والتصدي لتأويل الآيات القرآنية لا يترك فقط لعلماء الدين والفقه والشريعة, وانما اكتمال معارفهم الموسوعية بالنقد والفلسفة والكلام والتاريخ والاجتماع وغيرها من العلوم الوضعية والنظرية أيضا وجوبي للتصدي لنصوص علي هذا القدر من الاعجاز والبلاغ والبيان خرجت علينا العديد من الفتاوي من بعض السلفيين تدعو إلي عدم جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم, تصدت لها فتاوي أخري من أزهريين بجواز هذا, وكأن الموضوع يحتاج إلي فتوي من الأساس, وما هي في نظري إلا محاولة مزدوجة لاقحام الدين في كل مناحي الحياة وتحويل مصر منهجيا من التشريع إلي الفتوي. ويبدو لي أن بعض السلفيين مصابون بعقدة الدين الخاتم, بمعني نهاية التاريخ, بل وإعادته إلي لحظة الوحي, ورغم أنهم بالتأكيد أقل معرفة ودراية من ماركس وفوكوياما, إلا أنهم ربما يشاركونهما ذلك الشطط الفكري باعتقادهم هذا, لان التاريخ لا ينتهي إلا حين ينتهي, ومن ظن غير هذا فسوف يتجاوزه التاريخ كما تجاوز كل من سبقه, وهم بتكفيرهم لكل من هم ليسوا علي شاكلتهم يرتكبون ذات الاثم في الاقصاء والاستبعاد وأدلجة التاريخ وبرمجته علي نسق يبدو لهم أنهم خبروه وما هم بخابرين. وليتهم أدركوا لحظة الوحي وزمنه ادراكا جيدا, وإلا لعرفوا أن الله وحده هو الذي يحكم ويفصل في إيمان البشر, ومن حكم عليهم دونه بالإيمان أو بالكفر وهو يعتقد أنه يدافع عن الله ودينه يكفر من حيث لا يدري, لأنه يشرك بالله مع نفسه, ويضع نفسه في مقامه تعالي, سبحانه عن كل مقام. وإن عكس هذا شيئا فهو يعكس خللا معرفيا كبيرا وقصورا في الفكر والإدراك, فمن أراد المعرفة, عليه أن يطرق كل دروبها, أما من طرق سبيلا واحدا فهو أقرب للببغاوات منه للعارفين, يردد ما يرددون بلا فهم حقيقي أو ادراك نسقي. هناك بلاشك نصوص تتعرض للتكفير بالقرآن, ولكنها في أغلبها لا تتناول كفرا بالله, وانما الكفر بمعتقد ما, بمعني أنه لا يعتقد واحد ما يعتقده الآخر, وبالمثل فهذا الآخر لا يعتقد بما يعتقده أحدهم, وقد نهانا الله سبحانه وتعالي عن أن نقول لمن يرمون علينا السلام لستم مؤمنين, لأن الإيمان بالله موجود في كل العقائد يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا, فعند الله مغانم كثيرة, كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا( النساء94). ويستعين البعض علي التكفير بأن الدين عند الله الإسلام, والإسلام هو ديانة كل الأنبياء من إبراهيم إلي عيسي عليهم السلام, ومعناه التسليم لله, وليس معناه وجوب إسلام الكل حتي لا يصبحوا كافرين, والآيات التي تطمئن كل أمة علي ملتها ومعتقدها تتعدد بالقرآن الكريم وتري كل أمة جاثية, كل أمة تدعي إلي كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون( الجاثية28), وكذا, إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون( البقرة62), وكذا, ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب, من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا, ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثي وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا( النساء124), وكذا, إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون, أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون. والتصدي لتأويل الآيات القرآنية لا يترك فقط لعلماء الدين والفقه والشريعة, وانما اكتمال معارفهم الموسوعية بالنقد والفلسفة والكلام والتاريخ والاجتماع وغيرها من العلوم الوضعية والنظرية أيضا وجوبي للتصدي لنصوص علي هذا القدر من الاعجاز والبلاغ والبيان, وانظر ماذا قال الله سبحانه وتعالي عن التأويل, هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب( آل عمران,7) وقد وصفها الله سبحانه وتعالي بالمتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم, بل وبعض المفسرين قالوا ان الواو بين لفظ الجلالة الله والراسخون هي ليست بواو عطف, وانما واو استئناف, بمعني وقف تأويلها علي الله فقط, وانظر لعظمة تلك الآية, فهي ذاتها تشابهت وأعضلت المفسرين, بواو العطف وواو الاستئناف, وما هي الفتنة, ومن هم الذين في قلوبهم زيغ, ومن هم الراسخون في العلم, ومن هم أولو الألباب, وكأن الله يعطي درسا لكل المفسرين في التعامل مع التأويل بحرص وروية, ثم يقول سبحانه كل من عند ربنا والذين آمنوا عليهم أخذه كله, وأخذه كله بمتشابهه قد تكون دعوة أخري لعدم تأويله بغية الفتنة والزيغ, كل تلك العظمة في عمق تركيب النصوص القرآنية, ثم يخرج علينا البعض بعدم تهنئة الأقباط الا يستحون.