الأصلي إذا كان هناك من يحمل لقب المداح الشعبي, فهو الشيخ محمد الشوبكي.. ولكن انتبه, فمن المؤكد أنك قابلت أو ستقابل عشرة مطربين شعبيين يحملون اسم الشوبكي محمد أو أحمد, مداحين أو غير مداحين, تأثرا وتقليدا واتباعا للشوبكي الكبير, ولم يتوقف التأثر عند الاسم, فستجد ان طريقة الأداء وشكل الملابس, منحوت عند البعض. لكننا عندما نتحدث عن فن المديح, فإنه لا يوجد سوي شوبكي واحد هو محمد الشوبكي الأصلي. محمد شوقي السيد الجبالي هو اسمه الحقيقي, وكما هو واضح فإنه ينتسب إلي عائلة الجبالي, وهي احدي العائلات العريقة الممتدة في جميع أرجاء المحروسة, والتي يفخر أبناؤها بأنهم قد حققوا نسبهم وانتسابهم إلي النبي عليه الصلاة والسلام. أما اسم الشوبكي فيأتي من قرية شوبك بسطة مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية, وهي القرية التي ولد فيها الشوبكي منذ سبعين عاما بالضبط, أي في عام1940, أطال الله في عمره. وبحسب أحمد الشوبكي, نجل الشيخ محمد والمهتم بالتأريخ لوالده, فإن أسرة الشوبكي لم تكن مهتمة بالفن إطلاقا, كما أنها لم تكن تحتفل بالأجواء الصوفية, وحلقات الذكر والموالد. بالعكس, يمكننا أن نقول ان شوقي السيد الجبالي, والد الشيخ الشوبكي, كان متطلعا إلي الحفاظ علي الصورة الاجتماعية للأسرة, خاصة وان المديح كان في تلك الفترة مرتبطا بواحد من طريقين, إما التصوف, مما يوحي بأجواء التكايا وما أشبه, أو الفن الصريح واحياء الليالي والافراح, وكلا الطريقين لم يكن ليرضي الوالد. الصراع وهكذا فإن فترة طفولة الشيخ الشوبكي كانت عبارة عن صراع بين موهبته التي بدأت في الظهور وهو في العاشرة, وبين مقاومة أسرته لتلك الموهبة, التي حملته الي الانتقال من فرح لآخر, ومن ليلة لطهور, جريا وراء المداحين والقوالين وأسطوات الموال, إما للتعلم أو للمشاركة علي استحياء بما يناسب هذه السن الصغيرة. بينما كانت أسرته تأبي لابنها هذا المصير. ويقول الشوبكي الصغير إن ما حسم الأمر هو المداح مصطفي مرسي, وهو أحد المداحين القدامي, لم يكن له صيت كبير في عالم المديح, لكنه كان صديقا للعائلة وموضع احترامها, ومن الطريف أن محمد الشوبكي كان يتحاشي الظهور في الليالي التي يحييها الشيخ مصطفي علي اعتبار أن الشيخ, ولابد, سيبلغ الوالد. حتي كانت ليلة تصادف فيها وجود الشيخ مصطفي وقد تجاوز الستين, وبدأ صوته في التأثر, حتي إنه قال: وايش يعمل العود بدال خالي من الأوتار؟, في اشارة الي صوته الذي بدأ في الذبول, فقام في تلك الليلة الشوبكي بالآداء والمديح, احتراما للأستاذ. مرتجلا موالا يحمل له التحية والاحترام, وكان هذا سببا في توسط الشيخ مصطفي لدي والده حتي يفك الحصار عن الفتي. القائد الصغير بمجرد تصريح الوالد للشاب بأن يفعل ما بدا له, انطلق الشاب الصغير(14 عاما) وكون فرقة مستقلة من محبي الانشاد, بدأت في الانتشار أولا داخل محافظة الشرقية, ثم في المحافظات المجاورة, ليغطي بذلك ندرة نسبية في محافظات شرق الدلتا, فمن المعروف ان مداحي الدلتا وغربها هم الأكثر والأغزر انتاجا( دون وجود سبب واضح وراء ذلك). وكان أحد أهم أدوات النجاح بالنسبة للشاب الصغير هو الذاكرة الحديدية والقدرة الرهيبة علي الارتجال, الذي يحتاج إلي تدريبات شاقة ومعاناة كبيرة, لكن المحيطين بالشوبكي يؤكدون أن مقدرته الكبيرة علي الارتجال تأتي دونما سابق تجهيز أو تدريب. ومن المعروف ان التلقائية والارتجال تصنع جسرا بين المؤدي والجمهور يؤدي الي نجاح المنشد, فالانشاد حالة وجد بالدرجة الأولي, وعندما يكون الأداء بعيدا عن التجهيز, يعطي مساحة من