تحدثنا في المقالة السابقة "اختيارات" عن أهمية أن يحكم الإنسان حكمًا عادلاً: بمعني أن يستطيع تقييم الشخصيات التي يدخل في تعامل معها تقييمًا صحيحًا يساعده علي تحديد مكان كل إنسان في حياته تحديدًا سليمًا، لئلا تتأثر حياته بالسلب، إذ كما قيل: "قُل لي من تصاحب، أقُل لك من أنت". وأنا لا أقصد هنا الأصدقاء الذين اخترتَهم للمسير معك طريق الحياة فقط بل كل إنسان منحته ثقتك. أيضًا ليس المقصود من أن يحكم الإنسان حكمًا عادلاً أن يسير في الحياة وأن يُقِيم أحكامه علي كل من يلقاه في رحلة الحياة بأنه جيد أو سيئ فهذا ليس دورنا في الحياة، بل أن يدقق جيدًا لمن من البشر يقدم ثقته. إن كان الحكم العادل لا يكون من المظهر الخارجيّ، إذ بالعالم نفوس جميلة تختفي خلف مظهر متواضع، فالأحكام العادلة أيضًا لا تكون متسرعة، لأن سرعة الحكم لا تتيح لك تفهم حقيقة الأمور علي نحو صائب. لذلك حاول ألا تتسرع في الحكم، وأن تعرِف جوانب الموضوع الأخري، فمن المحتمل أن تدرك سر تصرفات بعض الناس، وهذا لا يتأتي إلا بالحوار ومحاولة فَهم وجهة نظر الآخر. قرأتُ قصة طريفة حدثت وقائعها في إحدي المدارس: فبعد أن قامت المعلمة بشرح درس عن الأعداد في مادة الحساب للأطفال، أرادت أن تختبر مدي استيعاب الأطفال لما قامت بشرحه، فسألت أحدهم قائلة: إن أعطيتك تفاحة وتفاحة وتفاحة، فكم تفاحة لديك؟ بدأ الطفل في العد علي أصابعه، ثم أجاب: "أربع تفاحات"! بدا الإحباط علي وجه المعلمة فقد بذلت مجهودًا كبيرًا في شرح درسها للأطفال وها هي إجابة أحدهم تحمل معها كل ما بذلته من تعب إلي أدراج الرياح. أعادت المعلمة سؤالها علي الطفل الذي حاول أن يقوم بالعد مرة ثانية بأكثر تدقيق ليصل إلي الإجابة الصحيحة، وفي النهاية كرر نفس إجابته: "أربع تفاحات"، وهو أكثر ثقة وتيقنًا من إجابته!! إزداد إحباط المعلمة وتوترها وتساءلت في نفسها: أأنا التي لم أستطِع أن أقدّم المعلومات لتلاميذي بأسلوب جيد، أم ذكاء الطفل واستيعابه ضعيفان؟! إلا أنها قررت المحاولة مرةً ثالثة، ولكنها غيَّرت هذه المرة نوع الفاكهة فقالت: إن أعطيتك برتقالة وبرتقالة وبرتقالة، فكم برتقالة لديك؟ قام الطفل بالعد مرة ثالثة، ثم أجاب: "ثلاث برتقالات"!! كانت تلك الإجابة هي ما تنتظره المعلمة، وابتسمت إذ شعرت أن تعبها لم يذهب سدي، ثم ثَنَت علي تلميذها. ولكنها قررت أن تعيد عليه السؤال بالتفاحات مرة أخري. وللحديث بقية.