التعليم لا يطلب لذاته, خاصة في المجتمعات الساعية للنمو, هكذا اكتشفت أمم عديدة قبلنا وراحت توجه منظومة التعليم باتجاه التنمية, الولاياتالمتحدة فعلت هذا وسويسرا وكذلك المانيا قلعة الصناعة بل والصين, العملاق الاقتصادي الجامح, ولعلنا مازلنا نذكر التجربة اليابانية والتي من فرط تكريس التعليم للتنمية صارت نموذجا تسعي الولايات المتحدةالأمريكية للاقتداء به, وفق دراسات امريكية منشورة ومعلنة. ولعل القارئ المتابع يذكر أنني في مقال سابق هنا علي صفحات الاهرام المسائي الثلاثاء2009/8/4 البطالة.. الدعم.. التعليم: من يفك الاشتباك ؟! أشرت الي تجربتين نهضويتين في دولتين من دول العالم الأول, سويسرا والولاياتالمتحدةالأمريكية, قلت فيها نصا: في مقال مهم للدكتور سيد دسوقي حسن هندسة الطيران والفضاء, جامعة القاهرة نشر عام2001 يستعرض فيه اهمية اعادة النظر في منظومة التعليم نقرأ في ختامه, في الثمانينات كنت في زيارة لسويسرا, وكان في انتظاري في المطار أخي الأكبر العلامة محمد منصور عميد كلية الهندسة الإلكترونية بجامعة زيوريخ(IETH), دار حديث حول التعليم, أخبرني منصور بهيكلية الأعداد في التعليم السويسري, قال: يدخل إلي التعليم كل الأطفال, وبعد المرحلة الابتدائية والإعدادية يتوجه90% للتعليم الحرفي, بينما يتوجه10% للتعليم الثانوي. وبعد الثانوية العامة يتوجه قليل من ال10% للتعليم الجامعي بينما يتوجه الباقون التعليم الفني. والتعليم هناك من أوله حتي نهايته مرتبط بمنظومة الأعمال التي نشأت عن منظومة التنمية في سويسرا. ولكن في مصر يريد الناس أن يحشروا أبناءهم في الجامعة; ليخرجوا منها إلي الشارع يبحثون إن كانت مؤهلاتهم تصلح لشيء مما هو مطلوب, بينما المهن والحرف التي ينبغي أن يتجه إليها أكثر من90% لا تجد من يعملها ولا من يقبل عليها. وذكرت تجربة اخري علي الضفة الأخري من المحيط وتحديدا في الولاياتالمتحدةالأمريكية حين صدر تقرير فيدرالي في أبريل1983 بعنوان' أمة في خطرAnationAtRisk?, أعدته لجنة تم تشكيلها في اغسطس1981, أقر بأن' الأسس التعليمية لمجتمعنا المجتمع الأمريكي تتآكل بسبب تراجع الجودة مما يهدد مستقبلنا كدولة وكشعب', مقارنة بمستوي جودة التعليم في اوروبا, ولعل أهم ما حققه تقرير' أمة في خطر', هو وضع جودة التعليم علي الأجندة السياسية الوطنية. فقد عرفت السنوات التالية للتقرير سلسلة من المشاريع والبرامج الهادفة إلي تحسين جودة المدارس الأمريكية, وأكد التقرير علي إن جودة التعليم مرتبطة مباشرة بالتنافسية الاقتصادية, علي الطريقة التي ينظر بها الأمريكيون إلي التعليم, ولم يكتف الأمريكيون بهذا بل شكلوا لجنة أخري بعد مرور عشرون عاما علي ذلك التقرير لتقييم ودراسة ما تم تنفيذه من توصياته, واعادوا تقييم المعايير التعليمية بما يتفق وحاجات المجتمع الامريكي واشتداد التنافسية في مواجهة الاتحاد الأوروبي والتنين الصيني وقبله اليابان ودول جنوب شرق اسيا, وهو ما تكرر ثانية بعد احداث11 سبتمبر في ضوء المتغيرات الحادة التي