التنظيم والإدارة: 59901 متقدم بمسابقة شغل وظائف معلم مساعد مادة    محافظ القاهرة يؤدي صلاة الجمعة بمسجد السيدة زينب    إنفوجراف| أسعار الذهب في مستهل تعاملات اليوم الجمعة 17 مايو    تيسير إجراءات استيراد المكونات الإلكترونية للشركات الناشئة بمجال التصميم الإلكتروني    اتحاد الغرف العربية: 36% نسبة الفقر في المنطقة.. والسلام مفتاح تحقيق التنمية    من بوابة «طلاب الجامعات».. بايدن يسعى لأصوات الأمريكيين الأفارقة بانتخابات 2024    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الأهلي والترجي التونسي في نهائي دوري أبطال إفريقيا    سقوط المتهمة بالنصب على المواطنين ب «شهادات تمريض مزورة» في الغربية    جمارك الطرود البريدية بقرية البضائع تضبط 3995 قرص ترامادول داخل كمبروسر    متحف تل بسطا بالزقازيق يفتح أبوابه مجاناً للجمهور غدا    منهم يسرا وعدوية.. مواقف إنسانية لا تنسى للزعيم عادل إمام يكشفها النجوم    «الصحة» توجه نصائح لحماية المواطنين من مضاعفات موجة الطقس الحارة    لأطفالك.. طريقة عمل ميني الكرواسون بالشوكولاتة    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    قتلى وجرحى.. كتائب القسام تعلن استهداف ناقلة جند إسرائيلية في جباليا    أنشطة وفعاليات متنوعة.. معهد إعداد القادة يرسم ملامح جيل واعٍ ومبدع    تفاصيل حادث الفنان جلال الزكي وسبب انقلاب سيارته    الأمن العام: ضبط 13460 قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    لعدم تركيب الملصق الإلكتروني .. سحب 1438 رخصة قيادة في 24 ساعة    البيئة: بعثة البنك الدولي تواصل مناقشة نتائج تقييم ممارسات إدارة مخلفات الرعاية الصحية بالمستشفيات الجامعية    "بعد 4 أشهر من وفاة والدته".. حفيظ دراجي ينعى أحمد نوير مراسل بي إن سبورتس    خمسة معارض ضمن فعاليات الدورة الثانية لمهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة    بشهادة عمه.. طارق الشناوي يدافع عن "وطنية" أم كلثوم    في يوم الجمعة.. 4 معلومات مهمة عن قراءة سورة الكهف يجب أن تعرفها    "الإفتاء" توضح كيفية تحديد ساعة الإجابة في يوم الجمعة    تجديد تكليف مى فريد مديرًا تنفيذيًا للتأمين الصحى الشامل    سموتريتش: السيطرة على غزة ستضمن أمن إسرائيل    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي الجديد    روسيا: مستعدون لتوسيع تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة    كوريا الجنوبية: بيونج يانج أطلقت صاروخًا باليستيًا تجاه البحر الشرقي    بحوزته 166 قطعة.. ضبط عاطل يدير ورشة تصنيع أسلحة بيضاء في بنها    ليفربول يُعلن رحيل جويل ماتيب    الحبس والغرامة.. تعرف على عقوبات تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها    مصر تفوز بحق تنظيم الاجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في 2027    برنامج للأنشطة الصيفية في متحف الطفل    رئيس جهاز أكتوبر الجديدة يتابع مشروعات الإسكان والمرافق    توريد 192 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة حتى الآن    هل يمكن أن يؤدي الحسد إلى الوفاة؟.. الأزهر للفتوى يجيب    مواعيد مباريات الجمعة 17 مايو.. القمة في كرة اليد ودربي الرياض    تأهل هانيا الحمامي لنصف نهائي بطولة العالم للإسكواش    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    انطلاق قافلة جامعة المنصورة المتكاملة "جسور الخير-21" المتجهة لحلايب وشلاتين وأبو رماد    تقنية غريبة قد تساعدك على العيش للأبد..كيف نجح الصينيون في تجميد المخ؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    حدث ليلا.. أمريكا تتخلى عن إسرائيل وتل أبيب في رعب بسبب مصر وولايات أمريكية مٌعرضة للغرق.. عاجل    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    هانئ مباشر يكتب: تصنيف الجامعات!    أستاذ تمويل يكشف توقعاته بشأن ارتفاع سعري الذهب والفائدة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما قال نجيب محفوظ: لن أخرج من بيتى إذا جاءتنى نوبل فى حياة توفيق الحكيم
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 12 - 2010

منذ ثلاثة عشر عاما رن جرس الهاتف، فراح الأديب الكبير نجيب محفوظ للرد..
