تحدثنا في مقالة سابقة عن أهمية أن يحكم الإنسان حكمًا عادلاً، ويقيّم الشخصيات التي يدخل في معاملات معها تقييمًا صحيحًا لا يعتمد علي المظهر الخارجيّ فقط، ولا يكون متسرعًا، بل يحاول أن يُدرك جميع جوانب الموضوع. بدأنا قصة المعلّمة عندما سألت الطفل: إذا أعطيتُك تفاحة وتفاحة وتفاحة، فكم تفاحة لديك؟ فأجاب أن عددها هو أربع! ثم جاءت الإجابة مماثلة عندما كررت المعلمة سؤالها!! وفي مرة ثالثة، قامت المعلّمة بتغيير الفاكهة فقالت: إذا أعطيتُك برتقالة وبرتقالة وبرتقالة، فكم برتقالة لديك؟ أجاب الطفل: ثلاث برتقالات؛ فسعِدت المعلمة بإجابة طفلها الصحيحة؛ ولكنها قررت أن تعيد عليه السؤال نفسه بالتفاحات مرة أخري، فبدأ الطفل في العد بسعادة وثقة، ثم أجاب: أربع تفاحات!! وهنا سألته والحَِيرة تملؤها: كيف يكون هذا؟! أجابها الطفل: لأنكِ أعطَيتِني ثلاث تفاحات، وصباح اليوم قد أعطتني أمي تفاحة؛ وذلك يكون ما لديّ هو أربع تفاحات!! لقد كانت مشكلة المعلمة أنها وضعت في ذهنها إجابة واحدة هي الإجابة المنطقية والصحيحة؛ ولكنها لم تضَع أيّ اعتبارات أو احتمالات أخري من الجائز أن تكون في ذهن الطفل؛ وهذه هي المشكلة التي تعترض كثيرًا من البشر في الحياة: إذ يحاولون رسم الحياة وتصرفات الآخرين بِناء علي وِجْهات أنظارهم في الحياة، وعلي ما يُدركونه هم، دون اعتبارات لظروف أخري تمر بالآخرين لا يعلمون عنها شيئًا!! فتأتي أحكامهم وتقييماتهم بعيدة كل البعد عن الواقع، في حين الأمر أبسط من هذا: فقبل أن تحكم استمع إلي وِجْهات أنظار الآخرين، وحاول أن تعرف ظروفهم فتدرك أسباب سُلوكهم ودوافعه؛ وهكذا يمكنك أن تحكم عليهم حكمًا صادقًا عادلاً. أيضًا في إصدار أحكامك، حاول أن تفهم طبيعة من تعامله: فإن هناك من يمكنه أن يعبّر عن نفسه ومواقفه بالكلمات، وهناك من لا يجيد صَوغ الأحرف لكنه يعبّر عما يجول بأعماقه بالأفعال والمواقف، وهناك من تجد صمته أشد تعبيرًا وأبلغ بيانًا إذ لا يجد في الأحرف والكلمات مقدار ما يحمله من مشاعر!! وفي الوقت نفسه، لا تأخذ بالكلمات فقط فتنخدع، بل دائمًا اقرِن كلمات الإنسان بأفعاله؛ فهناك من يَبهَرونك بكلماتهم ولكن أفعالهم غير صادقة نحوك، فانتبه! إن تصرفات الإنسان تكون أكثر مصداقية في المواقف الصعبة التي يتعرض لها خاصة. يقولون: »لا يقاس الوفاء بما تراه أمام عينيك، بل بما يحدث من وراء ظهرك.»؛ أي من يحفظ غيبتك. وللحديث بقية.