متحدث الحكومة: المرحلة العاجلة من تطوير جزيرة الوراق تشمل تنفيذ 50 برجا سكنيا    أسعار البصل الأحمر اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024 في سوق العبور    مسئول فلسطيني: حالة نزوح كبيرة للمدنيين بعد سيطرة الاحتلال على معبر رفح    بتسديدة صاروخية.. عمر كمال يفتتح أهدافه بقميص الأهلي    "جلب السيطرة والقيادة والقوة لنا".. سام مرسي يحصد جائزة أفضل لاعب في إبسويتش    عاجل| أول تعليق لشقيق ضحية عصام صاصا: "أخويا اتمسح به الأسفلت"    إليسا تحتفل بطرح ألبومها الجديد بعد عدد من التأجيلات: الألبوم يخص كل معجب أنتظره بصبر    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    رئيس جامعة المنوفية يهنئ الأقباط بعيد القيامة المجيد    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    رئيس وزراء فرنسا يعرب مجددًا عن "قلق" بلاده إزاء الهجوم الإسرائيلي على رفح    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    خالد الجندي يوضح مفهوم الحكمة من القرآن الكريم (فيديو)    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    وزير الدفاع يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    خطة الزمالك لتأمين شبابه من «كباري» الأهلي (خاص)    مواعيد منافسات دور ال32 لدوري مراكز الشباب    «مهرجان التذوق».. مسابقة للطهي بين شيفات «الحلو والحادق» في الإسكندرية    كيف يمكنك ترشيد استهلاك المياه في المنزل؟.. 8 نصائح ضرورية احرص عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    «الأعلى للطرق الصوفية» يدين هجمات الاحتلال الإسرائيلي على رفح الفلسطينية    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بقرى الرواتب والحسينات وبخانس بأبوتشت    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس لتحلية المياه بشرم الشيخ    وزير الصحة يؤكد أهمية نشر فكر الجودة وصقل مهارات العاملين بالمجال    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    سب والدته.. المشدد 10 سنوات للمتهم بقتل شقيقه في القليوبية    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    للأمهات.. أخطاء تجنبي فعلها إذا تعرض طفلك لحروق الجلد    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    إيرادات «السرب» تتجاوز 16 مليون جنيه خلال 6 أيام في دور العرض    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليوم السابع ينشر فصلاً من أول كتاب عن أحمد رجب
نشر في اليوم السابع يوم 03 - 04 - 2011

لقلمه بريق خاص يجذب كل من يطالع سطوره من أول وهلة، فيظل مشدوداً إليها، حريصاً على مطالعتها فى كلمة مرة يطالع فيها الصفحة الثانية من جريدة الأخبار، أنه الساخر الكبير أحمد رجب الذى ننشر فى السطور التالية فصلاً من كتاب صدر حديثاً عنه تحت عنوان "أحمد رجب ضحكة مصر"، لمؤلفه الكاتب محمد توفبق.
المقدمة
كل ما قرأته شىء.. والحقيقة شىء آخر!
فهناك صورة واحدة حاول كل من لم يعرفوه تصديرها لنا، وهى أنه رجل عبوس ينتج الضحك ولا يستهلكه، ويتحدث عن البسطاء ولا يقترب منهم!
وهذه الصورة لم تفارق خيالى، وأنا فى الطريق من بيتى إلى دار أخبار اليوم، فقد ذهبت إليه وأنا أعرف أن دخول مكتبه "حدث" والحديث معه "انفراد"، وتسجيل حوار له يدخل ضمن دائرة التسجيلات النادرة، لكن شيطان الصحافة احترق بمجرد أن وقفت عند باب مكتبه.
هناك وجدت عم محمود الزملكاوى فى انتظارى، وهو أول من يقرأ "نص كلمة" قبل أى شخص آخر باعتباره المسئول عن حملها يومياً من مكتب الأستاذ أحمد رجب إلى سكرتير التحرير المسئول عنها – على مدار 42 سنة-، وهذا الرجل يعتبر ممثل الشعب المصرى بطيبته وصدقه ووفائه بدليل تشجيعه لنادى يذهب مسئولوه إلى المحاكم أكثر من ذهابهم إلى الملاعب.