الصدق, والفطرية مطلوبة في هذا النوع من الفنون. القاهرة كان من الطبيعي أن ينظر الشوبكي مع أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات الي القاهرة, فالرجل لا ينقصه شيء, كما أنه يستطيع ان يسد فراغا بدأ في الظهور بعد اعتزال أو وفاة عدد كبير من الرواد, في حين أن الأجيال الجديدة, ومنها جيله, أصبحت أقل اهتماما بالفن الشعبي عامة, والمديح خاصة, ومن هنا جاء انتقاله الي القاهرة في هذه الفترة المهمة من حياته. ولم يكن الطريق ممهدا أمام المداح الفلاح القادم من الشرقية, فقد تعب كثيرا حتي استطاع أن يجد له مكانا ثابتا. ومن طبيعة الحال أن يبحث الشوبكي عن هذا المكان في الحي الأعرق, والأكثر ارتباطا بأجواء المديح, حي الحسين, وبعد تعب ومشقة, ارتبط بالمديح في مقهي تدعي مقهي الدراويش في الحسين, القريبة من الضريح, ومنه بدأ الشيخ الشوبكي في الارتباط بنوعية معينة من الجمهور, كانت تأتي للاستماع إليه في المقهي المذكور, وكان واحدا من هؤلاء السمعية هو شوقي جمعة. التليفزيون كان شوقي مخرجا بالتليفزيون, لكنه لم يكن أي مخرج كان له برنامج ثابت بالقناة5 التي هي القناة الأولي, هو برنامج الفن الشعبي, وهو البرنامج الذي استمر45 عاما كاملة يغذي الأذن المصرية بفنون المديح والموال والقوالة والقصة الشعبية, حتي توقف عام2005, في اطار خطة تطوير التليفزيون. المهم أن شوقي جمعة اكتشف الشوبكي, وعرض عليه التسجيل في البرنامج, وهكذا حتي أصبحت فقرته شبه رئيسية في البرنامج, وكان منطقيا أن يتم اعتماد الشوبكي في الاذاعة والتليفزيون, ومن خلال البرنامج تعرف الشوبكي علي أساتذة الفن الشعبي, وتعرفوا عليه. وهنا نفتح قوسا لنشير إلي أن أساتذة الأدب الشعبي بجامعة القاهرة كانوا ثلاثة: الدكتورة نبيلة هانم ابراهيم, والدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي, والدكتور أحمد علي مرسي, كان لكاتب هذه السطور شرف التلمذة علي أيديهم جميعا. ورغم اختلاف مدارسهم فإن الشيخ الشوبكي كان يتميز بأنه المداح المفضل لهم, ربما لما يمثله من منجم للارتجال والفن التلقائي, والذاكرة الكبيرة المتسعة لكثير من التراث الشعبي, مديحا وموالا. وكان من اهتمام الدكتور أحمد علي مرسي به أن قام بتسجيل قصة حياته علي مدي ساعتين عرضتها القناة الأولي بالتليفزيون المصري, استعرض خلالها قدرته الكبيرة علي الأداء. ورغم تقدم السنوات بالشيخ فقد بقي ارتباطه بالتليفزيون, حتي انه أصبح المداح الأول الذي يرتبط بقناة فضائية, وذلك عندما تعاقد مع احدي القنوات قبل عشر سنوات لتقديم برنامج خاص بالمدائح والفن الشعبي, كانت تقدمه الفنانة سهير المرشدي, ولكن لسوء حظه, أو حظنا لم يكن الستالايت قد انتشر في البيوت المصرية وقتها. وقد اهتم محمد الشوبكي اهتماما بالغا بتسجيل انتاجه علي شرائط كاسيت, وذلك لحفظها, وبلغت شرائطه حوالي35 شريط كاسيت, تحتل موقعا بارزا في محلات الكاسيت بالحسين والعتبة, لكن يبقي أهم هذا الانتاج سلسلة تحمل اسم الشوبكي مداح النبي, حيث تنوع إنتاج الشيخ بين المديح والموال والفن الشعبي, لكنه أصر علي أن يبقي المديح منفصلا ومستقلا عن غيره من الفنون: حيث أنه يري في الأمر جانبا دينيا بالاضافة الي الجانب الفني. وكان الفنان محمد الشوبكي يغني من كلمات كتاب أغان وألحان ملحنين آخرين في بداية مشواره فقط, ولكن بعد أن نضج فنيا, وأصبح له اسم, وجد ان بعض الكتاب قد يعطون القصة أو الموال لأكثر من فنان. والجميع يؤدونها مع تغيير بسيط في أسماء الأبطال( أبطال القصة) فبدأ بكتابة وتلحين كل ما يغنيه من قصص ومواويل وأغان.