استقرار أسعار الذهب العالمية والأنظار صوب قرار «الفيدرالي»    خبراء: السيسي يبيع أكبر محطتين للكهرباء بخسارة تتجاوز 140 مليون دولار    رئيس وزراء بيلاروسيا: زيارتي لمصر خطوة جادة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية    مي عبدالحميد: ارتفاع سعر الوحدة السكنية أهم المعوقات التي نواجهها    رئيس الوزراء: مصر قدمت حزمة من الحوافز والتيسيرات لتحسين مناخ الأعمال    وسط انهيار القطاع الصحي.. ارتفاع حصيلة شهداء العدوان على غزة إلى 34 ألفا و535    مقتل شخص وإصابة 7 في غارة جوية روسية على خاركيف    للعام الخامس على التوالي.. بنك مصر يرعى الاتحاد المصري للتنس استمراراً لدوره في دعم الرياضة المصرية    هيئة الأرصاد الجوية تكشف عن حالة الطقس غدا.. انخفاض في درجات الحرارة    أحمد السقا يروج لفيلم السرب قبل طرحه في دور العرض غدا    مجلس جامعة بني سويف يهنئ الإخوة الأقباط بمناسبة عيد القيامة المجيد    مدبولي: العلاقات الوثيقة بين مصر وبيلاروسيا تمتد في جميع المجالات    قوات الاحتلال تغلق مداخل المسجد الأقصى بعد واقعة استشهاد شاب في القدس    رئيس جامعة المنيا يفتتح فعاليات المنتدى الأول لتكنولوجيا السياحة والضيافة    رئيس مجلس النواب يهنئ الرئيس السيسي بعيد العمال    وزير التعليم يتفقد المعرض السنوي لطلاب مدارس القاهرة (صور)    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    الدفاع المدني بغزة: تقديرات بوجود أكثر من 10 آلاف شهيد تحت أنقاض البنايات    رئيس الوزراء الفلسطيني: لا دولة بدون قطاع غزة    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    القيعي: يجب تعديل نظام المسابقات.. وعبارة "مصلحة المنتخب" حق يراد به أمور أخرى    عضو إدارة الأهلي: دوري الأبطال ليس هدفنا الوحيد.. ونفقد الكثير من قوتنا بدون جمهورنا    تراجع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات اليوم الثلاثاء    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    ضبط 8 أطنان لحوم ودواجن وأسماك فاسدة بالمنوفية وتحرير 32 محضراً خلال شهر    أول بيان من «الداخلية» عن أكاذيب الإخوان بشأن «انتهاكات سجن القناطر»    وفد شركات السياحة المصرية بالسعودية يكشف تفاصيل الاستعداد لموسم الحج    تدوير 4 معتقلين بالشرقية وتجديد حبس أحمد عرابي ومروة عرفة ومحمد سعد وعمر الدهمة    خطوات ل فحص السيارة المستعملة قبل شراءها ؟    طرح فيلم "أسود ملون" في السينمات السعودية .. الخميس المقبل    مستشار زاهي حواس يكشف سبب عدم وجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن (تفاصيل)    رئيس جامعة المنيا يفتتح معرض سوق الفن بكلية الفنون    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    كيف علقت "الصحة" على اعتراف "أسترازينيكا" بوجود أضرار مميتة للقاحها؟    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    ما هو الدعاء الذي نهى عنه النبي؟.. «وكيل الأوقاف» يوضح    رئيس اللجنة العلمية لمكافحة كورنا يحسم الجدل بشأن حدوث جلطات بعد تلقي اللقاح    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    أقدس أيام السنة.. كيف تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بأسبوع آلام السيد المسيح؟    «الثقافة» تطلق النسخة السابعة من مسابقة «أنا المصري» للأغنية الوطنية    وزير الإسكان: نعمل على الاستثمار في العامل البشري والكوادر الشبابية    طلاب النقل الثانوى الأزهرى يؤدون امتحانات التفسير والفلسفة والأحياء اليوم    اليوم.. "الصحفيين" تفتتح مركز التدريب بعد تطويره    اليوم.. الحُكم على 5 مُتهمين بإزهاق روح سائق في الطريق العام    إمام: شعبية الأهلي والزمالك متساوية..ومحمد صلاح أسطورة مصر الوحيدة    كينيا تلغي عقد مشروع طريق سريع مدعوم من البنك الأفريقي للتنمية    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    خليل شمام: نهائى أفريقيا خارج التوقعات.. والأهلى لديه أفضلية صغيرة عن الترجى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انا الحكاية
حگايات جديدة لروايات قديمة
نشر في أخبار اليوم يوم 10 - 09 - 2010

أنا الحكاية " .. ورشة كتابة جديدة لها حكاية طريفة في عالم الإبداع والحكي الأدبي، بدأت عملها منذ عام 2009 بالتعامل مع نصوص أدبية شهيرة وإعادة حكيها بتصورات ورؤي فكرية مختلفة من خلال أمسيات حكي، فمن ثلاثية نجيب محفوظ بقي في وعي المصريين صورة الزوجة أمينة الطيبة الخنوعة المضحية إلي أقصي الحدود، والسيد احمد عبد الجواد، الرجل الشهم الكريم الذي يؤدي مسئولياته بنفس القدر الذي يتمتع بحياة الليل وملذاته . ومن دعاء الكروان لطه حسين بقي لنا تصورات المصريين الظالمة عن الشرف، قسوة جريمة الشرف وقسوة الرجل وانين النساء، ولا تزال قضية الحرية التي تطرحها "أنا حرة" لاحسان عبد القدوس تشغلنا اليوم، قد تختلف اطر وتعريفات الحرية ولكن يبقي الهاجس حيا داخلنا.
من هذه النصوص الأصلية تقوم الورشة بتقديم رؤي جديدة لهذه الأعمال الأدبية الكلاسيكية بهدف إعادة هذا العمل إلي بؤرة اهتمام مشاهد أمسيات الحكي من ناحية وإمتاعه بنصوص جديدة تتوازي وتتقاطع مع العمل الكلاسيكي من ناحية أخري .
تتكون "أنا الحكاية " من أربع كاتبات عملن في مشروع " قالت الراوية " التابع لمؤسسة " المرأة والذاكرة " منذ عام 1998وحتي 2008وفي عام2009 استقلت هذه المجموعة وقررن العمل في " أنا الحكاية " وهن الدكتورة سهام عبد السلام وهي تعمل طبيبة ومترجمة وممثلة والدكتورة سهي رأفت أستاذة الأدب الانجليزي بجامعة حلوان والدكتورة مني إبراهيم أستاذة الأدب الانجليزي بجامعة القاهرة والدكتورة سحر الموجي الروائية وأستاذة الأدب الانجليزي بجامعة القاهرة وشكلت هؤلاء الكاتبات نواة المجموعة الجديدة التي تألفت من عشرين كاتبة من أعمار ومجالات مختلفة .
بين القصرين لنجيب محفوظ
عن الروايات التي تناولتها ورشة الكتابة »أنا الحكاية« تقول الدكتورة الأديبة والروائية سحر الموجي موضحة فكرة التجربة الجديدة قائلة : رواية " بين القصرين " ..هي الجزء الأول من الثلاثية، وتدور أحداثها في منطقة الحسين في فترة ما قبل ثورة 19وترصد حال أسرة من الطبقة المتوسطة، مهيمن عليها أب هو" السيد احمد عبد الجواد" .
الرواية غنية بالنماذج النسائية ومنها أمينة الزوجة وهنية الطليقة وعائشة وخديجة البنات، ومريم الجارة، وأم مريم، وزوجة ياسين وخادمتها، وخادمة البيت، وشخصيات العوالم مثل زبيدة
كلها نماذج نسائية ثرية، تلعب في الرواية أدوارا كثيرة ومتباينة، في الورشة تحدثنا بلسانهن، تجولنا بحرية في مشاعرهن، كل المسكوت عنه داخل كل واحدة منهن
كنا نتلبس الشخوص ونكمل الحكايات ونغيرها كيفا يترأي لنا، بدت أمينة في الحكايات لدينا عصرية ومتمردة
أظن إننا لعبنا مع الجميع وغيرنا خانات القهر، ربما انتصرنا لمحفوظ نفسه الذي بدا متواطئا بشكل سري مع حريم بين القصرين، متواطئا مثلنا تماما، ولديه مثلنا الرغبة في التخلص من ستر المشربية والبرقع .
