بعد انقشاع غبار معركة الموصل بين تنظيم داعش الإرهابي والجيش العراقي المدعوم بقوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، يبدو أن الخلافات المحلية – إذا صح التعبير – ستطرح نفسها وبقوة على ملف السياسة الداخلية العراقية، خاصة فيما يتعلق بملف استقلال إقليم كردستان عن العراق، والذي تناولته قيادة كردستانية بجرأة خلال الأيام القليلة الماضية، وتحاول على ما يبدو الاستفادة من الظروف الإقليمية لتحقيق أحلامها في الاستقلال، فالعراق ما زال ضعيفًا بعد حربه مع الإرهاب، كما أن واشنطن منحازة للأكراد في حربها على داعش في سورياوالعراق. يدار إقليم كردستان بنظام الحكم الذاتي، إلا أن حكومة البرزاني تطمح إلى تحويله إلى دولة مستقلة، تكون نواة لدولة "كردستان الكبرى" التي يطمح الكثير من الأكراد لإقامتها، وتضم أجزاء من العراقوتركياوسورياوإيران. موقف العبادي من الاستفتاء الكردي في الثلاثاء الماضي حذر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، خلال مؤتمر صحفي في بغداد، عقب الاجتماع الأسبوعي لحكومته، إقليم كردستان من إجراء استفتاء لاستقلال الإقليم عن العراق، واصفًا إياه بأنه غير دستوري وغير شرعي، وأضاف أن الحكومة العراقية لن تتعامل مع هذا الاستفتاء إذا تم، محذرًا من آثاره السلبية على العراق والإقليم. وقال مخاطبًا أكراد العراق: نحن نعيش في وطن واحد، وهذا الوطن يحكمه دستور وقوانين، وفي النهاية لا يوجد في الدستور فقرة للاستفتاء على الاستقلال من جانب واحد. وأشار العبادي إلى أن هناك أزمة سياسية وخلافات تعصف بالإقليم، تستوجب العمل على إعادة عمل البرلمان وتنشيط عمل الحكومة، وتساءل: كيف سيجري الاستفتاء؟ ومن سيعترف بالجهة المنفذة له؟ وشدّد العبادي بالقول "أحذّر من الاستفتاء؛ لأنه سيضرّ بالعراق كله، وخطره محدق بالجميع، ولا يجب أن تكون هناك خطوات من جانب واحد تؤثر في تلاحم العراقيين". تصريحات رئيس الوزراء العراقي تأتي بعد الخطاب عالي اللهجة الذي أطلقه رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، الأربعاء الماضي، وقال ردًّا على منتقدي الاستفتاء "إن زمن التهديد والوعيد انتهى"، مضيفًا "لن نتراجع عن موقفنا". وقرّر بارزاني إجراء عملية الاستفتاء على انفصال الإقليم عن العراق في 25 سبتمبر المقبل، والانتخابات البرلمانية والرئاسية في نوفمبر المقبل. وبرر بارزاني خطوته الانفصالية بأن الحكومة العراقية حاولت دومًا تهميش الكرد وإلغاء ممثليات شعب كردستان، بالإضافة إلى الحصار المفروض على قوات البيشمركه من قبل الحكومة العراقية، وأضاف أن "الحكومة أهملت وهمشت المادة 140 من الدستور العراقي، وتنصلت من تكوين المجلس الاتحادي الذي يضمن التوافق والتوازن بين المكونات العراقية". ويرى مراقبون أن الحكومة المركزية في بغداد بدأت تعد العدة لتكوين شبكة علاقات مع قوى دولية مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، قد تساعدها في دعم موقفها حول مشروع الاستفتاء الكردي، في محاولة لإحداث توازن مع علاقات كردستان المميزة مع واشنطن، حيث التقى الثلاثاء نائب الرئيس العراقي، نوري المالكي، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وهنا نجد أن موقف المالكي واضح من عملية الاستفتاء، حيث يعتبر المالكي أنه لا يحق لكردستان من الناحية القانونية والدستورية الانفصال عن العراق، وقال المالكي إن مسعود برزاني تراوده أحلام الدولة الكبرى وليس دولة في العراق فقط، حيث يحلم بدولة كردستان الكبرى في تركياوإيرانوالعراق. في اللقاء أكد بوتين للمالكي أن بلاده تعمل بنشاط لمساعدة العراق في المجالين العسكري والاقتصادي، معتبرًا أن الأوضاع في العراق والمنطقة لا تزال صعبة، المالكي بدوره أشاد بالدور الروسي في الحيلولة دون تغيير خريطة المنطقة بشكلٍ سلبي. وفي تعليق سابق للمالكي على الدور الروسي في المنطقة، قال المالكي "لقد أكدت، وأجدد التأكيد، أنه لولا الموقف الروسي لدمرت المنطقة برمتها، ورسمت لها خارطة جديدة وغير عادية، ولولا الدور الروسي المغاير للدور الأمريكي لسقطت المنطقة في الإرهاب، وعزز المتطرفون مواقعهم، وتغيرت خارطة المنطقة، وسقطت بغداد في نهاية المطاف". الاستقلال والمهمة الصعبة لا يبدو أن الطريق لاستقلال كردستان عن العراق سيكون سهلًا، فعلى المستوى الداخلي للإقليم، بدأ حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، بزعامة الرئيس العراقي السابق، جلال طالباني، مشاورات مع القوى الكردية؛ لشرح الموقف الإيراني من الاستفتاء وتسوية الخلافات السياسية الداخلية التي تعرقل تنظيمه، فيما بدأ الحزب «الديمقراطي»، بزعامة مسعود بارزاني، يتخذ مواقف أكثر مرونة تجاه الخصوم في الأزمة السياسية التي تضرب الإقليم منذ نحو عامين، في مسعى لوقف الانقسام، وتحقيق شبه إجماع على الاستفتاء المزمع إجراؤه في سبتمبر المقبل، إلا أنه ما زال يصطدم بشروط لتفعيل البرلمان المعطل وحسم الخلاف على منصب الرئيس، وسط رفض إقليمي للانفصال. وعقدت قيادتا حزبي بارزاني وطالباني الأحد الماضي اجتماعاً، في أربيل، وصف بالمهم، للبحث في الموقف الإيراني وآلية تفعيل برلمان الإقليم المعطل، وذلك بعد أسبوع من مشاورات أجراها قادة في حزب طالباني في طهران. ومن المعروف أن طهران تعارض بشدة الاستفتاء الكردي، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، مشيرًا إلى قرار السلطات الكردية في أربيل: "إن القرارات المنفردة والبعيدة عن المعايير والأطر الوطنية والشرعية ستؤدي إلى المزيد من المشاكل وتفاقم الأوضاع الأمنية في العراق". وبالإضافة إلى إيران أعلنت عدة أطراف إقليمية ودولية رفضها أو تحفّظها على الاستفتاء، من بينها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بالإضافة إلى تركيا، فالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اعتبر خطوة أكراد العراق باتجاه الاستقلال "خطأ وتشكل تهديدًا" لوحدة الأراضي العراقية، وتخشى أنقرة من هذه الخطوة؛ لأنها قد تحفز الأكراد السوريين على المطالبة بإقامة منطقة حكم ذاتي لهم أيضًا، وتقيم حكومة إقليم كوردستان علاقات جيدة مع تركيا، ورغم أن تركيا لها استثمارات كبيرة بمدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، إلا أن تركيا تنظر بقلق تجاه أية خطوات نحو استقلال الإقليم بشكل تام.