومية منها دخلت قوات البشمركة الكردية لملء الفراغ وسيطرت علي كركوك ومناطق متنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة الفيدرالية. ومن ثم بادر 'مسعود برزاني' فأعلن جهرا اعتزامه إجراء استفتاء علي الاستقلال خلال أشهر مشيرا إلي أن العراق مُقَسَّم بالفعل وأن الاستقلال هو حق طبيعي للأكراد. لم يكن 'البرزاني' ليجرؤ علي الجهر بذلك وهو الذي حرص علي أن يبقي الحلم في نطاق السرية لولا اجتياح تنظيم 'داعش' لشمال العراق وترك القوات العراقية لمواقعها، الأمر الذي سمح للأكراد بالتحرك إلي المناطق المتنازع عليها مثل كركوك الغنية بالنفط والسيطرة عليها. ولقد سبق ذلك تحركات من جانب إقليم كردستان علي مدي السنوات الماضية، فبعد حرب الخليج الأولي 1991 نجح الأكراد في إقامة منطقة حظر طيران علي الإقليم بدعوي حمايتهم من غارات 'صدام حسين' وظفروا بالحكم الذاتي. ثم مالبثوا أن استفادوا من غزو أمريكا للعراق عام 2003 وبات إقليم كردستان في وضع أشبه مايكون بالاستقلال الذاتي وشرع في ممارسة صلاحيات الحكومة العراقية عندما بادر وأبرم عقود تصدير النفط للخارج في خطوة غير مسبوقة. واليوم وبعد سيطرة تنظيم 'داعش' علي مساحات واسعة من الأراضي العراقية بما فيها الموصل وتكريت ركب 'البرزاني' موجة الأحداث واستغل حالة الفراغ الأمني في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك الغنية بالنفط بين الحكومة المركزية العراقية وإقليم كردستان ليثير من جديد موضوع دولة الأكراد المستقلة. أما العامل الخارجي الذي شجع 'البرزاني' علي اتخاذ قرار السيطرة علي هذه المناطق تحقيقا لحلم الدولة الكردية، فهو دعم 'نيتنياهو' رئيس وزراء إسرائيل له عندما أعلن مؤخرا تأييده لموضوع استقلال الأكراد وإقامة دولة لهم في شمال العراق بدعوي أن هذا هو السبيل لمجابهة 'داعش' والحركات الجهادية في الشرق الأوسط. وأضاف نيتنياهو في تصريحاته: 'إن الأكراد أمة من المقاتلين أثبتوا اعتدالهم السياسي ولهذا يستحقون دولة مستقلة'. وهي التصريحات التي عززت رغبة الأكراد المحمومة في إقامة دولتهم المستقلة. وليس بخاف أن إسرائيل تسعي من وراء دعمها للحلم الكردي إلي خلخلة النظام الإقليمي العربي لاسيما في ضوء اشتعال الأوضاع في المنطقة وهو مايصب في صالح الكيان الصهيوني الذي مافتيء يسعي إلي تنفيذ الأجندة الصهيو أمريكية الرامية إلي تفكيك الدول العربية وتجزئتها من خلال إقامة دويلات صغيرة ومنها إقامة الدولة الكردية في شمال العراق. ويزداد القلق الآن من أن استقلال كردستان سيقود حتما إلي وضع مأزوم إذ سيدفع الأمور نحو تقسيم العراق إلي ثلاث دويلات: دولة كردية في الشمال ودولة سنية في الوسط وأخري شيعية في الجنوب. هذا بالإضافة إلي أن الخطوة ستقود أكراد سوريا وإيران وتركيا نحو السعي لتكوين دولة الأكراد المستقلة وهو ماتعارضه الدول الثلاث. وبالتالي فلو تم تفعيل ذلك علي أرض الواقع ستدخل المنطقة في حومة صراعات كبري لايمكن التنبؤ بأبعادها الكارثية