انه نموذج للمواطن الذي عاش حياته كما يريد, عاشها بالطول والعرض والارتفاع, وترك بصمته بارزة في كل مجال ومكان, حتي لو كانت بصمة وحيدة, جلبت له أقل المكاسب. محمد فرحات عمر, الشهير ب الدكتور شديد, تلك الشخصيةالتي ظهرت لأول مرة علي مسرح الأزبكية1956, عندما كانت فرقة ساعة لقلبك تقدم اسكتشاتها, واخترع عبد الفتاح السيد مؤلف الاسكتشات شخصية لطبيب بيطري, لا يشعر بما يدور حوله, ويعلق علي أي شيء بأنه: وماله يا اخويا, وهو لا يعرف إن كانت المباراة التي يشاهدها قد بدأت أم لا, بل انه لا يعرف انه تعشي أم لا يزال جائعا. وكانت فرقة ساعة لقلبك في ذلك الوقت من أحب مقدمي الكوميديا لقلب الجمهور, ومن خلال اسكتشاتهم نجح نجوم بعضهم مازال يعيش حتي الآن علي حساب نجوميته في تلك الفرقة العجيبة, ونذكر منهم الفنانة خيرية أحمد صاحبة الجملة الشهيرة: إيه يا محمود؟ انت نمت يا حبيبي؟ أحب الجمهور فرحات في زي شخصية الدكتور شديد, وربما لم يتخيله خارجها, فتم استنزافها في العديد والعديد من الأفلام ربما كان أبرزها حماتي ملاك(1959, إخراج عيسي كرامة), ولأنه لم يكن معقولا ان تستمر الشخصية إلي ما لا نهاية, فقد هجر الدكتور شديد السينما, ولم يكن هذا يمثل له مشكلة. ففي الوقت الذي كان فرحات في كل مدن مصر يقدم حفلات أضواء واسكتشات ساعة لقلبك كان يحضر رسالة الماجستير في الفلسفة, بناء علي نصيحة قديمة من الفنان حسين رياض, وهي الشهادة التي لا يمكن التشكيك في نزاهتها وقيمتها, باعتبار أن مشرفه عليها كان الدكتور زكي نجيب محمود شخصيا, ثم حصل علي الدكتوراه عام1968. كما أن هذه الشهادة أهلته إلي مركزين لا مجال فيهما لشبهة مجاملة, وهما العمل بهيئة الإذاعة البريطانية بلندن في الفترة من1968 وحتي1977. وقبلها كان يعمل عضوا بلجنة النشر في الهيئة العامة المصرية للكتاب مسئولا عن كتب الفلسفة, كما أن له كتابا عن فن المسرح. وفوق كل هذا فقد اهتم الدكتور شديد بلعبة الشطرنج حتي انه مثل نادي الزمالك في عدد من البطولات الرسمية. بعد عودته من لندن عاش الدكتور شديد أيامه الأخيرة بمنتهي المزاج, لم يكن له شقة بالقاهرة, ولم يكن يريد, كان يحب الزمالك( ناديا ومنطقة) ويقيم ببنسيون بها, ويخرج ليجلس بالمريوت, يشرب القهوة, ويقرأ ويكتب, وفي أخريات أيامه اهتم بالسياسة, وبدأ يكتب المقالات الصحفية لعدة جرائد خارجية, كما انه اشترك في بعض الأعمال الفنية من باب الحنين للتمثيل الذي أحبه صغيرا. في9 يوليو1997, يمرض الدكتور شديد مرضا خفيفا, وكان عمره وقتها66 عاما, ورغم صغر سنه وبساطة مرضه, فإنه لم يتحمل ورحل بعدها بثلاثة أيام في مثل هذا اليوم من14 عاما, وربنا يرحم الجميع.