صدق أو لا تصدق, رغم كل ما يقال عن تداعيات الأزمة المالية العالمية بالنسبة لاقتصاديات المنطقة العربية والشعوب العربية عامة, ورغم كل مايقال عن حتمية عودة الاستثمارات العربية. التي تصل قيمتها إلي أربعة عشر تريليون دولار وفق تقديرات اتحاد رجال الاعمال العرب.. رغم كل هذا فان جانبا لافتا من الأموال العربية في الخارج لا يستثمر في قطاعات صناعية أو زراعية أو حتي في المضاربة في الأسهم والسندات أو الذهب وإنما في أندية كرة قدم عالمية كبري, يأتي ذلك فيما العالم العربي مازال يشكل واحدا من أكبر معاقل الفقر والجهل والمرض والجوع في العالم. كرة القدم الأوروبية فقد أفاد تقرير أعدته مجموعة الأعمال الرياضية العاملة لحساب مؤسسة ديلويت المحاسبية العالمية أن استثمارات صناديق الثروات السيادية وغيرها من الصناديق الاستثمارية الخاصة بدول في منطقة الشرق الأوسط في أندية كرة القدم الأوروبية أسفرت عن تحقيق هذه الأندية لمستويات قياسية, من العائدات. وقد أكد التقرير السنوي للمؤسسة ارتفاع مجموع عائدات أهم20 نادي كرة قدم بنسبة3% سنويا خلال موسم2011/2010, لتتخطي هذه العائدات عتبة الستة مليارات دولار وذلك بفضل عوامل عديدة في مقدمتها الاستثمارات العربية. ومن بين النوادي العشرين المدرجة في التقرير المالي الذي اعدته مؤسسة ديليوت, فإن خمسة أندية قد استفادت من اتفاقات رعاية قميص الفريق التي أبرمت مع مؤسسات وشركات في الشرق الأوسط. ومن بين هذه الأندية نادي فريق برشلونة, حيث أن صفقة الرعاية التجارية المبرمة بين نادي برشلونة ومؤسسة قطر, والتي تقضي بأن يحمل قميص النادي اسم المؤسسة وهي الأولي في تاريخ هذا النادي وقد بلغت قيمتها40 مليون دولار في الموسم الواحد. وساهمت هذه الصفقة في نمو إيرادات النادي بنسبة13% خلال موسم2011/2010 لتتجاوز عتبة ال650 مليون دولار للمرة الأولي, مما يقلص الفارق مع نادي ريال مدريد الذي حافظ علي صدارته في تقرير ديلويت المالي لإيرادات أندية كرة القدم للموسم السابع علي التوالي. وفي تعليق له في بداية موسم كرة القدم2013/2012 في أوروبا, وقال دان جونز, الشريك المسئول عن مجموعة الأعمال الرياضية في ديلويت في هذا الصدد يبرهن النمو المستمر الذي سجلته عائدات الأندية العشرين الكبري في عالم كرة القدم صلابة هذه الأندية, لا سيما في الظروف الاقتصادية الصعبة الراهنة. اتفاق مانشستر وسيساهم اتفاق مانشستر سيتي بشأن حقوق التسمية لمدة عشر سنوات مع طيران الإمارات, والمقدرة قيمته نحو600 مليون دولار, في رفع مكانة هذا الفريق باضطراد في التقارير المالية للسنوات المقبلة. ويستطرد جونز قائلا من غير المفاجئ أن نري مؤسسات وشركات الشرق الأوسط, التي تسعي الي ترويج اسمها علي المستوي العالمي, تتجه اكثر فأكثر الي اختيار كرة القدم كوسيلة لتحقيق هذا الامر. فالشعبية العالمية لكرة القدم, والشغف الكبير بها توفر فرصة هائلة للقيام بذلك, وخصوصا في البطولات الأوروبية الكبري لناحية العرض الواسع للماركات والمنتجات. ومع نضال الاقتصاديات الأوروبية للصمود في مواجهة ضغوط الركود الاقتصادي, والتي قد تطرح تحديات محلية تواجه المساعي الرامية الي تأمين الرعاية والاستثمار, تبرز شهية الأندية الأوروبية والشركات الشرق أوسطية علي حد سواء لبناء شراكات جديدة. وقد سلط موسم2012/2011 الضوء علي تأثير