نعم.. إلغاء الانتساب الموجه أصبح ضرورة    «التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن نتيجة مسابقة وظائف الشهر العقاري    6 سنوات على ميلاد تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين: مستمرون في النجاح والبناء    رئيس هيئة المحطات النووية خلال ندوة "بوابة أخبار اليوم": «الضبعة النووية» إنجاز يحقق رؤية مصر 2030    أسعار الذهب في منتصف تعاملات الجمعة 14يونيو    استجابة لمبادرة الرئيس السيسى، محلات السعيد للفراخ والمشويات تحطم الأسعار    إيلون ماسك: «تسلا» قد تصبح الأضخم في العالم من حيث القيمة السوقية    أطفال غزة بين مطرقة القصف وسندان الحصار: الإغاثة الطبية تحتضر    وزير الشئون الإسلامية والدعوة السعودي يستقبل رئيس جامعة الأزهر    الرئيس السيسي يصل إلى جدة استعداداً لأداء مناسك الحج    الأهلي يسجل الهدف الأول في شباك فاركو    نوري شاهين مديرا فنيا ل بوروسيا دورتموند    فريمبونج: هذه حقيقة عرض برشلونة لضمي    حج 2024 | ضيوف الرحمن يستقرون في مشعر منى    ضبط كيانات تعليمية وهمية خلال حملات أمنية بالإسكندرية والمنيا    موعد صلاة عيد الأضحى في مصر 2024    الإسكندرية .. تخفيف الأعباء المادية عن أولياء الأمور    تعرف على سبب تغيير مكان حفل كاظم الساهر في مصر    شاهد | «فورمة» تامر حسني استعدادًا ل «ريستارت»    «تاني تاني».. يقفز في شباك التذاكر السعودي ويقترب من 32 مليونا    القاهرة الإخبارية: إصابة فلسطيني برصاص الاحتلال خلال اقتحام مخيم الأمعري    اليوم المشهود    الأزهر: يجب استخدام عوازل لمنع الاختلاط في صلاة العيد    الفيلم الوثائقى "أيام الله الحج": نداء إبراهيم للحج وصل للأرحام والأصلاب    هل يجوز الاشتراك في الأضحية من الخراف؟ المفتي يُوضح (فيديو)    كيف تساعد مريض الزهايمر للحفاظ على نظام غذائي صحي؟    طريقة عمل اللحم الضاني.. وصفات مختلفة مثل الجاهزة    قصف مستمر وانتشار للأمراض الخطيرة.. تطورات الأوضاع في قطاع غزة    إزالة مخالفات بناء في الشروق والشيخ زايد    رسائل تهنئة عيد الأضحى 2024.. كلمات بسيطة لإسعاد زوجتك    واشنطن تعتزم فرض عقوبات على جماعة إسرائيلية هاجمت قوافل مساعدات غزة    حزب الله يطلق عشرات الصواريخ على إسرائيل    جيش السودان: مقتل أحد قادة "الدعم السريع" في معركة "الفاشر"    برامج وحفلات وأفلام ومسرحيات.. خريطة سهرات عيد الأضحى على «الفضائيات» (تقرير)    وزارة العمل: تسليم شهادات إتمام التدريب المهني للمتدربين من شباب دمياط على مهن الحاسب الآلي والتفصيل والخياطة    وكيل «الصحة» بمطروح: تطوير «رأس الحكمة المركزي» لتقديم خدمات طبية متميزة للمواطنين    جوندوجان يطالب جماهير ألمانيا بهذا الشئ قبل اليورو    لبنان يدين الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب البلاد    هل صيام يوم عرفة يكفر ذنوب عامين؟.. توضح مهم من مفتي الجمهورية    "ليس الأهلي".. حفيظ دراجي يكشف مفاجأة في مصير زين الدين بلعيد    حج 2024| النقل السعودية تطلق مبادرة «انسياب» لقياس حركة مرور حافلات الحجاج    تضامن الدقهلية: ندوة تثقيفية ومسرح تفاعلي ضمن فعاليات اليوم الوطني لمناهضة الختان    «الإسكان»: إجراء التجارب النهائية لتشغيل محطة الرميلة 4 شرق مطروح لتحلية المياه    «التعاون الدولي» تُصدر تقريرا حول التعاون مع دول الجنوب في مجالات التنمية المستدامة    وزير الري يوجه برفع درجة الاستعداد وتفعيل غرف الطوارئ بالمحافظات خلال العيد    65% من الشواطئ جاهزة.. الإسكندرية تضع اللمسات النهائية لاستقبال عيد الأضحى المبارك    «هيئة الدواء»: 4 خدمات إلكترونية للإبلاغ عن نواقص الأدوية والمخالفات