" دعاء الكروان " لطه حسين
صدرت طبعتها الأولي عام 1942 وأثارت جلبة شديدة وقتها لأن طه حسين لم يعاقب فيها المسيء وإنما قدم له نهاية سعيدة وكأنه يكافئه
كانت هي الأخري نموذجا لورشة " أنا الحكاية " فهي تتحدث عن مأساة المرأة التي تقهرها العادات القبلية والاجتماعية
فقر النساء الذي دفعهم لامتهان العمل في البيوت، فتاة صغيرة تدفع حياتها ثمنا للشرف، بينما من غرر بها يستطيع ان يحيا ألف حياة وأن يبدأ صفحة جديدة ويكرر أخطاءه كلها دون أن يحاكمه نفس المجتمع الذي حكم بالموت علي الضحية .
هنادي وآمنة وأم آمنة وزنوبة الغجرية وزوجة المأمور وابنته
يتحركن في خيط معتم ومقبض طوال الوقت، شبح الدماء والموت والانتقام في دعاء الكروان ربما دفعنا في الورشة لرغبة في إيجاد صيغة تصالح لهؤلاء النساء لتلك الأرواح المتعبة الهائمة، ربما فعلنا ذلك بهدف إعلان أننا بعد مرور سنوات كثيرة مازلنا نقهر المرأة ونثأر من الضحية، ونتباهي بأننا نحمي الشرف الذي يختصره الرجل فقط في دماء المرآة .
الحرام ليوسف إدريس
قدمت الرواية تصورا لوضع عمال التراحيل وحياة العزبة، فقر عزيزة عاملة التراحيل التي ترعي زوجها المريض، تعرضها للانتهاك بسبب كوز بطاطا وما يمثله من رمز للجوع والفقر . حملت سفاحا وأصبح هناك طفلا لقيطا في الرواية، وملأ الشك الجميع تجاه الجميع وتساوي نساء التراحيل بالتفتيش فالجميع مدان.
مسيحة أفندي شك في زوجته وابنته، وحده بيت المأمور والباشكاتب كان بعيدا عن هذا الشك رغم الشائعات عن العلاقة بين بنت الباشكاتب وابن المأمور.
دفعت عزيزة ثمن كل شئ، دفعت حياتها وسمعتها ليهدأ الجميع، مرة أخري تكون الضحية هي قربان المجتمع .
نماذج من القصص
النموذج الأول من وحي رواية بين القصرين للكاتب الكبير نجيب محفوظ وجاء الحكي علي لسان كل من الدكتورة سهي رأفت تحت عنوان " مارد الحنية " وحكي آخر برؤية نادية الخولي تحت عنوان "فهمي وفارسة الأحلام "بمصاحبة العود لإيمان صلاح الدين وإخراج كارولين خليل :
السلام عليكم يا أخوانا ... أنا لا مؤاخذة أبقي العفريت "فرفر" اللي كان لابس جتة السيد أحمد عبد الجواد الشهير ب" سي السيد " ومن بعده جتة ابنه ياسين وبعدين حفيده سليم .
وبدأت حكايتي مع سليم زمااان سنة 50 . أيام ما كان الراجل لسه راجل ... كامل من مجاميعه. ساعة جد، وساعة هلس، ساعة لقلبك وساعة لربك. يتلون بميت لون ووش زي العفريت. أما الحريم كانت حريم. صنف واحد تخاف وتكش من أي لون أووش. حريم مستحية، تكسرها بنظرة ولا بشخطة وتغلبها بلفة عصاية ولا بنظره حنية، وأحبك يا أبيض يا قشطة علي مهلبية.