استأذن عم محمود الأستاذ فسمح لى بالدخول قبل أن يأتى موعدى بعشر دقائق وبمجرد أن دخلت وجدته واقفاً ليصافحنى بابتسامة لم تفارق وجهه طوال ساعة ونصف الساعة قضيتها فى مكتبه، فصافحته، وجلست أتحدث معه فى محاولة لفك رموز شخصيته، ولوضع حد فاصل بين حقيقة هذا الرجل وأسطورته.
وجدت رجلاً يجمع بين حكمة الفيلسوف، وخفة دم المضحك، وتواضع العالم، ورؤية المفكر، وشهامة ابن البلد.. وعرفت السبب فى الصورة العبثية التى رسمها له من لم يعرفوه!
فهو رجل يجيد التحكم فى عضلات وجهه فلا يضحك إلا عندما يكون فى صحبة أصدقائه، ولا يستقبل فى مكتبه إلا من يشعر بصدقه مهما كان موقعه، فيجلس مع النشال ولا يقابل الوزير، ويصافح الرجل البسيط ولا يلتفت للمسئول الكبير.
فهو رجل صنعته الكتابة، وليست الدعاية لما يكتبه، فيمكن ببساطة أن تحصر عدد الحوارات الصحفية والتليفزيونية التى أجريت معه على مدى نصف قرن، ورغم ذلك ظل الكاتب الأكثر تأثيراً – مثلما وصفته الصحف الأجنبية- وكتبه ظلت الأكثر مبيعاً لدرجة أن وكالة رويترز، قالت إنها "تباع كالحلاوة فى الأسواق"، وذلك عندما وصلت مبيعات كتاب "أى كلام" إلى 90 ألف نسخة فى عام 1990.
فى هذا التوقيت تعلمت القراءة، وتعرفت على أحمد رجب عبر "نص كلمة" واقتربت منه عن طريق "فلاح كفر الهنادوة" وشعرت أنه يكتب ما أريد أن أقوله، وتمنيت أن أصبح صحفياً لأسير على خطاه، وعندما أصبحت طالباً فى السنة الأولى بكلية الآداب قسم الصحافة ذهبت للتدريب فى أخبار اليوم على أمل أن أقابله صدفة.
فهو عند جيلى ولى من أولياء الكتابة الذين لا يمكن العيش دونهم، وصورته معلقة على جدران منزلى لأسلم عليه كل صباح وألجأ إليه فى المساء ليكون سنداً لى فى رحلة البحث عن المتاعب.
من هنا جاءت فكرة هذا الكتاب - فى مارس 2008- بدأت رحلة البحث عن كل ما كتبه، وما كتب عنه فى أرشيف أخبار اليوم، والأهرام، ودار الكتب، وسور الأزبكية، والمكتبات العامة، والخاصة، لكن الرحلة على قدر صعوبتها على قدر جمالها ومتعتها التى تتحقق عندما أصل إلى مقال نادر أو معلومة جديدة أو حوار قديم، لكن حين قررت أن أبدأ الكتابة كان لابد أن أقابله.
فتوجهت إلى الأستاذ بلال فضل الذى لم أقابله سوى مرة واحدة فى حياتى، وطلبت منه أن يساعدنى، وكانت المفاجأة عندما وجدت عمنا أحمد رجب يتصل بى، ووقتها كدت أفقد حاسة النطق؛ لأننى لم أرد عليه! فقد كنت بعيداً عن التليفون، وتأكدت أنى "نحس"، لكن بعد دقائق وجدت جرس التليفون يضرب من جديد ليبدأ الحديث بين الولى والمريد.