الصيدلية    نصائح للحفاظ على وزنك في عيد الأضحى.. احرص عليها    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق فى الهرم    ماس كهربائي كلمة السر في اشتعال حريق بغية حمام في أوسيم    فرج عامر: أوافق على مقترح الدوري البلجيكي.. ولا أستطيع الحديث عن عبد القادر وخالد عبد الفتاح    مصطفى فتحي يكشف حقيقة بكاءه في مباراة بيراميدز وسموحة    تنسيق مدارس البترول 2024 بعد مرحلة الإعدادية (الشروط والأماكن)    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    إنبي: العروض الخارجية تحدد موقفنا من انتقال محمد حمدي للأهلي أو الزمالك    حظك اليوم وتوقعات برجك 14 يونيو 2024.. «تحذير للأسد ونصائح مهمّة للحمل»    كتل هوائية ساخنة تضرب البلاد.. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم الجمعة (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرنان.. روح هائمة في سماء المديح
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 05 - 2010


»أنا بعت روح لروح روحي تجيب روحي
لا جاتني روحي ولا اللي راح يجيب روحي
يا نجمة الصبح قلها ارجعي يا روحي
ماتسلمي لي علي اللي عندهم روحي
أنا عملت صباعي قلم وكفتي لوحي
ما أكتب وأسطر علي اللي عندهم روحي«.
الاسم/ عبدالنبي عبدالعال محمدين. والشهرة: الرنان. وهو اللقب الذي ورثه من والده فنان الكف، لكنه هو من أعطي الاسم الشهرة والرنين في عالم المديح أو الإنشاد الديني الشعبي، وقد أطلقت الجماعة الشعبية هذا اللقب عليه لقوة صوته وما يتمتع به من حلاوة وطلاوة جعلته قريبا من رنين الموسيقي الشعبية؛ من مواليد 0591 بقرية الدير التابعة لمركز اسنا بمحافظة قنا، وهي ذات القرية التي يسكنها كبير المداحين بجنوب مصر: أحمد برين. وإلي الجنوب قليلا بقرية راجح يقيم الشيخ محمد أبوالضوي، الذاكر الكبير والمداح الشهير.
في ذلك الوقت كانت السيادة للإنشاد الديني في الأفراح والمناسبات الشعبية المختلفة، والانشاد ينقسم الي نوعين: إما الموالدية/ أصحاب الدكة، أو أهل الذكر/ أصحاب الحصيرة. مدرستان وطريقتان في الانشاد، عظيمتا التأثير ولا ثالث لهما، وكان قطب الموالدية وإمامهم الشيخ أحمد برين قد استطاع أن يطور في الانشاد التقليدي لأصحاب الدكة ويتقدم بهم خطوة هائلة وحاسمة تجاه الحس الشعبي، مطعما الموشحات والطقاطيق والدوار القديمة المتوارثة بالمواويل/ المسبوع تحديدا، وبعض المربعات، تلك التي تهيم بها الجماعة، وتبدع في انشائها، وتتباري في جعل قوافيها مستغلقة كي تثير خيال وحماسة المتلقين ليفكوا شفرات الموال أو المربع، فتحدث اللذة والمتعة وطلب الاستزادة؛ لم يفعل أبوبرين ذلك مرة واحدة إنما بدأ في غناء المواويل التي تخص الجانب الديني وانشاء القصص الخاصة بالأنبياء: خلق آدم، ابراهيم واسماعيل، موسي والخضر، يوسف وزليخة، مريم وعيسي.. وغيرها، وقصص الأولياء وأهل الطريق، كان ذلك يتم رويدا بجانب البداية التقليدية في الانشاد، ثم بدأ في ادخال المواويل التي تصيغ منظومة القيم التي تتبناها الجماعة الشعبية، وأيضا ينتقد التغيرات والانتهاكات الأخلاقية - من وجهة نظر الجماعة - وخاصة تلك التي بدأت الأجيال الجديدة في تبنيها، كما لا ينسي الفنان الشعبي أن يدلي بدلوه في الأحداث الجارية وما يطرأ علي الأمة والوطن، ساعد أبوبرين في هذا قدرته الخاصة في انشاء الموال والمربع وحضوره الغامر وقوة صوته وجماله، لكنه ظل مخلصا للايقاع القديم، فلم يتخل عن شكل البطانة التقليدية والتي ورثها من شيوخه، وكان اجتهاده في هذا الجانب أن يقدم ايقاعات جديدة وحيوية، ووصلت به البراعة للدرجة التي جعلت جمهوره يناديه ب: يا ابو برين يا معلم، خلي الطار يتكلم. وكان قادرا علي ذلك الفعل.

