حالة الفساد والانحراف والتكسب والتربح من الوظيفة.. وإهدار المال العام عمدا ومع سبق الإصرار.. وعلي مدي السنوات السابقة كان مرجعه تجاهل القانون.. وإعطاءه اجازة مفتوحة! علي سبيل المثال فإن المادة 851 من الدستور أبوالقوانين تنص صراحة وتحديداً علي انه لا يجوز للوزير أثناء تولي منصبه أن يزاول مهنة حرة.. أو عملا تجاريا أو ماليا أو صناعيا.. أو أن يشتري شيئا من أموال الدولة.. أو يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله.. أو يقايضها عليه. عندما جاءت إلينا حكومة رجال الأعمال أدارت ظهرها للنص الدستوري وتجاهلته.. ووزعت المناصب والمنافع علي أقارب وأصهار وأصدقاء وشركاء لهم من أصحاب البيزنس الخاص.. فاختلط المال العام مع المال الخاص وتداخلت المصالح.. ومعهما اختفت التقارير الرقابية في الأدراج.. بعدما تم زواج غير شرعي ما بين السلطة وأصحاب الأعمال الخاصة! لذا لم يكن غريبا أن نري وزراء ومسئولين في الوظائف العليا يشترون أراضي وشركات عامة.. وفنادق مملوكة للدولة.. ويعقدون صفقات.. ويدخلون في توكيلات مع الجهات الحكومية دون خوف أو تخوف أو اعتبار لأي حساب أو عقاب.. أو وقوع تحت طائلة القانون! لم يتوقف الأمر علي غياب القانون وحده.. بل امتد إلي تحجيم دور الأجهزة الرقابية نفسها.. رغم أن في بلدنا المحروسة أكثر من 31 جهازا رقابيا في مقدمتها الرقابة الإدارية والمحاسبات والأموال العامة.. والكسب غير المشروع وجميعها كانت تتابع وتراقب الفساد الإداري.. والانحراف الوظيفي.. والرشوة والاختلاس والتزوير.. والتلاعب بأموال البنوك.. والاستيلاء علي أموال الدولة.. ومعروف لنا ان في أدراجهم آلاف الملفات المهمة والتقارير والدراسات.. عدا ملفاتهم السرية المرسلة لجميع الوزارات والهيئات والجهات التي يعنيها أمر الفساد! الحكومات السابقة كانت حريصة علي وضع التقارير الرقابية الواردة إليها في الادراج مهما كانت خطورة التجاوز والانحراف فيها فخنقت الأجهزة الرقابية عمدا .. وارتفع مؤشر الفساد وتجاوز كل الحدود التي وصلنا إليها الآن! غياب القانون ومنحه اجازة مفتوحة علي مدي سنوات طويلة.. لم يؤد إلي انتشار الفساد المالي فقط.. بل أوصلنا إلي حالة من الفساد الأخلاقي وتعفن الضمير العام. لعل تقرير اللجنة المشتركة لتقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان.. وما أكدته من حدوث عمليات قمع.. وسلسلة من الجرائم الجسيمة بحق شباب الثورة وجماهيرها.. ووصلت إلي حد القتل العمد والعشوائي.. وإصابة مواطنين برصاص في الرأس مباشرة.. وما سببه ذلك من جرائم قتل وإصابات خطيرة وصلت إلي حد الإصابة بالعمي والإعاقة.. عدا الخطف والتعذيب والاستعانة بالبلطجة.. هو أمر مؤسف ويدعونا للبكاء علي القانون! ربما الأخطر فيما جاء بالتقرير ويستحق أن نتوقف أمامه.. هو ما ذكرته لجنة تقصي الحقائق من أن القناصة الذين كانوا موجودين أعلي أسطح المباني المطلة علي ميدان التحرير استخدموا خلال أحداث الثورة أسلحة وبنادق بها مناظير ليزر ولهذا استطاعوا قتل المئات بإصابات في العين والرأس مباشرة! الغريب ان وزير الداخلية السابق اللواء محمود وجدي أكد أمام لجنة تقصي الحقائق ان وزارة الداخلية لا تملك تلك الأسلحة المزودة بمناظير الليزر! ولذا أتساءل: لماذا تجاهلت اللجنة الأمر ولم تبحث عن هوية هؤلاء المليشيات المسلحة.. وأي جهة يتبعونها.. ومن أمرهم بإطلاق النار علي رؤوس وعيون شباب التحرير؟!