جاء صوت المحادث: ألو.. أستاذ نجيب؟.
محفوظ: أيوه أنا... لو سمحت ارفع صوتك شوية.
أنا طالب بكلية الإعلام، ونفسى أعمل معك حوارا لجريدة الراية.
قالها الطالب وهو يتوقع أن يرفض.
لكن المهم أنه سمع صوت الأديب العالمى نجيب محفوظ، فهذا يكفى.
لكنه فوجئ برد محفوظ: تفضل يوم الأربعاء... الساعة الواحدة ظهرا.
فرحت لموافقته، واندهشت كيف وافق سريعا لإجراء حوار مع أحد لا يعرفه فضلا عن أننى كنت طالبا بالكلية، فى وقت لم أستطع مقابلة كاتب أقل شهرة وموهبة.
ذهبت لبيته فى الوقت المحدد، وقبل أن أضرب الجرس وجدت الأستاذ يفتح الباب مرحبا بىّ، وصدقت كل ما قيل عنه من أنه إنسان استثنائى، لا تقل شخصيته عن عظمة أدبه. لا أتذكر بالتفصيل كل ما دار فى الحوار الأول إلا تواضعه وقفشاته.
بعدها بعامين، اتصلت به مرة أخرى:
أستاذ نجيب أود إجراء حوار آخر لجريدة القاهرة. فوافق.
ذهبت فى الوقت المحدد. وتكررت قفشاته، وتجلى تواضعه. لكن عناوين هذا الحوار، أغضبته؛ إذ جاء فى مانشيت الجورنال «نجيب محفوظ: لا أكره الإسرائيليين ولا أحب فكرة العروبة».
وفى أحاديثه مع محمد سلماوى بالأهرام، حاول أن يقدم وجهة نظره. اتصلت به لكى اعتذر له عن عناوين لا ذنب لى بها، فوجدته يقول: «أنا مش زعلان منك، ولكنى حبيت أوضح رأيى فى الأهرام».
والآن انتهيت من قراءة أجزاء ممتعة ومهمة من كتاب سيصدر قريبا للأديب زكى سالم، وهو الأقرب إلى محفوظ، تحت عنوان «نجيب محفوظ.. صداقة ممتدة».
وقلت يا لسعادة زكى سالم؛ لأنه اقترب من الأديب العظيم، فى مشهد أقرب إلى الصوفية، وما يحدث بين المريد وشيخه الذى يعلمه الصوفية بالعيش بقربه لا بالوعظ أو إجابة الأسئلة.
فى بداية الكتاب المملوء محبة، قال زكى: «كنت فى بداية الصبا قد قرأت بعض أعمال طه حسين والعقاد والمازنى وتوفيق الحكيم ويحيى حقى ونجيب محفوظ، فأعجبت بهم جميعا، وبخاصة محفوظ الذى عشقت فنه البديع، ثم شاهدته وهو يتحدث فى التليفزيون، واستمعت إليه فى الإذاعة، وقرأت حواراته فى الصحف والمجلات، فجذبتنى شخصيته الساحرة.
فكان لابد أن أذهب إليه، لأعرض عليه بعضا من قصصى القصيرة، لعله يقدم لى ملاحظات فنية، ونصائح أدبية تنفعنى فى كتابة القصص والروايات التى أيقنت منذ هذه السن المبكرة أنها عملى الأهم فى هذه الحياة».