وطول عمري عفريت " ُبرمَجي " أموت في مناغشة الحريم اللي زي لهطة القشطة ... واللي يتاكل مع القشطة إيه غير الفطير والعسل. وعلشان كده كان أول ما سليم يجي له التعيين من أهله في الفلاحين تبقي ليلة. كان يوزع الزيارة علي كل الموجودين، وبنظرة واحدة يعرف اللي عليها العين ويقعد يغمس الفطيرة مع ست الحلوين. وبعدها ينادي فرفر". أرد عليه " شبيك لبيك، عسلك بين أديك "، وعلي طول أتحول من عفريت " فرفر " لمارد كبير، قيمة وسيما، طول بعرض، يوقع اجدعها حُرمة ويجيب مناخيرها الأرض، لا عصلجة ولا زرجنة، ده عشق الحريم أصله مزاج ودندنة.
إيه دنيا ... النهارده والله ما أنا عارف جري إيه للحريم، اتدهولوا واتقندلوا!
ولا بسم الله الرحمن الرحيم مخاويين. سيبك يا عم الله يرحم كل الحلوين.
الأسبوع اللي فات وفي يوم أسود حزين دخلت الشركة موظفة جديدة بتاعة35 معصعصة ومفعصة ومش متجوزة. وده مين اللي كان ممكن ينشك في حبابي عنيه! غيرش بس إن سليم قلبه كبير وحنيته مالهاش نظير وعمره ما كسر بخاطر ولية ...المهم إداها وش الرجولة والحمشنة علشان يختبرها، أمال إيه ده سليم ده واعر أوي. تعالي يا آنسة أمينة هاتي الدوسيه. روحي يا آنسة أمينة اكتبي أبصر إيه. حاجة آخر مرمطة والصراحة رغم إن البت كانت بتعمل شغلها من سكات ولا زرجنة، لكن شكل نظراتها مش مريحني. كان فيها حاجة خلتني أحذر سليم وأقول له إبعد عن الصنف الجديد من الحريم. لكن سليم أصر يدخل معايا في رهان وقال : "برهان يا فرفر إن الحريم هي الحريم وان التغيير اللي في أمينة الآن مايختلفش عن أمينة زمان. دي شكليات. ماهي بتعمل شغلها من سكات. ورهان يا فرفر إني مع أول لقمة فطير أحطها في بقها حلاقي نفسي في حضنها ". وراهنته وياريتني ما وافقته.
وجه اليوم الموعود ودخلت أمينة المكتب علي سليم ومعاها الدوسيه المطلوب. سليم ابتسم لها وفتح لفة الفطير اللي علي المكتب وبربش عنيه وسبلها ولف العصايا لفتين في الهوا وبعدها قالها "إنت ليه لسه ما تجوزتيش لغاية دلوقتي يا أمينة؟ تعرفي إن الرجالة اتعموا في عنيهم. هاتي إيدك أشوف لك الكف علشان أقولك علي نصيبك اللي لابد يصيبك".
أمينة ما بانش عليها الاندهاش، زي ما تكون عارفة نيته وعاجنة فطيرته وخبزته. إدت له كفها اليمين بكل رقة وحنية ويدوب يا خوانا لمستها، ولا بايني من خيبتي دست علي زرار غلط في كفها، لقيت وشها أخضر وبعدين أحمر ولقيت البت المفعوصة المأرأرة بتكبر وتعرض وشعرها بيطول ويسود وعنيها بتوسع وبقها بقي قد الأوضة كلها. أيه بتقول ايه .. بتلعب كاراتيه!
أي ... أي ... أي ذ أنا عارف بقي كاراتيه ولا مخاوية جنية متعافية ومفترية ... أقوي مني ومن مارد الحنية .
ضلفتين قزاز
ومن وحي "دعاء الكروان": تحكي سمر عن رؤيتها تحت عنوان " ضلفتين وقزاز قائلة :
أنا مش ضلفتين خشب وإزاز من غير إحساس. أنا شايف وعارف كل حاجة. ياما دموع آمنة بلت خشبي وياما حسيت بزهق خديجة. لما الباشمهندس إتقدم للست خديجة، آمنة حكتلها علي كل اللي حصل بينه وبين هنادي. بس الكلام ده كانت كل الناس عارفاه وما بتتكلمش عنه. ما هوعازب وعنده فلوس كتير. بس خديجة قالت في نفسها إن هي اللي هتصلح حاله . بس بيني وبينكم هي كانت زهقت من العيشة وسط بيت كل حاجة ماشية فيه زي الساعة وأمها ما تعرفش غير كلمة واحدة عيب يا خديجة!".