أما أهل الحضرة فكان الرواجحية بقيادة الشيخ محمد أبوالضوي قد تقدموا خطوة في ادخال الموسيقي، الغاب تحديدا لقلب الذكر بجوار وحدات الايقاع الموروثة، بدا الطرب عظيما مع ما يتمتع به الشيخ من قوة في الصوت وجمال في التلوين والأداء، كان يستخدم الغاب في الذكر، لكن في وقفات الاستماع، أي في وقت الراحة بين طبقات الذكر، فقد ظل اعتماد الشيخ علي صوته، هذا من ناحية، أما في جانب القول، لم يقم الشيخ بإدخال تعديلات أو اضافات، اللهم إلا بعض القصص التي كان يقولها في وقفات الاستماع، ولعل أشهرها: فاطمة بنت بري.
بالاضافة لما سبق كان فن الكف هو بطل الليالي التي تسبق الليلة الكبيرة في الأفراح والمناسبات الأخري، وهو فن دنيوي بامتياز، وكان والد الرنان، واحدا من أبطال هذا الفن، بالطبع غير هذا الكثير من الفنون القولية الأخري التي تنشئاها الجماعة الشعبية: كالموال والمربع بتنويعاته الهائلة: الواو، والسيرة، وليس بعيدا أغاني النساء في الأفراح والعديد.
كل هذه الروافد كان يتلقفها وعي الصبي، وكان يتمتع بموهبة الحفظ السريع، فبدأ بترديد ما يسمعه غناء، وكان الانشاد الأقرب الي روحه، مخلافا بذلك طريق الوالد، وذلك بسبب أن فن الكف يتمتع بخصيصة ليست متوافرة لدي الفتي، والخصيصة التي يتطلبها فن الكف هي الارتجال الفوري، والرد علي اللازمة التي يرددها الكفافة ودون اعتماد علي المحفوظ الشعري فقط، لم يتمتع اذن الصبي بموهبة القول والانشاء، وهو ما دفعه نحو الانشاد الديني الذي يمكن للمداح فيه أن يكتفي بما يحفظه من مأثور شعري: موشحات وأدوار ومواويل، هنا تبقي الجدارة للصوت وجماله، وطريقة الأداء التي تميز بين شيخ وآخر، تلفت الفتي حوله، وكان الأقرب منه جيرة وروحا الشيخ أحمد برين، فراح يتتبع لياليه، ويلتحق ببطانته لفترة قصيرة، ثم ينفصل عنه، ليبدأ في البحث عن بطانة وطريقة في الأداء تخصه، وأظن بسبب الرغبة في الانفصال والتميز، بداية عن والده وفن الكف، ثم عن شيخه أبوبرين، فحط رحاله داخل ساحات الذكر، وبين رجال الحضرة.