لكن يكتشف زكى سالم بعد رحلته العميقة مع محفوظ أن الأهم لا الملاحظات الفنية أو النصائح الأدبية التى قدمه محفوظ إلى سالم، إنما الدوران فى فلك عالم محفوظ الأكثر جمالا من كل عوالم البشر الآخرين.
وفى أحد اللقاءات الأولى بينهما سأله سالم عن أهمية الالتزام بكل قواعد اللغة العربية القديمة فى الكتابة الأدبية الحديثة، وأن الأساليب اللغوية تتغير، وتتطور، وتتحرر مع الزمن من بعض قيود اللغة الجامدة، لكن محفوظ قال بوضوح: «إنه مع الالتزام الكامل بكل قواعد اللغة، وإنه لا يرى أى ضرورة لكسر مثل هذه القواعد المستقرة».
ولم يسكت سالم فحاول أن يضرب مثالا له بعنوان أول مجموعة قصصية ليوسف إدريس، وهو «أرخص ليالى» وذكر له ما قاله الدكتور طه حسين عن وجود خطأ لغوى فادح، ولا يصح، فى عنوان المجموعة، فالصحيح هو أن تكتب هكذا:
«أرخص ليال»، بحذف الياء الأخيرة، وهنا حسب الكتاب قدم الأستاذ نجيب مخرجا لغويا، أو تبريرا يسمح بأن يبقى العنوان كما هو!.
وفى سطور الكتاب، وجدت إجابة عن اندهاشى السابق: كيف يقابل بود ومحبة الأستاذ نجيب محفوظ كل من يسأله الجلوس؟، حيث قال زكى سالم: «إن ثقافة محفوظ الموسوعية، لها فصل خاص فى هذا الكتاب، ولكنى أود أن أشير هنا إلى جانب واحد من جوانب ثقافته، وهو ما يخص علاقته بالناس من حوله، وهذا ما ظهر بوضوح فى ندواته العامة، فأى إنسان يريد أن يقابل نجيب محفوظ ويتحدث معه، كان يمكنه بمنتهى السهولة، أن يذهب إليه فى ندوته، ويشترك فى الحديث، أو يفتح ما يشاء من موضوعات للحوار».
وهذا ما يجعلنا نسخر من حالنا الثقافى الآن، إذ لا يستطيع الناس مقابلة بعض نجوم الأدب والثقافة أو من يعتقدون أنهم نجوم؟
ندوة قصر النيل
وعن ندوة «قصر النيل» أفرد سالم الكثير من السطور عنها: «هذه هى الندوة التى دعانى إلى حضورها الأستاذ نجيب محفوظ، وهى الندوة التى بدأت بها، وانطلقت منها فقد سبقتها ندوات، وتبعها ندوات أخرى.
وتقع ندوة قصر النيل هذه، فى مرحلة وسطى بين ندوات محفوظ الكثيرة.
فعلاقته بالندوات قديمة جدا، ويسبقها علاقته بالمقاهى حيث كان يلتقى بالأصدقاء والمعارف، أما الندوات فبدأت مذ أوائل الأربعينيات، حين تكونت لجنة النشر للجامعيين التى أنشأها عبدالحميد جودة السحار، وشارك فيها نجيب محفوظ وآخرون، منهم عادل كامل المحامى والروائى.
وكانت تعقد كل يوم جمعة فى كازينو أوبرا، وتمتاز عن الندوات الأخرى بأنها ندوة أدبية بمعنى الكلمة، إذ يحضرها عدد من الأدباء والنقاد والمثقفين، ويناقشون كتابا كل أسبوع، ومعظم موضوعاتها ثقافية وفكرية وأدبية. بالإضافة إلى الحديث عن نشر مؤلفات أعضاء لجنة النشر بطريقة متتابعة».