الفصل الأول:
أحمد رجب: كنت أتمنى أن أصبح عازف "كمنجة" لكن مدير معهد الموسيقى قال لى "يا ابنى أنت عمرك ما هتتعلم حاجة"
* طلبت من عثمان أحمد عثمان فرصة عمل ل"نشال" فعينه أمينا لخزائن المقاولون العرب.
*عمدة النشالين كان صديقى.. وعندما اختفت "محفظة" أحد القراء أعدتها إليه
*الرئيس عبد الناصر منعنى من الكتابة عن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
*اتفقت مع فنان كبير أن أقوم بنشر خبر وفاته وهو "عايش" ليقرأ ما سيكتبه عنه النقاد بعد رحيله
*اشتركت فى فريق التمثيل أيام الجامعة وتم فصلى بعد أن خرجت عن النص
*كنت أكتب باب "بختك هذا الأسبوع" رغم أن كل معلوماتى عن علم الفلك تنحصر فى شارع الفلكي!
*قمت بتأليف مسرحية عبثية وقلت إنها من روائع الأدب العالمى.. فأشاد بها النقاد
*أمى كانت تطلق الزغاريد وتوزع الشربات عندما أتوصل لحل مسألة فى الحساب.
*تمت إحالتى لمجلس تأديب مرتين بسبب ما أكتبه فى مجلة الجامعة وأنقذنى عم الفنانة صفاء أبو السعود
لا يحب أن يذكر تاريخ ميلاده، فهو شاب حتى لو بلغ عمره ألف عام!
فلا تضع له قانونا، فهو رجل له قانونه الخاص، وليس أمامك إلا أن تعترف بعبقريته؛ لأنه ليس كسائر الرجال، تجده وقورًا، ووفيا، وصادقا، ويبعث على السرور، لكنه يميل إلى العزلة، ويفضل أن يراقب الأحداث عن بعد.
إنها صفات مواليد برج العقرب التى لا تنطبق إلا على شخص واحد فقط – كما يؤكد علماء الفلك– هو الكاتب الفذ أحمد رجب الذى لم أجد سوى ورقة وحيدة فى أرشيف دار أخبار اليوم تحمل بياناته الشخصية رغم أنه عاش أكثر من نصف قرن داخل هذه المؤسسة!
ورقة واحدة فقط قام بتوقيعها بخط يده فى عام 1959 عندما كان مديرا لتحرير مجلة الجيل، وكتب فيها اسمه الثلاثى المسجل فى شهادة الميلاد أحمد إبراهيم رجب من مواليد منطقة الرمل بمحافظة الإسكندرية.
ويروى أحمد رجب ذكرياته فى هذه الأيام قائلا: تعلمت فى مدرسة رياض باشا الابتدائية، وكنت أحب حصة الموسيقى وأكره علم الحساب وبسببه قضيت طفولة سعيدة جدا كلها ضرب فى ضرب، وعندما كان المدرس الخصوصى يعلن أننى توصلت إلى حل مسألة جبر، كانت أمه تطلق الزغاريد وتوزع الشربات على الجيران.
فى الوقت نفسه حاولت أن أتعلم الموسيقى، فالتحقت بمعهد جيوفانى لأتعلم آلة الكمان التى أحبها، وبعد الدرس الرابع اشترط على الخواجة "جيوفانى" أن أشترى كمنجة إذا أردت الاستمرار فى دروس المعهد، فكافحت طويلا من أجل اقتناء الكمنجة، واتفقت مع والدى على أننى إذا نجحت فى الجبر آخر السنة فسوف تكون الكمنجة هدية النجاح، ورحت أسهر الليالى فى طلب المعالى، وطلب الكمنجة، حتى أصبحت نحيلا شاحبا، كل شىء، فى جسمى صار رفيعا إلا مخى، فقد ظل تخينا لا يستطيع الجبر اقتحامه، فضاعفت الجهد لأحقق – فى النهاية- تفوقا رائعا إذ تمكنت من الحصول على أعلى درجة للنجاح فى الجبر أيامها: 4 على 20
وجاءت الكمنجة التى أحبها أحمد رجب لكنها لم تحبه!