الاستثمارات الشرق أوسطية علي أندية كرة القدم الأوروبية, مع المنافسة الشرسة علي لقب الدوري في كل من بريطانيا وفرنسا من قبل أندية برعاية شرق أوسطية. ففي الدوري الفرنسي, كاد باريس سان جرمان, المملوك من هيئة الاستثمار القطرية, أن ينجح في انتزاع اللقب من مونبيلييه. أما الدوري الإنجليزي, فقد شهد يوما دراماتيكيا في البطولة, حيث نجح مانشستر سيتي, الذي يملكه الشيخ منصور من الإمارات العربية المتحدة, في انتزاع لقب الدوري لأول مرة منذ عام1968, من أمام غريمهم التقليدي وجارهم مانشستر يونايتد, بفارق الأهداف. أسواق اللاعبين وفي حين تركزت أهم استثمارات المالكين الشرق أوسطيين في السنوات الأخيرة في سوق انتقالات اللاعبين مع انفاق مانشستر سيتي أكثر من700 مليون دولار كرسوم الانتقالات منذ شرائه من قبل الشيخ منصور, ومع تصدر باريس سان جرمان لائحة الانفاق لهذا الصيف حتي الآن, إلا أن هناك استثمارات كبيرة توظف أيضا في البني التحتية والمرافق المادية في مانشستر, بالاضافة الي مخططات لبناء استاد في باريس. ولم يتوقف الاهتمام بكرة القدم الأوروبية عند مالكي الأندية ورعاتها فحسب, فقد وسعت قناة الجزيرة أخيرا باقة حقوق النقل التي تلمكها لتشمل المزيد من الحقوق في كرة القدم الأوروبية. وقد أشار مارك روبرتس, المدير المسئول في مجموعة الأعمال الرياضية في ديلويت يشهد الإقبال علي كرة القدم في أوروبا ارتفاعا متزايدا, واحدث الأمثلة علي ذلك شراء عائلة الحساوي نادي نوتنجهام فوريست. ومع استضافة الشرق الأوسط لأول بطولة كأس العالم في كرة القدم خلال العام2022, نتوقع أن نشهد المزيد من الاستثمارات الشرق أوسطية في أندية كرة القدم وبطولاتها ومرافقها المحلية بالإضافة إلي الاستثمار المتواصل في كرة القدم الأوروبية. لمسات سحرية قد يكون من قبيل المفارقة ان عجزت بطولة كأس الأمم الأوروبية الأخيرة عن أن تقدم إجابة قاطعة علي هكذا تساؤل.. ولكن كيف؟ ففي أوكرانيا تغنت الحكومة آلاء الليل وأطراف النهار بالمكاسب الاقتصادية التي ستحققها الدولة من وراء استضافتها لنصف فعاليات هذه البطولة المشهودة. فمن المتوقع حسب التقديرات الرسمية ان تدر تلك البطولة علي قطاع السياحة المحلي عائدات قد تصل قيمتها إلي مليار ونصف المليار دولار. كما أنه من المتوقع رسميا أيضا ان ينمو هذا القطاع الاقتصادي الحيوي بنسبة عشرين في المائة تقريبا وفي بولندا التي استضافت النصف الثاني من البطولة فان الدولة تتوقع مكاسب قد تصل قيمتها المباشرة إلي مائتي مليون دولار. لكن في المقابل هناك وجهة نظر أخري تبدو صادمة تحذر من أن الدولتين المستضيفتين لهذه البطولة قد لا تحققان اي مكاسب اقتصادية تذكر بل علي العكس من ذلك قد تتكبدان خسائر تتراوح قيمتها بين سبعة وثمانية مليارات دولار. فقد انفقت اوكرانيا علي مرافق هذه البطولة ثلاثة عشر مليار دولار وهو ما يعادل قيمة الديون المستحقة علي الدولة الأوكرانية. ومن المستبعد ان تعوض البلاد هذه المبلغ الطائل بعدم فاعلية الحملة الدعائية لبطولة كأس أوروبا.. أو هكذا يقول الفريق المتشائم. أما بولندا فقد أنفقت عشرين مليار دولار علي منشآتها, ومع ذلك فانه إذا حتي حققت مبلغ مائتي مليون دولار حسبما يقال فان الجزء الأكبر من هذا الربح ذهب علي الأرجح إلي جيوب الاتحادين الوطني والأوروبي لكرة القدم. أكثر من