ويوضح سالم أن ندوة قصر النيل ظلت مستمرة حتى بعد انقلاب يوليو 1952م. وصادف فى يوم جمعة أن جمال عبدالناصر كان سيمر فى شارع الأوبرا، فلاحظ الأمن مجموعة من الأشخاص يتجمعون فى كازينو أوبرا، فجاء الأمن وسألهم: من أنتم؟ ولماذا تجلسون هكذا؟ وهل معكم تصريح؟
وعندما قالوا للضابط هذا نجيب محفوظ، قال الضابط للأستاذ: أين تحقيق شخصيتك؟ فقدمه له الأستاذ، فنظر إليه الضابط حسبما جاء فى الكتاب وقال إن هذه التجمعات ممنوعة، ولابد من وجود تصريح من الأمن لعقد مثل هذه الاجتماعات! فسأله الأستاذ: ومن أين نحصل على مثل هذا التصريح؟ قال الضابط: من قسم الشرطة التابع له الكازينو.
فكان الأستاذ يضطر إلى الذهاب إلى القسم حتى يحصل على تصريح بعقد الندوة، وتم الاتفاق على أن يذهب فى كل أسبوع أحد أعضاء الندوة إلى قسم الشرطة للحصول على التصريح! ليس هذا فقط، بل استتبع ذلك حضور أحد المخبرين إلى الندوة، لتسجيل كل ما يقال فيها؛ ولأن كثيرا مما كان يقال من أحاديث أدبية وثقافية وفكرية، كانت تستغلق على قدرة المخبر على المتابعة والتسجيل، أصبح المخبر يطلب من الأستاذ فى نهاية كل ندوة أن يساعده فى تسجيل ما دار فيها من أحاديث ومناقشات وحوارات!.
ويذكر كتاب زكى سالم تاريخ ندوات محفوظ، حيث انتقلت الندوة إلى مقهى ريش، وكانت كذلك ندوة أدبية، وإن ظهرت فيها أيضا المناقشات السياسية الحامية، فأغلب الحضور كانوا يساريين أو شيوعيين، ومنهم عدد كبير من كتّاب الستينيات.
وأرجع زكى توقف هذه الندوة أيضا إلى أسباب أمنية، إذ بدأ مقهى ريش يغلق فى موعد الندوة، كل يوم جمعة، حتى لا تستقبل أعضاء ندوة نجيب محفوظ. ثم ظهر كازينو قصر النيل كبديل.
حكايات الأستاذ
ثم انتقل سالم إلى سرد الحكايات، بعد تأكيده أن عدد الحضور تضاعف بعد حصول الأستاذ على نوبل. فقبلها كان عدد حضور الندوة من ثمانية إلى عشرة أو اثنى عشر على الأكثر، أما بعد نوبل، فكان العدد فى بعض الأحيان يصل إلى أربعين وخمسين شخصا، معظمهم حضروا لكى يشاهدوا صاحب نوبل.
ومن الحكايات التى ذكرها سالم أن د. جلال أمين، حضر ندوة، وكان متحمسا عن أهمية الدور الذى يمكن أن يلعبه التليفزيون فى حياة الناس، وإنه إذا عهد إليه بقيادة العمل فى هذا الجهاز الخطير، فإنه يمكن أن يغير مصر كلها، وهنا علق الأستاذ ضاحكا: نعم يمكن أن تغير مصر كلها من خلال التليفزيون إذا كنت تبث ساندوتشات!
وكتب سالم عن حديث دار بين محفوظ وتوفيق الحكيم، حين قال له الحكيم: هل قرأت ما نشر فى الصحف عن ترشيحك لجائزة نوبل؟ فأجابه: نعم، فسأله الحكيم: هل اتصلت بك السفارة السويدية لتحصل منك على سيرتك الذاتية؟ فأجابه محفوظ: لا، لم يتصل بى أحد. فقال له: لا تصدق مثل هذه الأخبار المنشورة فى الصحف؛ لأنك إذا كنت مرشحا فعلا، كانت السفارة اتصلت بك لتأخذ بياناتك. (والحقيقة كما تبين لنا فيما بعد أن السفارات السويدية لا تتصل بالمرشحين لجائزة نوبل).