فقد ظل طالبا فى معهد الموسيقى لمدة ثلاث سنوات إلى أن جاء له صاحب المعهد "جيوفانى" ذاته، وقال له: يا ابنى أنت معنا منذ سنوات، ولم تتعلم شيئا، ولن تتعلم شيئا، لأن يديك ليست ميكانيكية.
لكن أحمد رجب لم يقتنع بما قاله جيوفانى إلا بعد سنوات طويلة، يتذكرها بقوله: تأكدت من صدق "جيوفانى" عندما كنت أحاول مساعدة زوجتى فى المطبخ فكنت أقوم "بتكسير" الأطباق بسبب عدم مرونة يدى فى الحركة! ومن هنا أصبحت مبهورا بأى شخص يعزف على آلة الكمان لأنها كانت أمنية حياتى التى لم استطع تحقيقها.
لم تكن عقدة الكمنجة وحدها التى تطارد أحمد رجب ففى سنوات الطفولة تعرض لواقعة جعلته يكره اليوم الذى يذهب فيه إلى الحلاق! ويروى تفاصيلها بقوله: ذهبت أحلق شعرى وأنا فى المدرسة الابتدائية فدخل رجل صالون الحلاقة وفى يده ابنه فى مثل عمرى، فقص الرجل شعره وحلق ذقنه، وجاء الدور على الولد الصغير فأجلسه الحلاق على منضدة ليقص شعره بينما ذهب الأب إلى الحانوت المجاور بعد أن نفدت سجائره، وجن جنون الأسطى رشوان عندما اكتشف أن الرجل ليس أبا الولد الصغير، وأنه اصطحبه من الطريق ليتركه رهينة عند الحلاق باعتباره ابنه ويفر دون أن يدفع الأجرة!
ولم يكتف الحلاق بضرب الولد المسكين الذى لا ذنب له، بل أمسك بى أنا أيضا وهو يصيح: وأنت كمان أبوك فين يا ولاد النصابين؟ ولم أدر فى مقاومتى أننى كسرت "قصرية" زرع فتحول الحلاق إلى القصرية المكسورة وتحولت أنا إلى الشارع أسابق الريح، ومن يومها أصبت بما يمكن أن يسمى ب" الحلاقة فوبيا"!
كان ذلك قبل أن يصل أحمد رجب إلى مدرسة "العباسية الثانوية" التى حصل منها على شهادة التوجيهية، والتحق بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، وهناك ظهرت مواهبه وقدراته كصحفى فذ وساخر مبدع، فقد كان يقوم بعمل مجلة "أخبار الجامعة" وكانت ناجحة للغاية، فقد وصل توزيعها إلى 7 آلاف نسخة، وهو رقم كان يتعدى أشهر المجلات المصرية أيامها - ويتعدى توزيع بعض صحف ومجلات هذه الأيام- وبسبب هذه المجلة تمت إحالته لمجلس التأديب مرتين إحداها كانت بسبب موضوع كان ينتقد فيه عميد الكلية بأسلوب ساخر، ويومها أنقذه الدكتور حسن أبو السعود - أستاذ القانون الجنائى وعم الفنانة صفاء أبوالسعود- حيث كان ضمن لجنة التحقيق، وقال: "لازم نعلم الشباب الديمقراطية فى الجامعة" وتركه دون أن يتخذ أى إجراء ضده.
ويعلق أحمد رجب على تلك الواقعة قائلا: "شفت الجامعة زمان كانت عاملة إزاى؟!"