مدرس فرنساوي علي مدرس أدب وفنون وكله كوم ودروس البيانوكوم تاني. الصراحة أنا مش عارف آمنة كانت بتحسد خديجة علي إيه! أنا كنت ساعات بشوف روح خديجة بالليل وهي نايمة بتتسحب من جسمها وتخرج مني للفضا تسمع وتشوف. وترجع مع أول خيط للنهار مهدودة بس مبسوطة. ولما تقوم خديجة من نومها تفضل مخبية نفسها تحت غطاها يمكن اللي بره يتغير وهي مستخبية. وتطل براسها تلاقي الأوضة زي ما هي وصوت أمها مجلجل بضحكة وأبوها بيفطر وآمنة معاها.
بيني وبينكم أنا كانت صعبانة عليا البنية اللي عمرها ما شافت الشارع ولا داقت حلاوة نسمة الفجر. بس هي برضه ماكنتش سهلة.
كل ليلة تيجي تسند بكوعها عليّ وتستني عشان تشوف الباشمهندس علي وهوراجع من سهرة حلوة في البندر أوبيودع صحابه علي الباب، أوتدخل تحت اللحاف في ليالي البرد وتسمح الضحك والمزيكا العالية اللي جاية من بيته، وتشوف ناس ياما داخلة وطالعة. ناس وشوشها بتلمع ومتبسمين.
عشان كده كنت أطقطق خشبي أول ما أشوفه جاي من بعيد عشان تقوم تشوفه. أهوتتفرج علي العيشة اللي نفسها فيها وتتسلي شوية.
أنا عارف يا خديجة إنك عايزاه. وعارف كمان إنه عايزك. سمعته وهوبيكلم أهله وجايين يكلموا أهلك. بس مش عارف ليه أنا قلقان منه!
وجه اليوم ولبستي دبلة الباشمهندس ونمتي ليلتها مرتاحة ولأول مرة روحك ما تسرحش بره الأوضة وتفضل ملازماكي.
وفي ليلة فرحك كان وشك منور ومرتاح... وقلبك هادي.
نوروا البلد كلها والدنيا اتملت غنا ومزازيك وعيال بترقص وتهيص.
زغاريييد زغاريييد لحد ما الباب اتقفل. بس فضلت أنا برضه مكاني باصص علي بيتها أطمن عليها.
أول شهر كانت مبسوطة...ومستنية...مستنية إيه؟ حاجات كتيرة.
اتفسحت وشافت حاجات. نزلت مصر وكانت أول مرة تسيب الصعيد. شافت ستات رايحة شغلها وستات سايقين عربيات. شافت بنات حالّين ضفايرهم ورايحين مدارسهم وحبيبة علي شط الحليوة الأسمر.
وعلي تاني شهر الفرحة هديت قوي. وفضلت هي في البيت، توضب، تطبخ الأكل وتسمع غناوي في الراديووبس! ورجع الباشمهندس للشغل. ونسي خديجة. يرجع ياكل وينام ويقرا الجرايد ويخرج مع صحابه ويرجع البيت متأخر. ولايسألها حتي عملت إيه ولا عايزه إيه. ويوم ما يتكلم يبقي طلبات وبس.
يقبض أول الشهر وينزل هويجيب حاجة البيت. ممنوع ست البيت تنزل، تتعزز مكانها، شوارع لأ، كلام مع ناس برضه لأ.
المهندس المتعلم مرضيش يخليها تكمل علامها ولا مدرسين ييجوا البيت... الست الكُمل تقرا وتكتب وبس.
مافيش لا خروج ولا سهر لا معايا ولا لوحدك طبعا. الست الراسية مكانها بيتها.
وبعد كام شهر رجعت روح خديجة تسرح تاني بالليل. مرة تبقي قطة تلف الشوارع ومرة تبقي وردة علي غصن عالي.