وخطر للأستاذ سالم، بعد حصول الأستاذ على نوبل، أن يسأله عن رأيه فيما لو حدث أن جاءت إليه الجائزة فى حياة توفيق الحكيم، فقال له أعجب إجابة، حسب وصفه، إذ قال: لو حدث ذلك لما خرجت من بيتى!.
كما حكى سالم بعض حكايات توفيق الحكيم، منها أنه حكى عن الشخص الذى تسمى باسمه شاطئ من أهم شواطئ الإسكندرية، وهو شاطئ سيدى بشر، إذ حكى الحكيم أنه كان يعرف هذا الرجل البسيط، والذى كان يعمل «عسكرى» فى البوليس، وأنه ليس وليا له كرامات، ولا شيخا له مريدون، ومن ثم كان الحكيم يتعجب كيف أصبح له ضريح يؤمه الناس كل يوم، كما تسمى باسم هذا الرجل العادى شاطئ من أهم شواطئ الإسكندرية.
أشخاص فى حضرة الكبير
ولم يغفل الكتاب الحديث عن أشخاص بعينهم، مثلا قال عن عادل كامل إنه كتب الرواية والقصة القصيرة والمسرحية، وشارك نجيب محفوظ جائزة الرواية من مجمع اللغة العربية، بروايته «ملك من شعاع»، ورواية محفوظ «كفاح طيبة»، ولكنه لم يواصل إذ لم يجد المردود المتوقع للعمل الأدبى، فأخذته مهنة المحاماة. وذكر سالم مقولة قالها كامل بعد حصول محفوظ على نوبل: «الآن فقط أعلن أننى أخطأت حين توقفت عن إكمال مشروعى الأدبى».
وهنا انتهز سالم الفرصة ليسأل محفوظ عن السبب الذى يجعل مبدعا موهوبا يتوقف عن إكمال مشروعه الإبداعى. وجاءت إجابة محفوظ، حسب الكتاب: «أن المبدع الحقيقى لا يمكن أبدا أن يتوقف؛ لأنه يبدع طالما موهبته لم تنضب». ثم قال له سالم: أمعنى ذلك أن أى مبدع توقف أن موهبته قد نضبت؟ فرد عليه قائلا: «أو تكن الموهبة توقفت لفترة كما حدث معى بعد الثلاثية ثم يواصل الإبداع بعد ذلك».
وعن فرج فودة قال زكى سالم: «أتذكر أول مرة حضر فيها د. فرج فودة، فقد جاء مبكرا، فى تمام الساعة الخامسة، ولم يكن موجودا فى الندوة سوى الأستاذ ومصطفى أبوالنصر والمؤلف، وقد جاء د. فرج حزينا لما حدث فى حزب الوفد، فقد كان فى هذا الوقت عضوا فى الهيئة العليا للحزب، وقد رأى فؤاد سراج الدين، وكثير من أعضاء الهيئة العليا أن يتحالف الوفد مع الإخوان فى أثناء الانتخابات، وقد رأى فؤاد باشا أن ذلك فى مصلحة الوفد لما سيحصده من مقاعد (وهذا ما حدث فعلا)، ولكن د. فرج رأى أن هذا الموقف يعد نوعا من الانتهازية السياسية، ومن ثم استقال فرج من حزب الوفد، وبدأ يفكر فى إنشاء حزب سياسى جديد.
وقد اختلف رأى الأستاذ نجيب مع ما طرحه د. فرج، إذ رأى أنه ما كان يجب أن يستقيل فرج، لأن فرج وأمثاله هم مستقبل حزب الوفد، بينما الباشا ومن معه، فهم يمثلون التاريخ لا المستقبل، ولا يجب أن ينسحب المستقبل أمام التاريخ. ولعل كلام الأستاذ عن فكرة المستقبل والتاريخ هو الذى دعا فرج فودة إلى إطلاق اسم «المستقبل» على الحزب الذى حاول أن ينشئه، ولم يفلح. وقد استمر فرج فودة مواظبا على حضور الندوة حتى اغتياله.
