عندما يمتزج المديح بموسيقي الكف الصعيدية يكون الناتج عملا فنيا مختلف يوجد لصاحبه لونه الخاص, كما حدث مع الشيخ عبد النبي الرنان, فيقدم كثير من انشاده علي موسيقي الكف. ويرجع هذا لأنه والده عبد العال محمدين هو أحد نجوم فن الكف الصعيدي, وهكذا وجد الفتي عبد النبي, المولود عام1950, نفسه في حضرة واحد من أبرع الفنون, لأنه يعتمد علي سرعة البديهة, والتلقائية والارتجال, فمن يغني الكف عليه أن يجيد تضفير الكلمات في أسرع وقت وعلي نفس القافية والوزن. وكان الرنان محظوظ لأن أساتذته كثيرون وهو امتداد لكل من سبقوه من مختلف الفنانين والمادحين خاصة أولئك الذين تربي علي أيديهم, ولد الرنان في قرية الدير بمركز إسنا محافظة قنا, نفس بلد الشيخ أحمد برين, كان المدح له ليال, والكف له ليال مختلفة فالمدح يكون في المناسبات ذات الطابع الديني وشبه الديني أما الكف فكان يرتبط بالزفاف وتحديدا لليلة الحناء التي تسبق الليلة الكبيرة, ومن هنا كانت هناك مساحة كبيرة لفن الكف, ومساحة للإنشاد الديني لا يطغي جانب علي جانب, وتعلق الرنان الذي اكتسب لقبه من رنين صوته بليالي المدح التي يقيمها البرين, والتي يتخللها رواية قصص وما أشبه, إلي جانب ملازمته لوالده في حفلات الكف, ومن هنا كان للشيخ عبد النبي أستاذان,, وطريقان, وطريقتان يمكن أن نضيف لهما طريقا ثالثا هو طريق الرواجحية كانت الرواجحية فرقة موسيقية تحت قيادة الفنان محمد أبو الضوي وهو أحد المداحين المتصوفين عن حق, كان محافظا علي استقلال المديح عن غيره من الفنون, لم يكن قصاصا ولا حكاء ولم يدخل الفنون الشعبية في المديح, وحافظ علي أجواء التراث بما في ذلك الجلوس علي الحصيرة, ورفض اعتلاء الدكة الخشبية للغناء والمديح. وهكذا فإن عبد النبي كان تلميذا في ثلاث مدارس في وقت واحد, وكانت جميعها مدارس متميزة, حيث حققت كل منها نجاحا. وانتشارا وصيتا وكان علي الشيخ الصغير أن يختار طريقا يسلكه من بين هذه الطرق واختار عبد النبي الرنان أن يكون مداحا, لم يكن الشيخ عبد النبي يري في نفسه فنانا للكف مثل والده عبد العال محمدين, فهو لم يكن مثله يجيد الارتجال كما تؤكد صفحة السيرة الذاتية علي موقعه الالكتروني, يضاف لذلك ميله الفطري للحزن الذي كان مدخله لعالم التصوف, ومن هنا لم يقتنع الرنان بنفسه فنانا للكف, لكن هذا لم يمنع أنه تأثر بذلك الفن, وهو جعل لمدائحه مذاقا خاصا بداية من الطبلة, وهي عبارة عن سلطانية من الألمونيوم, شد عليها جلدا فصنعت آلة ارتبطت بالفنان وارتبط بها. فإن الشيخ الرنان أقسم علي ألا يترك هذه الطبلة حتي يموت, ومن هذه الطبلة اكتسبت مدائح عبد النبي رنينا خاصا يضاف إلي رنين صوته, مما جعله في النهاية بحق هو الرنان كذلك تأثر اختياره لما يغنيه من موضوعات بفن الكف فكان يغني من المواويل, والمربعات وغيرها من الأشكال الشعبية التي لم اتكن معروفة من قبله في فن المديح ولذلك فإن فترة السبعينيات كانت هي الفترة الذهبية للشيخ الرنان, حيث كان رقم اثنين في مبيعات الكاسيت بعد الشيخ ياسين, وهكذا أصبح الشيخ محجوزا لستة أشهر مقدمة طيلة فترة السبعينيات والثمانينيات, ويرجع هذا النجاح الكبير إلي استخدامه تلك الأشكال الشعبية في الغناء. بل إن مدائحه عرفت كذلك فن الواو وفن الواو هذا يشبه مروريات السيرة الهلالية في شكل, وكان الأهم من كل هذا هو إدخاله القصص من نوعية عزيزة ويونس لفن المديح أو في جلسات المديح. إذا اختار الشيخ عبد النبي أن يكون مداحا, في شكل كفاف شعبي ونظرا لهذا الخليط الفني فقد كان مطلوبا في جميع أنحاء العالم, بل انه يعتبر الوحيد تقريبا بين المداحين ممن ذهبوا للإنشاد في دول إفريقية غير عربية, بالإضافة إلي زيارته للدول العربية, والأوروبية وأمريكا. منذ تسعينيات القرن العشرين, والأمور لم تعد كما هي مع الشيخ عبد النبي الرنان, فقد خفت بريق الإنشاد والمديح, كما أنه أصيب بمرض السكر وصل إلي ذروته عام2001, وتسبب في بتر ساقه غير أن تلك الظروف لم تجعل الشيخ الرنان يعتزل المديح, أو يغير طريقه مثلما فعل آخرون, واستمر في التسجيل والمديح, حتي بعد حادث البتر وظل الشيخ عبد النبي الرنان متمسكا بفن المديح, واستمر علي هذه الحال حتي وافته المنية يوم18 أغسطس2009. رابط دائم :