ذلك يقول لنا التاريخ ان اليابان التي استضافت كأس العالم في عام ألفين واثنين عجزت عن تعويض المبالغ الطائلة التي انفقتها علي البطولة لأن كلفة صيانة الملاعب الرياضية الجديدة تصل الي ستة ملايين دولار سنويا. كما سيذكر التاريخ ايضا ان بداية انهيار الاقتصاد اليوناني كانت في تنظيم البلاد لدورة الالعاب الأوليمبية في عام ألفين وأربعة إذ انفق اليونانيون احد عشر مليار دولار علي هذه الاوليمبياد ولم تحقق سوي ملياري دولار. هذا كله دفع الي الاعتقاد بانه اذا ارادت أي دولة تحقيق مكاسب من تنظيم بطولة رياضية فان العبرة ليست فقط بشهرة البطولة او بالاموال التي ستنفق عليها, وإنما العبرة كل العبرة بوضع استراتيجية شاملة تضمن تحقيق عائد اقتصادي وسياسي واجتماعي وانساني علي استثماراتها في هذه النوعية من البطولات. الاستثمارات العربية من الخارج ولكن ماذا عن دالاستثمارات العربية في الخارج؟ قدر اتحاد رجال الأعمال العرب, حجم الإستثمارات العربية في الخارج بنحو14 تريليون دولار. وأوضح الاتحاد أنه في الوقت الذي يتزايد فيه حجم الاستثمارات العربية في الخارج فان الرصيد التراكمي للاستثمارات العربية البينية خلال السنوات الثماني الماضية لم يتعد30 مليار دولار يضاف إليها حصة البلدان العربية في الاستثمارات الأجنبية بالوطن العربي والتي لم تتعد هي الأخري نسبة3% من إجمالي التدفقات العالمية التي بلغت قيمتها سنة2006 نحو1.2 تريليون دولار, واعتبر الاتحاد أن تراكم الاستثمارات العربية بالخارج علي هذا النحو يحتم ضرورة أن يكون العرب طرفا في صياغة نظام مالي عالمي جديد بعد عاصفة الأسواق المالية العالمية من خلال طرح أدوات مالية تسهم بإعادة المال العربي المستثمر في الخارج إلي الوطن العربي. يأتي ذلك فيما تسببت الاضطرابات المصاحبة لأحداث الربيع العربي في عدد من البلدان العربية, في تراجع قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد للمنطقة العربية خلال العام الماضي بنسبة37.5% بالمقارنة لما كان عليه بالعام الأسبق, وأنخفض النصيب النسبي العربي من العالم إلي2.7% مقابل5%. وشمل تراجع قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلي المنطقة العربية13 دولة عربية, هي: السعودية ومصر وقطر وليبيا ولبنان والسودان والأردن وتونس وسوريا وسلطنة عمان والصومال وموريتانيا, بينما شهدت تسع دول زيادة في قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إليها هي: الإمارات العربية والجزائر والمغرب والعراق والبحرين والكويت والسلطة الفلسطينية وجيبوتي وجزر القمر. الاستثمار في الدول العربية وبلغت قيمة الاستثمارات الاجنبية المباشرة الواردة عربيا40.7 مليار دولار مقابل65.1 مليار بالعام الاسبق, بنقص34.4 مليار دولار نصفها يخص السعودية بنصيب16.4 مليار دولار تليها الإمارات العربية بنحو7.7 مليار دولار, ولبنان3.2 مليار والجزائر3.6 مليار والمغرب2.5 مليار لتستحوذ الدول الخمس علي نسبة77% من اجمالي الاستثمارات الواردة إلي العالم العربي. وتدني نصيب دول عربية أخري ليصل الي الصفر في ليبيا نتيجة أحداث الثورة الليبية وإلي سبعة ملايين دولار في جزر القمر, و45 مليونا في موريتانيا و102 مليون بالصومال و214 مليونا لدي السلطة الفلسطينية و399 مليونا بالكويت. وتتعدد مكونات الاستثمار الأجنبي المباشر ما