فى الجامعة التقى أحمد رجب، حسن شاه، وكانت طالبة فى الفرقة الأولى بينما كان هو فى الفرقة الثالثة، ووقتها كان واحدا من أشهر الطلاب وأكثرهم نشاطا، وتتذكر حسن شاه تلك الأيام بقولها: قابلت أحمد رجب لأول مرة عندما كان مسئولا عن الصحافة بالكلية، وكانت علامات النبوغ واضحة عليه، فكان يعرف من أول يوم فى كلية الحقوق انه سيصبح صحفيا، فكان يردد "إن ما يجرى فى عروقى ليس دماء وإنما حبر المطابع"! واستمرت علاقتى به وكان السبب فى اتجاهى للعمل فى الصحافة رغم أننى كنت أتمنى أن أصبح محامية.
لم تكن الكاتبة حسن شاه الوحيدة من بين أصدقاء الجامعة الذين استمرت علاقة احمد رجب بهم، فهناك الكاتب الصحفى عبد الفتاح الديب الذى اشترك معه فى فريق التمثيل، لكنه ترك التمثيل بعد أن اندمج "الديب"على المسرح متقلدا سيفه وهو يؤدى دور لويس الحادى عشر وأحمد رجب يلعب دور القسيس. والديب يقول له: فإذا سكن الليل يا أبتاه.. خيل إلىّ أننى أسبح فى بحيرة من الدماء
لكن أحمد رجب نسى الحوار وأخذ يرتجل قائلا:
هل قلت يا بنى أنه يخيل إليك أنت أنك تسبح فى بحر من الدماء؟
فرد الديب: نعم يا أبتاه
فقال رجب: وما لون هذه الدماء بالضبط يا بنى هل هى قرمزية أم وردية أم تميل إلى السواد؟
فهمس الديب " إيه ده؟.. الله يخرب بيتك" فرد عليه " أصلى نسيت الكلام ثم ارتفع صوت أحمد رجب فجأة: تكلم يا بنى ما لون هذه الدماء التى تراها فى المساء ونجوم الليل تنتشر.. فضحك الجمهور، وتقرر فصل أحمد رجب من فريق التمثيل.، فترك هواياته الفنية وقرر أن يتفرغ للعمل فى بلاط صاحبة الجلالة.
تخرج أحمد رجب فى كلية الحقوق عام 1951 قبل عام واحد من قيام ثورة يوليو، والتحق بدار أخبار اليوم وعمل مراسلا لمجلة الجيل فى الإسكندرية مع صديقه محسن محمد (رئيس تحرير الجمهورية فيما بعد)، وفى هذا التوقيت كانت الإسكندرية مدينة هادئة تنام فى السابعة مساء – على حد تعبير أحمد رجب- لذلك كان يبذل مجهودا كبيرا من أجل أن تصلح موضوعاته للنشر فى مجلة توزع فى كل المحافظات.
ونجح فيما أراد، وتفوق، ولفت الانتباه إليه، وذلك عندما ذهب موسى صبرى إلى مكتب أخبار اليوم بالإسكندرية فى صيف عام، 1951 ويروى "صبرى" تفاصيل ما جرى بقوله: لفت نظرى وأنا أراجع الأخبار المرسلة إلى القاهرة، أخبار مكتوبة بخط جميل، وبالحبر البنفسجي، وكلها أخبار جيدة عن الجامعة.. وسألت عن كاتب هذه الأخبار، فقدموا لى شابا متخرجا فى كلية الحقوق جامعة الإسكندرية وقدم هو لى مجلة كان يصدرها فى الجامعة، وبهرنى أسلوبه الكاريكاتورى الساخر، وعندما عدت إلى القاهرة بعد رحلة الصيف، طلبت من على أمين استدعاء هذا الشاب اللامع إلى القاهرة ليعمل فى مجلة الجيل.. وكان هذا الشاب، هو أحمد رجب الذى أصبح ألمع كاتب ساخر فى مصر!
وبالفعل قرر التوءم مصطفى وعلى أمين نقله من مكتب الإسكندرية للعمل فى القاهرة، ليبدأ أولى خطواته نحو عالم الكبار.
