فتيات صغيرات لا تتعدي أعمارهن العاشرة خضن تجربة فريدة من نوعها في مجال عرض الأزياء، وارتبط وجودهن في "ديفيليهات" الموضة بتسليط الأضواء عليهن وبدأت فلاشات الكاميرات تطاردهن للحديث عن تجربتهن مع الأزياء والماكياج والاكسسوار.. هي ظاهرة جديدة بدأت تنتشر في عروض الأزياء المصرية.. تبدو المسألة من الوهلة الأولي مرتبطة ب"نيولوك" في عالم الموضة والأناقة والجمال، إلا أن أبعاداً اجتماعية ونفسية واقتصادية ذات صلة قوية بهذه الظاهرة. "آخرساعة" رصدت ملامح الظاهرة من خلال آراء بعض الصغيرات اللواتي خضن التجربة وكذا رأي خبراء الموضة وعلم النفس في سياق التحقيق التالي. روان (9 سنوات) وحبيبة (6 سنوات) وجني (3سنوات) ثلاث شقيقات يشبهن الفراشات الصغيرة قررن بدء حياتهن كعارضات للأزياء، من خلال المشاركة في عروض أشهر مصممي الأزياء في مصر مثل المصممة المعروفة إيمان محروس صاحبة بيت أزياء ِ»EVE« حيث شاركن معها في مجموعة من جلسات التصوير الفوتوغرافية الخاصة بمجموعتها الجديدة لربيع وصيف 2010 بعد تدريبهن علي الوقفات الصحيحة والنظرات والحركات المطلوبة أمام الكاميرا. تمارين الحركة علي المسرح تقول الطفلة روان زين: أدرس في المستوي الرابع بريطاني بإحدي مدارس اللغات، وأتابع عروض الأزياء بصفة مستمرة عبر قنوات الموضة المتخصصة ومواقع الإنترنت لكبار المصممين العرب والأجانب. ساعدني علي إتقان طريقة عرض الأزياء تميزي في الحركة علي المسرح، فأنا أمارس الباليه الذي انضممت إليه في الأوبرا منذ كان عمري سنتين ونصف السنة. تضيف روان: ماما وبابا شجعاني علي دخول مجال الموضة، ومؤخراً زاد اهتمامي بالموضة بعد سفري إلي عدة دول منها تركيا ورومانيا ضمن رحلات ينظمها لنا النادي للترفيه والتدريب. كنت أتابع جديد الموضة هناك وكنت أصر علي الخروج إلي المحلات بصحبة مشرفة الرحلة حتي أشتري بعض الملابس والاكسسوارات حسب ذوقي فأنا أحب أن أرتدي ما يناسبني حسب الألوان التي أحبها مثل البينك والموف والأزرق والفضي والأسود والأبيض. وحول ما إذا كانت تحلم بالاستمرار في مجال الموديلينج في المستقبل قالت روان بلغتها التلقائية: أحب الفساتين جداً.. ونفسي أكون موديل مشهورة لمّا أكبر.. أكيد لازم أكمل في مجال الموديلينج وأحب الاستمرار مع مدام إيمان محروس تحديداً لأنها علمتني حاجات كثيرة في هذا المجال، وهي مصممة هايلة وبيعجبني شغلها جداً. أحب ميكي ماوس الطفلة الصغيرة روان ذات التسعة أعوام تدرك تماماً أنها طفلة وتمارس حياتها الطبيعية في هذا الإطار حيث تقول: لم يجبرني أحد علي هذا المجال وأمارس حياتي كطفلة.. أحب كارتون "ميكي ماوس" وأغاني هانا مونتانا وجونس برازرز ومن المغنين العرب رامي صبري وإليسا وشيرين وأحلم بعمل كليب مع حماقي أو ساموزين، وعشان كده أحافظ علي رشاقتي، أحب السلاطة، ولا أتناول الأكلات الثقيلة.. مش بحب الأكل اللي بيتخن وعموماً ممارستي للرياضة بتحافظ علي رشاقتي. أصغر سندريللا أما حبيبة زين فتقول: دخلت الموديلينج لأني بحب التمثيل والغناء والاستعراض وشاركت في حفلات المدرسة في مسرحية "سندريللا"، وشاركت في عروض لرقص الكلاكيت.. ونفسي لما أكبر أكون ممثلة وأعمل فيلم مع أحمد حلمي، وأنا شايفة إن مجال الأزياء خطوة مهمة قبل التمثيل عرفت من خلاله الألوان والخامات وجديد الموضة ومشية "كات ووك" علي المسرح وطريقة التصوير أمام الكاميرا. أما جني زين فهي آخر العنقود (3 سنوات) طفلة لبقة جداً وشقية جداً وظلت تقوم بحركات عارضات الأزياء أثناء الحديث مع شقيقتيها وحينما سألناها بتحبي إيه في عروض الأزياء؟ اكتفت بجملة واحدة: "بحب الفوشيا والروز". من جهتها تقول جيهان محمد والدة الفتيات الثلاث: أحاول تنمية أي موهبة تظهر لدي أي من بناتي دون فرض رأيي الشخصي عليهن. أهم من ذلك أنني أنظم لهن أوقات الدراسة واستذكار الدروس حتي لا تؤثر الموهبة علي التحصيل الدراسي الذي أضعه في المرتبة الأولي. عارضات بالوراثة كاريمان ومريم صلاح شقيقتان صغيرتان أيضاً الكبري عمرها 12 سنة والصغري 8 سنوات، ولديهما ولع كبير بعالم الموضة والأزياء، وإن كان الوضع هنا يختلف عن الثلاثي السابق حيث إنهما ابنتا واحدة من أشهر مصممات الأزياء في مصر وهي سهير مسعود صاحبة ماركة SM وكان أمراً طبيعياً أن تميلان للعمل كعارضات نتيجة الجو العام الذي تسيطر عليه الأزياء من حولهما. تقول سهير مسعود: دخلت ابنتاي المجال علي طريقة "مجبر أخاك لا بطل" لأنني أصلاً في المجال. حسيت أن شكلهم حلو في فساتيني خصوصاً أنني أطرح في كل مجموعة جديدة أزياء للأطفال وبدأت مع كاريمان منذ كان عمرها 3 سنوات من خلال فستان أورانج صممته لها خصيصاً ونجحت التجربة جداً ومنذ هذه اللحظة بدأت تشارك كعارضة في عروضي أو عروض لمصممين آخرين. وأنا شخصياً مع اكتشاف مواهب الأطفال مبكراً وتنميتها وصقلها بالخبرة العملية طالما أن هذا لا يؤثر علي دراستهم ولا يجهدهم ولا يؤثر علي راحتهم فهذا أفضل بكثير من تجاهل هذه المواهب، وأدعو الجهات الفنية والثقافية المختلفة لدعم المواهب من الأطفال وألا نرفض ذلك مثل بعض خبراء النفس الذين يعترضون علي عمل الأطفال في سن صغيرة في مهن التمثيل وعرض الأزياء والغناء، أري أنهم يجب أن يهتموا بأطفال الشوارع والمشردين أما الطفل الموهوب فعلينا دعمه لا وأد موهبته. قد أتحول للسياحة وتقول كاريمان: أحب مهنة عرض الأزياء ومعجبة جداً بالعارضة مي فخري وأتمني أن أكون مثلها في المستقبل وقد اشتركت معها في أكثر من ديفيليه واستفدت منها الكثير إلي جانب توجيهات ماما لي باستمرار التي أتعلم منها أصول المهنة والطريقة المثالية الصحيحة لعرض الفستان.. وعموماً قد أغير هذه المهنة حينما أكبر فليس شرطاً بالنسبة لي الاستمرار فيها.. هي الآن مهنة تناسب عمري بينما قد أصبح في المستقبل مرشدة سياحية فهي مهنة أحبها أيضاً كثيراً. عمالة أطفال! ويعترض د.محمد خطاب (مدرس علم النفس بجامعة عين شمس) علي فكرة عمل الفتيات الصغيرات ممن هم دون سن الثامنة عشرة في مجال عرض الأزياء أو في غيره من المجالات حيث يندرج ذلك تحت ما يسمي ب"عمالة الأطفال" ويعد استغلالاً للطفل من كل الجوانب وقد انتشر تشغيل الأطفال الصغار مع أوائل القرن العشرين مع ظهور الثورة الصناعية في أوروبا.. وبوجه خاص فإن عمل الأطفال في الموديلينج فيه حرمان لهم من النمو النفسي السوي. هذه المرحلة العمرية من سن (10 – 6 سنوات) لأن الحق الطبيعي لهم في هذه المرحلة هو اللعب والاندماج مع أقرانهم بتلقائية لتحقيق النمو النفسي والإبداعي. يضيف د.خطاب: الطفلة التي تعمل عارضة تصاب بالأرق والقلق الشديد لأنها تكون في حالة ترقب وتساؤل مستمر نتيجة وضعها تحت التقييم المستمر لتقديم نفس الحركات التي تؤديها علي المسرح بنفس الطريقة المتقنة ودون الوقوع في أخطاء، كما أن الطفلة العارضة تكون تحت الأضواء والإطراء وتكون متمركزة حول ذاتها وبالتالي تصاب بالأنانية والنرجسية وبعض هؤلاء يتحولن إلي شخصية استعراضية ترتدي قناعاً طوال الوقت وتتعلم المجاملة والنفاق والتملق لإرضاء الآخر بغية الوصول لهدف ما يحافظ لهن علي هذا البريق الذي حققنه.