شملت العالم بأسره. وفي ظني أن الحل يبدأ عند التعليم الفني بعيدا عن التقارير الوردية المفارقة للواقع والتي يحفل بها الموقع الالكتروني لوزارة التربية والتعليم علي شبكة الانترنت عن التعليم الفني, والتي يبدو أنها ترصد واقعا آخر غير الذي نعيشه, فالواقع يقول بأن مدارس التعليم الفني اضحت بؤرا لتخريج العاطلين غير المؤهلين لسد احتياجات السوق المتعطش للعمالة الفنية المؤهلة نظريا وعمليا وطالبت بأن يتوازي هذا مع وقف الزحف علي التعليم العام بطريقة عملية من خلال حملات اعلامية مدروسة ومكثفة تتسم بالمكاشفة والشفافية, وإذا نجحنا في هذا يمكن أن نفك الاشتباك بين البطالة والدعم معا, فعندما ينجح التعليم في توفير الأيدي العاملة المؤهلة والمدربة بالتنسيق مع الغرف الصناعية وقطاع الاستثمار تتسع دائرة الإنتاج وبالتالي ترتفع دخول الأفراد فتضيق الفجوة بين الدخول والاسعار, ويتراجع بالتالي اعتمادنا علي الدعم كواحدة من وسائل سد هذه الفجوة, ونضع اقدامنا علي طريق التنمية الذي ليس بغيره يتقدم الوطن, فمن يبادر بفض الإشتباك؟.. الكرة في ملعب وزارة التعليم ومنظومة الصناعة وآليات الإعلام. ومن المؤشرات الإيجابية أن تأتي تصريحات معالي الدكتور وزير التعليم في اليوم الاول لتوليه مهام الوزارة الثلاثاء5 يناير2010 مؤكدة لما طالبت به بحتمية مراجعة منظومة التعليم الفني بجملتها, وقد يكون من المفيد أن اعيد علي مسامعه ما اقترحته في هذا الصدد في ضوء سعيه الجاد لتفعيل الإصلاح, كما أوردته قبلا هنا, الثلاثاء2009/8/11 التعليم الفني.. بوابة الإنقاذ!!, مفترحا: انشاء وزارة للتعليم الفني, أو اسنادها إلي وزارة الاستثمار والصناعة, أو انشاء آلية لتفعيل التعاون بين وزارات التعليم والصناعة والاستثمار والتجارة تتبع رئيس الوزراء. تحويل المدارس الفنية بمختلف توجهاتها التجاري والزراعي والصناعي إلي وحدات انتاجية كما كانت قبل تجارب التطوير والتحديث الهلامية وربما المستوردة, ودراسة التعاون مع المصانع الصغري والمتوسطة والكبري في مجال التدريب الصيفي بها. الاتفاق مع الكيانات الصناعية الكبري بانشاء مراكز تدريب لتأهيل العمالة لتغطية احتياجاتها وضخ الفائض للسوق. الافادة من تجربة مشروع( مبارك كول) وتجربة معهد الساليزيان( دون بوسكو) بحي روض الفرج بالقاهرة, بالتعاون مع الحكومة الإيطالية, باعتبارهما تجربتان ناجحتان ولهما تأثيرهما الإيجابي والمبشر في مجال التعليم الفني. بقي ان تجد سطوري هذه متسعا علي مكتب وزير التعليم لدراستها كأحد المداخل لإصلاح التعليم باتجاه التواصل مع حاجيات المجتمع, فالتعليم لم يعد ترفا, في عالم يؤسس نهضته ويحقق تقدمه علي العلم. عرفت السنوات التالية للتقرير سلسلة من المشاريع والبرامج الهادفة إلي تحسين جودة المدارس الأمريكية, وأكد التقرير علي إن جودة التعليم مرتبطة مباشرة بالتنافسية الاقتصادية.الاتفاق مع الكيانات الصناعية الكبري بانشاء مراكز تدريب لتأهيل العمالة لتغطية احتياجاتها وضخ الفائض للسوق. [email protected]