فى البداية كان يحرر بابا ثابتا بعنوان "هذه الجريمة لغز.. فتعالوا نحله معا"، وكان عبارة عن عرض وتحليل لإحدى الجرائم التى حدثت خلال الأسبوع ولم يستدل على مرتكبها، وظل يحرر هذا الباب لثلاث سنوات، انتقل بعدها لكتابة باب آخر بعنوان "أخبار الأسبوع" وكان عبارة عن رصد وتعليق على الأحداث التى وقعت خلال الأسبوع، لكن بعد فترة من كتابته المنتظمة فى هذا الباب قام بتغيير طريقة تقديمه، وأصبح يكتب فيه عن المشاهير، فكتب فى هذا الباب عن عدد كبير من نجوم الفن والفكر منهم "توفيق الحكيم"و "يحيى حقى" و"صلاح جاهين" و"صلاح أبوسيف".
فى هذا التوقيت جاء إلى احمد رجب أحد العاملين بالإعلانات وقال له "عندى قصة حلوة ينفع تنشرها" وأخرج له صورة أحد أقاربه، وقال له: هذا الرجل يعمل مقرئا وهناك سيدة سورية تحبه وتطارده، وبالفعل أعجب أحمد رجب بالقصة واطلق على المقرئ الشاب لقب "الشيخ براندوا" ونشر صورته التى تشبه الممثل العالمى "مارلون براندوا" واشتهر المقرئ وارتفع اجره من 30 جنيه إلى 300 جنيه وصار واحدا من علامات قراءة القرآن فى مصر إنه الشيخ عبد الباسط عبد الصمد لكن بعد أن وصل الشيخ إلى قمة مجده طلب من الرئيس جمال عبد الناصر أن يقرر وقف نشر هذه الحلقات وبالفعل تم وقفها.
لكن أطرف الأبواب التى كان يحررها احمد رجب فى هذه الفترة هو باب "بختك هذا الأسبوع" الذى يروى قصته قائلا: أعترف أننى لا أفهم شيئا مطلقا فى علم الفلك، فكل معلوماتى عن هذا العلم تنحصر فى أن بالقاهرة شارعا اسمه شارع الفلكي. كذلك لا أفهم شيئا فى النجوم والتنجيم وقراءة الطالع غير أن هذا لا يمنع من الاعتراف بأننى اشتغلت منجما ذات يوم، إذ كنت أحرر باب بختك هذا الأسبوع، وفى كتابة باب البخت لم أكن أشتغل بالتنجيم بقدر ما كنت أحاول بث التفاؤل فى نفوس قراء البخت، فما دام المنجمون كذابين ولو صدقوا، وما دامت المسألة مفترضاً فيها الكذب فى النهاية، أليس هذا إذن أفضل من أن أقول للقارئ: مصيبة محترمة فى انتظارك أو ضائقة مالية تنتهى بفضيحتك والحجز على هدومك؟، وكانت هذه تعليمات على أمين: بث التفاؤل فى كتابة البخت.
موهبة أحمد رجب كانت أكبر من حصرها فى باب بعينه، لذلك تدرج فى المناصب حتى وصل إلى منصب نائب رئيس تحرير مجلة الجيل - وكان أنيس منصور يتولى منصب رئيس التحرير- وفى الوقت نفسه تم اختياره ليكون مديرا لتحرير مجلة "هى" التابعة لدار أخبار اليوم، وكان مشهودا له بالكفاءة والحزم.
فى هذا التوقيت كان مسرح اللا معقول يسيطر على العقول، وكان مريدوه أغلبهم من نجوم المجتمع وكبار النقاد الذين يرون فيه النموذج لما يجب أن يكون عليه المسرح، وقتها قرر أحمد رجب أن يثبت أنه لا يوجد شىء اسمه مسرح اللامعقول، وأن "اللا معقول"هو ما يفعله النقاد الذين يروجون لهذا المسرح!