ويوم ورا يوم أشوف وش خديجة بيدبل وهي بتطل من شباك بيت جوزها عليا وعلي أوضتها. لحد ما في يوم وهي واقفة فتحت أنا قزازي بقوة وعنف والهوا دخل أوضتها القديمة شال التراب وكسر حاجات وهي واقفة هناك مذهولة... جريت من بيت الباشمهندس وشايفها جاية ناحيتي... دخلت. فتحت كتبها. فضلت تقرا وتقرا وتشغل اسطوانات المزيكا بتاعتها. أربع ليالي لغاية لما شبعت ونامت. والمرة دي مش روحها اللي طارت... شفت خديجة بتطير من عندي، بتخرج مني وتبقي نسمة عالية فوق.
أما زينب مجدي لها رؤية مختلفة فتري فيها " غنوة " قائلة : كان كل يوم الصبح يفتح الشباك ويحط فتافيت العيش وينزل. يرجع من الشغل ويلاقيها خلصت كلها ويسمع تغريدة حزينة من بعيد. . في يوم من ذات الأيام رجع بدري شوية وفتح الشيش الأخضر التقيل ولقي قدامه كروان جميل وحزين بياكل فتافيت العيش ويشرب من طبق الميه. فتح الشباك علي آخره ورجع خطوتين عشان يتفرج علي الكروان وهوبيطير في أركان الأوضة وبعدين يخرج تاني للسما.
عدت الأيام وهوبيحاول يرجع بدري من الشغل ويفتح الشباك ويقعد يتفرج علي الكروان ويوم ورا يوم يتعود عليه الكروان أكتر. بس مرة رجع متأخر وملحقش يشوف الكروان ولا حتي يسمع غنوته فحس بخنقة وضيق وقال مش معقول يعني يتنغص عليّ يومي عشان مشفتش حتة عصفورة ولا سمعت صوتها.
تاني يوم رجع بدري واستني الكروان وفتح له الشباك علي الآخر ولما دخل الشقة وطار حوالين الأوضة شوية راح قافل الشيش والإزاز.
طار الكروان في كل حتة زي المجنون، مش عارف يخرج منين. وقرب المغربية غني الكروان غنوته الحزينة وقرب من الإزاز المقفول في شوية النور اللي داخل من الشمس وهي بتنزل. ولما كان الكروان واقف علي مقبض الشباك، كانت صبية قاعدة علي الأرض ، جمالها يشبه دفا الشمس وشايلة حزن ما بين ضلوعها وفي عينيها.
صرخ الراجل "فين الكروان؟ وأنت مين وجيتي منين؟"
يسألها وهي متردش. وفي لحظة ما ظلمت الدنيا وغابت الشمس لمطرح نومها قالت له الصبية في همسة "اسمع الأغنية".
سهر وياها الليل كله مستني الأغنية وهي مبتتحركش من تحت الشباك ولا بتغني. مرت الساعات ومع قرب الفجر كان نَفس الصبية بيهدي لحد ما غمضت عينيها ومالت علي الحيطة.
أتخض وقعد يهزها ويجس نبضها وفتح الشباك عشان يدخلها هوا.
وفي لحظة زي ما ظهرت الصبية في الأوضة اختفت في ضوء القمر وطارت نقطة نور في السماء الكحلي زي ما تكون نجمة بتلاقي مكانها.
جميزة سحر الموجي
أما من وحي رواية "الحرام"للكاتب الكبير يوسف إدريس تروي الكاتبة سحر الموجي الحكاية من وجهة نظرها بعنوان " جميزة " قائلة:
الموت مش حزن
والموتي ... مش صورة وذكري
باقعد أغني بالراحة، بهدوء، ونسيم العصاري بيمر عليّ ويمسح أوراقي برقة وأنا واقفة شامخة علي فم الخليج. يمر الهوا يهز فروعي ويفكرني بالحزن اللي عدا عليّ ويرجع لي صورة عزيزة. عزيزة اللي ولدت تحتي واللي ابنها مات وهي بتسكّت صراخه، بتكتم صوت الفضيحة، مكنش قصدها ولا كان علي بالها، بس الدنيا صعبة والجنيات طفشت من دنيانا، لا بقي فيه سحر ولا بلسم شافي ولا ضفدع يتحول لأمير ولا وحش بيرجع إنسي بلمسة حنية. عزيزة مكنتش تملك غير فقرها وجوز و3 عيال جعانين. والراجل كان عايز جدر بطاطا. نفسه راحت لجدر واحد بس. بس "الموت مش حزن". موت عزيزة تحتي وعذابها قبل موتها قَرّب الفلاحين من "التراحيل"، شافوهم بشر، بني آدمين، ستاتهم مش شبه الرجالة، ليهم نهود وأحلام وعيون في كل حتة من جسمهم.
