«تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية». .. بهذه الكلمات التي أطلقها جمال عبدالناصر في مساء هذا اليوم قبل ستين عاماً، تغير وجه التاريخ في مصر وفي العالم كله. قد تمر الآن علي هذه الكلمات بهدوء بعد أن مرت السنون وتباعدت الاحداث. لكنها في ذلك الوقت لم تكن كذلك. كانت تحمل لون دماء ألوف المصريين الذي ضحوا بأرواحهم وهم يحفرون القناة أو وهم يخوضون الحروب في سبيلها . وكانت تحمل شوق اجيال وراء اجيال لنسمات الحرية ورايات الكرامة وهي ترفرف علي القناة بعد أن تعود لاحضان الوطن. في الطريق إلي هذا القرار كانت ثورة يوليو قد خاضت- علي مدي اربع سنوات صعبة- العديد من المعارك الوطنية. تخلصت من الفساد الداخلي وفتحت أبواب التقدم وبدأت تستعيد للغالبية العظمي من الشعب حقوقها المسلوبة في حياة كريمة. وكانت ثورة يوليو قد تخلصت من 80 ألف جندي بريطاني كانوا يمثلون احتلالاً جثم علي صدر مصر لاكثر من سبعين عاما، وبقي في اكبر قواعده العسكرية يحتل مدن القناة ويحمي اغتصابها من أصحابها الشرعيين. وكانت ثورة يوليو قد ضربت محاولات الاخوان للسيطرة علي الحكم ولاغتيال عبدالناصر. وخاضت معارك الاحلاف التي اراد الغرب فرضها علي الدول العربية وكانت مصر تنطلق من مؤتمر «باندونج» لتتصدر حركة الشعوب من اجل التحرر والاستقلال. وعندما تصورت امريكا ان سحب عرض تمويل السد العالي سيجعل مصر تخضع.. جاء الرد بتأميم قناة السويس ثم كان الصمود امام مؤامرة العدوان الثلاثي الذي اراد اسقاطها فكانت نتيجته سقوط اكبر امبراطوريتين استعماريتين حتي ذلك الوقت وفتح أبواب التحرر امام كل الشعوب العربية والافريقية وكل دول العالم الثالث التي طال استعبادها. واليوم.. يأتي العيد الستون لتأميم القناة ونحن قد حفرنا قبل شهور الفرع الثاني لها بأموالنا الوطنية وبجهد عمالنا ونطلق مشروع التنمية الذي يحيل المنطقة إلي مركز عالمي للتجارة والتصنيع وفي نفس الوقت نمضي في مواجهة التحديات.. نستأصل الارهاب ونتصدي لمحاولات الحصار الاقتصادي ونواصل- رغم الصعاب- جهودنا لبناء الدولة الحديثة المتقدمة. درس تأميم القناة يؤكد ان طريقنا للحرية وللبناء لم يكن يوما طريقا سهلا، ولكننا قادرون دوما علي اجتيازه بوحدة الصف واستقلال الارادة والاستعداد للتضحية من اجل الوطن. تحية لثورة يوليو ولقائدها عبدالناصر الذي قاد معركة استعادة قناة السويس وتحية لارواح الشهداء ولنضال شعب اثبت علي الدوام انه قادر علي قهر المستحيل .. وكل عام ومصرنا العزيزة من نصر إلي نصر.. ومن انجاز إلي آخر.