بين مشروعات جيدة يتم تأسيسها, ومشتريات من خلال البورصات بنسبة تزيد علي العشرة بالمائة من أسهم الشركات, واستحواذات علي الشركات القائمة, وتمثل المشروعات الجديدة الأولوية المفضلة عربيا لما تحققه من زيادة للقدرات الإنتاجية ولفرص العمل, وبعكس الاستحواذات التي تمثل تغييرا لنمط الملكية فقط. وبالنظر إلي قيمة المشروعات التأسيسية من إجمالي قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلي الدول العربية, يلاحظ تدني قيمته الي28 مليون دولار من إجمالي مليار ونصف في تونس, وبلوغه84 مليون دولار من إجمالي نحو المليارين بالسودان و247 مليون دولار بالمغرب من إجمالي مليارين ونصف المليار دولار. وعلي الجانب الآخر بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من الدول العربية خلال العام الماضي27.7 مليار دولار, كان أكثرها من الكويت بنحو8.7 مليار دولار تليها قطر بنحو6 مليارات دولار, فالسعودية3.4 مليار دولار والإمارات2.2 مليار ولبنان900 مليون دولار, لتستحوذ الدول الخمس علي نسبة86% من إجمالي الاستثمارات العربية الخارجة إلي دول العالم. وشهد الميزان الاستثماري المباشر عربيا والذي يقارن بين قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل والخارج, اتجاها إيجابيا في16 دولة عربية نتيجة زيادة قيمة الاستثمار الداخل إليها عن قيمة الاستثمار الخارج منها, بينما كانت الصورة سلبية في ست دول عربية هي: الكويت وقطر والبحرين ومصر واليمن وليبيا. وإذا كانت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة الي العالم العربي قد انخفضت بنسبة37.5% ما بين العامين الماضي والأسبق, فقد أخد الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي اتجاها تصاعديا خلال العام الماضي بنسبة16.5%, ليصل إلي تريليون و524 مليار دولار بزيادة215 مليار دولار عن العام الأسبق, وشمل نمو القيمة كل مناطق العالم عدا تراجعها بالقارة الإفريقية. وتضمن التوزيع النسبي للاستثمار الوارد لمناطق العالم استحواذ القارة الأوروبية علي النصيب الأكبر بنسبة28%, واقتربت القارة الآسيوية من تلك النسبة بفارق ملياري دولار فقط, وبلغ نصيب دول أمريكا الشمالية الثلاثة18%, ودول أمريكا اللاتينية والكاريبي وأمريكا الجنوبية14%, والدول المتحولة في منطقة الكومنولت الروسي وجنوب شرق أوروبا6% وفي المؤخرة القارة الإفريقية بأقل من3% من العالم. وكالمعتاد تصدرت الولاياتالمتحدة دول العالم في الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد, بنحو227 مليار دولار تمثل نسبة15% من الإجمالي العالمي تليها الصين بنسبة8% ثم بلجيكا وهونج كونج والبرازيل, ليصل نصيب الدول الخمس إلي39% من الإجمالي الدولي, وبإضافة سنغافورة وإنجلترا وجزر فرجن البريطانية وروسيا وأستراليا يصل نصيب الدول العشر الأوائل إلي56% من الإجمالي العالمي. وإذا كانت السعودية صاحبة النصيب الأكبر عربيا في الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد بنحو16 مليارا دولار, قد احتلت المركز الثاني والعشرين بين دول العالم خلال العام الماضي, فقد جاءت إندونيسيا كأكبر دولة إسلامية في الاستثمار الوارد بالمركز الثامن عشر عالميا بنصيب19 مليار دولار, وتركيا بالمركز الثالث والعشرين بنحو16 مليارا وكازاخستان13 مليارا وماليزيا12 مليار دولار.