سلطانية من الألمونيوم استعارها من والدته وشدا جلد عليها فصارت طبلة صغيرة، صار ينقر عليها أثناء المديح، بدت كأنها رفيقة له، ودلالة علي حظوظه الآخذة في الارتفاع، هكذا أخبرني أثناء حواري معه، هذه الطبلة ستستمر معه حتي نهاية حياته، وسوف يرثها أولاده مع كم هائل من تراث الشيخ من انشاد وسيرة حسنة بين الناس، ذلك وهم يكملون طريقه الآن؛ أضاف للطلبة الصغيرة دف ورق وغاب ومزهر وكان في هذا يتطابق مع سيد الحضرة في المنطقة؛ أقصد الشيخ محمد أبوالضوي، لكنه سيفارقه فيما سيقوله داخل الحضرة، كان الحضور الباهر والطاغي للشيخ أحمد برين وبما أدخله في صميم المديح من مواويل وغيرها، فسلك الشاب نفس طريق الشيخ، محققا بذلك معادلة صعبة التحقق داخل ساحات الذكر، قبل ذلك كان لا يمكن الاستماع لأي من المواويل التي تناقش أوضاع الجماعة، قيمها وأشواقها، وحكاياتها، فإذا كان مبررا مثلا وردود قصة يوسف وزليخة كواحدة من القصص الدينية، أو بالأحري متعلقة بواحد من الأنبياء، لكن أن تغني قصة عزيزة ويونس، وهي واحدة من قصص السيرة الهلالية داخل ساحة الذكر أو الحضرة، مما يعد ذلك مغامرة كبيرة، وقد قوبل هذا من الجماعة بالرضا والقبول، مما دفع بدخول غيرها من المواويل.

قبل ذلك كان علي الرنان أن يبتدع طريقة في الغناء والأداء لا تقترب من أي من الشيخين، طريقة تخصه هو، وقد حقق ذلك من خلال الطرائق الشعبية المختلفة، ليحفر لنفسه وطريقته دربا مميزا داخل حقول الانشاد الديني الشعبي، فمثلا يمكنك الاستماع لنفس المواويل التي يغنيها الشيخ أحمد برين يقولها الشيخ الرنان، لتدرك كم الاختلاف بين الطريقتين في الأداء، فمن خلال اللازمات الخاصة بالصوت وطريقة النطق، وأحيانا الاضافات والتعديلات الطفيفة في الموال ستجعلك تشعر بأنك أمام موال مختلف.
قالوا العسل من قصب وأصله القصب من طين
قالوا الزبيب من عنب وأصله العنب من تين
أصل المحبة وجاهة وقوم روح يا مسكين.
في النصف الثاني من السبعينيات من القرن الماضي بدأ انتشار الكاسيت، وكان الرنان قد حقق شهرة طيبة في مجال الانشاد في محيط مركز اسنا وادفو والأقصر، مما دفع بشركات الكاسيت بالقيام بتسجيل حفلاته وتوزيعها علي نطاق واسع، مما ساهم في ارتفاع شهرة الشيخ وطريقته في المديح، فما أن جاءت الثمانينيات وبعدها التسعينيات كانت شهرته قد تعدت مصر، فسافر لإحياء العديد من الليالي في البلاد العربية والأوربية والافريقية، قال الشيخ عن هذه الفترة: كان إذا جاءني أحد طالبا كي أحيي ليلة له، كنت أقول له بعد ستة أشهر علي الأقل، وكان هذا حقيقيا، فالاقبال المتزايد علي الشيخ جعله لا يكاد يستريح، هذا مع حرصه علي الانشاء في الموالد الخاصة بالأولياء والليالي الكبيرة التي يقيمها المريدون ورجال الطرق علي اختلاف مشاربهم، فستجد الشيخ نجما في ليالي مولد الشاذلي بحمثرا، والمولد النبوي بأسوان وأبوالحجاج بالأقصر وغيرها.
بالله يا طير أعطيني جناحيني
لأفر وأنزل علي روحي حبيب عيني
من حبني يوم حبته سبوعيني
من حبني شهر حبته سنتيني
ما صابح مسافر تسبني لمين يا عيني
في سبتمبر من العام 1002م أصيب الشيخ في قدمه اليمني، ولما كان مصابا بالسكر من قبلها، وكانت غرغرينا، مما استوجب بترا للساق اليمني، لكن ذلك لم يوقف الشيخ أو يفت في عزمه، فواصل طريقه في الانشاد واحياء الليالي، معمرا اياها ببهاء صوته ورنينه المحبب لقلوب مريديه، حتي وافاه الأجل في الثامن عشر من أغسطس 9002م. تاركا خلفه كما هائلا من التسجيلات والتراث الفني والذي أرجو أن يقوم أحد الباحثين بجمعه، والعكوف علي دراسته، كما ترك أنجاله خلفه يكملون ما بدأه الأب، خاصة أنه كان قد جعلهم أفراد بطانته منذ فترة طويلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.