عندما مررت علي النصب التذكاري للجندي المجهول أمام المنصة بطريق النصر وشاهدت الاحتفال بنصر أكتوبر اهتز قلبي بفرحة عارمة واهتز وجداني من عازف الموسيقي العسكرية.. وانتشيت من تداخل ألوان الوحدات للأسلحة المختلفة للقوات المسلحة التي تشارك جميعها في هذه الاحتفالية في منظر بديع.. وأخذتني الذاكرة وعادت بي للخلف فلقد عاصرت هذا النصر الذي تشوقنا إليه كثيراً بعد أن عاصرت نكسة 76 وكيف خدعت وأنا مازلت في المرحلة الاعدادية بالإعلام الكاذب وكنت أهلل فرحا أنا وأبناء الجيران ونحصي عدد الطائرات التي أسقطناها للعدو.. طبقاً للبيانات التي نتلقاها من إعلامنا.. ولكن يا فرحة ما تمت فعندما سمعنا الأخبار من ال»بي. بي. سي« وغيرها من المحطات الأجنبية واكتشفنا الحقيقة وكيف خدعونا.. توارينا من خجل الهزيمة وبدأنا نختفي وراء السواتر الرملية والحائطية التي بنيناها أمام مداخل منازلنا وندهن الزجاج باللون الأزرق ونضع ستائر وبطاطين حتي لا تري طائرات العدو منازلنا.. وتلقيت اتصالاً من قريب لي من أحد الطيارين المصريين الذين كانوا يقودون أحدث الطائرات الروسية الصنع والتي شاركت في العروض ولكنها لم تشارك في الحرب يرقد بمستشفي القوات الجوية وعندما سارعت بزيارته وجدته مصاباً بالعديد من الرصاصات والعديد من الشظايا التي تناثرت في جسده.. وحكي لي كيف أن طائرته ضربت وهي واقفة علي أرض المطار وأصيب عندما حاول الوصول إليها ليؤدي واجبه ولم يفق إلا وهو في المستشفي.. ثم بعد ذلك بسنوات زرته بعدما عاد من حرب الاستنزاف بعد أن قام بعدة طلعات ضرب فيها العدو وانتقم لنا ولنفسه وكان الفرح يظهر علي وجهه.. وبعد أن شارك في حرب أكتوبر وجدته إنساناً مختلفاً فقلبه وجسده الذي أصيب في نكسة 76 يرقصان فرحاً وكدت أسمع نبضات الفرح تنطلق من قلبه ويحيط وجهه شعاع غريب يشبه طاقة النور.. فعرفت معني نصر أكتوبر.. وعرفت كيف تعالت رؤوسنا بعد صيحات الله أكبر التي انطلقت من أفواه وقلوب جنودنا البواسل في العاشر من رمضان السادس من شهر أكتوبر.. كل هذا تحرك داخلي وأنا أتابع بسعادة مرور 93 سنة علي هذا النصر العظيم.. وقرأت الفاتحة لروح شهدائنا الحقيقيين الذين ضحوا بأرواحهم فداء الوطن ولم يطلب ذووهم أي تعويضات مالية مثل الآخرين واكتفوا بنيل الشهادة التي هي أقوي وأفضل من أموال الدنيا وما فيها.. وغادرت المنصة والاحتفالية وكل وجداني يهتز من شعور الفخر والنصر والفرح بعد محو الهزيمة وتحويلها لنصر وما كنت أريد المغادرة وتمنيت أن أظل أعيش فرحة النصر التي شحنت وجداني وذهبت لعملي حاملاً مشاعر البهجة.. وكل سنة وأنتم طيبون وقواتنا المسلحة طيبة وبخير.