"والموتي مش صورة وذكري".
باقعد أغني بالراحة. مجرد وشوشة ورق أخضر وفروع متهدلة علي فم الخليج وتحتها اثنين عشاق بيسرقوا لمسة. عيال هربانة من عيون الأهل ومن مارد بيدبح الأحلام ومن غول الفضيحة. الحرام "ست" والراجل دوره طياري. مين هي الزانية وليه قتلت ابنها؟ كل راجل شك في بيته، في بنته ومراته. الحرام يظهر بجد يا جماعة! الستات اللي فكري أفندي بيغلط معاهم مش هم ستات "الحرام". الحرام طلع بجد! الدنيا مقلوبة وأنا باداري القبل بفروعي الوارفة وباغني:
أنا عايشه معاك
ويّا النغم اللي في قلبك
والنور اللي ملاك
وملاك موتك
وملاك عشقك
ولأن جذعي الكبير الضخم نبت من العود اللي عزيزة كانت بتعض عليه وجسمها بيصرخ ويتفتح علشان يخرج ابنها للحياة، أنا شايلة عزيزة جوايا وشايلة الحزن وحافظة الحكاية، باغنيها للعشاق عشان ميخافوش. فيهم اللي بيسمع وفيهم اللي بيفضل خايف وأسمع البنت بتقول لحبيبها "الحرام"، "الفضيحة"، "يا لهوي لأبويا يشوفنا". لكن أنا، سمعوا مسمعوش، برضه باغني:
أنا واحده ماتت
جايه من الصفحه اللي فاتت
نازله من حبر القلم
من غير نغم
الناس فاكريني مبروكة، ويمكن أنا كده. يمكن عزيزة ماتت، لكن الحكاية فتحت باب حكايات لعشاق كتير. أحمد سلطان ولنده. زبيدة بنت عزيزة وأسامة ابن محمد بن قمرين. دميان ومايسة والواد ابن عبد الرحمن والبت رحمة وياما. يمكن الموت مش حزن زي ما فهمونا زمان. حاجات كتير يمكن. كل ده بيجري.
يمكن يا عزيزة محدش حاسس بغيابك، ولا حد يعرف الوجع اللي مزع جسمك ورشق سكينه في قلبك، لا عرفوا شدة الحزام علي ابنك وهوجواكي، نفسه يتنفس يا عين أمه ومش طايل، لا داقوا الحمي والهذيان ولا شافوا العوز. لكن البنات والولاد يا عزيزة لسه بيحبوا وبييجوا يتحاموا في فروعي. والترحيلة خلصت، بح. يمكن الناس نسيت يا عزيزة لكن لسه بييجوا يتباركوا ويحلموا بالحبل وببكره اللي هيجيب ولاد وبنات يهربوا من العيون تحت شجرة صفصاف بتغني عن الموت اللي مش حزن والموتي اللي مش صورة وذكري. (قصيدة الشعر للشاعر أمين حداد)
حكايات جديدة.. ولكن
إن أي عمل أدبي عظيم هوعالم قائم بذاته، له جغرافيته وزمنه الخاص وأفكاره . ولكن ورشة أنا الحكاية تعتقد إن إعادة رؤية هذه الأعمال بهذه الرؤي الجديدة تفتح أبواب هذا العالم لدخول كاتبات بوعي مختلف ومن زمن مختلف كفيل بإخصاب العمل الكلاسيكي مثلما هوقادر علي توليد حكايات جديدة وزوايا أخري للرؤية .
إن الهموم المطروحة لدي كبار الكتاب لا تزال حية في زماننا هذا. لكن " أنا الحكاية " تتساءل كيف نري هذه الهموم اليوم، وكيف نحاول فك معضلات تلك الأسئلة القديمة . انه لقاء وعي بوعي وزمن بزمن وعالم ثابت وراسخ بعوالم جديدة في طريقها للتشكيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.