وعن حوار مهم دار بين زكى ومحفوظ، أضعه هنا كاملا، يذكر الكتاب: «دار بيننا حوار جرى تقريبا فى عام 1980م، بعدما أنهيت دراستى فى كلية التجارة، وأردت أن أحقق حلمى القديم، وهو حلم دراسة الفلسفة دراسة أكاديمية منظمة، فقلت للأستاذ ذلك، فإذا به يقول لى: إذا أردت أن تدرس فى كلية الآداب، فمن الأفضل أن تدرس أدب عربى، أو أدب إنجليزى، فأنت تكتب القصص، ومن ثم ستكون دراسة الأدب أفضل لك كثيرا من دراسة الفلسفة.
أصابتنى لحظة من الذهول، وإذا بى أقول له: كيف؟ إننى أحلم منذ سنوات أن أدرس الفلسفة مثلك. فإذا به يقول: أنا أخطأت بدراسة الفلسفة. الأستاذ يعترف لى فجأة أنه أخطأ حين اختار قسم الفلسفة للدراسة! كيف أخطأت يا أستاذنا؟ قال إنه كان فى زمن أساتذة كبار من المفكرين: طه حسين، وعباس العقاد، وسلامة موسى، ومن ثم فقد تمنى أن يصبح مفكرا مثلهم، وبالتالى فالطريق الأقرب لذلك هو دراسة الفلسفة لا الأدب! قلت له: أتظن أن دراستك للأدب بدلا من الفلسفة، كانت ستكون أفضل لما قدمته من إبداع عظيم. فقال: لا أستطيع أن أجزم بذلك الآن، لكن من يهتم بالأدب يدرسه. فقلت: الأدب يسمح لنا أن نقرأه بطريقة حرة، وكذلك كتب النقد الأدبى، أما الفلسفة فهى بحاجة إلى دراسة أكاديمية منظمة».
ثمة حكاية جميلة حكاها الأستاذ نجيب، ورواها زكى سالم فى كتابه، إذا قال: «حين تقدم فى عام 1930م للدراسة فى كلية الآداب، واختار قسم الفلسفة، ففى ذلك الحين كان عميد الكلية بنفسه، الدكتور طه حسين، يستقبل الطلاب الجدد، حتى يتأكد من خلال الحوار معهم، أنهم أحسنوا اختيار الدراسة فى أقسام الكلية المناسبة لهم! وحين سأل العميد الطالب نجيب محفوظ عن سبب اختياره لدراسة الفلسفة دون غيرها، عبر نجيب محفوظ عن رأيه فى أسباب اختياره لقسم الفلسفة وأهميته، عندئذ قال له د. طه حسين مداعبا، إنك حقا تصلح لدخول قسم الفلسفة، فكلامك غير مفهوم».
يجب هنا الإشارة إلى كلمات ذكرها من قبل الدكتور يحيى الرخاوى فى كتابه: «فى شرف صحبة نجيب محفوظ»، توضح مدى قرب سالم لنجيب محفوظ، وبالتالى تعتبر مذكراته من أصدق ما كُتب عن الأستاذ بعيدا عن ورثة الأديب. قال الرخاوى إنه فى أول مقابلة معه يقصد نجيب محفوظ فى مستشفى الشرطة، وأنا أسأله عن أسماء الأصدقاء الذين سوف أضمنهم روشتة العلاج من ظاهرة: «الافتقار إلى الناس».
سألته يومها: من يريد أن يسمح له بزيارة منتظمة فى يوم بذاته، ساعتها ذكر لى أول ما ذكر: زكى سالم، ولم أكن قد التقيته ولا مرة قبل ذلك، ثم ذكر: جمال الغيطانى، ثم أضاف: ثم ما يرون وترى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.