وبالفعل، وضع الخطة لأكبر خبطة صحفية عرفتها مصر، وقام بتنفيذها فى مجلة الكواكب - التى انتقل للعمل فيها بصحبة مصطفى وعلى أمين - فى مارس 1963عندما نشر مسرحية أطلق عليها "الهواء الأسود" وقال إنها مسرحية لم تنشر من قبل للكاتب المسرحى السويسرى الشهير "فردريك دورنيمات" ودعا كبار النقاد للتعليق عليها باعتبارها إحدى روائع مسرح "اللا معقول"!
وبالفعل علق عليها النقاد وأشادوا بروعتها، وبعبقرية مؤلفها، وبالدلالات المهمة التى تحملها وبعد أن انتهت تعليقاتهم خرج عليهم أحمد رجب ليؤكد أن ما يفعله هؤلاء النقاد هو اللا معقول ذاته!، وكشف أنه هو مؤلف هذه المسرحية العبثية وأن الخواجة فردريك دورنيمات لا علاقة له إطلاقاً بهذه المسرحية.
بعد أن كشف أحمد رجب عن فضيحة الموسم الثقافية، التى أنهت أسطورة نقاد "اللا معقول"، علق طه حسين بقوله: إنها عقدة الخواجة فعلاً، أما العقاد فقال: هؤلاء النقاد المحترمون يجب أن يساقوا إلى (محكمة التزييف) لحماية هذه الأمة من وبال دعواهم.
أما توفيق الحكيم فقد علق بقوله: هذا مقلب ظريف ولطيف، بينما قال إحسان عبد القدوس: كل ما نرجوه من السادة النقاد أن يصروا على رأيهم الخطأ.. وأن يرفعوا أحمد رجب إلى مرتبة الكتاب العالميين، وقال صلاح عبد الصبور: إن هذا أعظم عمل نقدى للنقاد قامت به الصحافة طوال السنوات الأخيرة!
لكن الغريب أن أحمد رجب فكر فى عمل خبطة صحفية أخرى لا تقل قوة عن فضيحة "الهواء الأسود"، ويروى قصتها بقوله: اتفقت مع فنان كبير أقوم بإخفائه لمدة شهرين على أن تتحمل دار الهلال مصاريفه خلال تلك الفترة، وخلال هذه الفترة أنشر خبر نعيه فى الصحف وأقول أن جنازته قد شيعت من بلدته فى الصعيد وبالفعل وافق الفنان الكبير الذى كان يعانى من قلة العمل على المقلب لكنه تراجع بعد أن تم ترتيب كل شىء لتشاؤمه من الفكرة.
ويعلق أحمد رجب على عدم اكتمال هذه الفكرة قائلا: ضاعت عليه فرصة قراءة وسماع برامج تمجيده والإشادة بعبقريته، فقد كنت أنوى أن أظهر به بعد أن تكتب عنه كل الصحف ويتحدث عنه المخرجون والنقاد وأقول لهم "طيب الفنان أهه.. طلع عايش.. ياريت بقى تشغلوه عشان هو مش لاقى ياكل"
لسوء حظنا لم تكتمل هذه الفكرة الفذة، لكن "الهواء الأسود" كانت كافيه لترفع من أسهم احمد رجب المهنية وتجعله من نجوم الصف الأول فى بلاط صاحبة الجلالة، فبعد أن كان يكتب باب "أخبار الأسبوع" فى مجلة "الجيل" أصبح يكتب أكثر من باب فى أكثر من مجلة، منها باب "س وج" فى مجلة "آخر ساعة"، وهو عبارة عن سؤال يتوجه به لإحدى الشخصيات العامة ويجيب عنه بطريقة ساخرة.
وبعد "س وج" ابتكر بابا آخر، هو "حديث لم يحدث" وهو عبارة عن حديث مع مسئول كبير أو نجم شهير فى مجاله، ويدير فى هذا الحديث الذى لم يحدث مع المسئول عن كل ما يدور فى ذهن الناس ويجيب بطريقة ساخرة عن الأسئلة التى طرحها، لكن بعد فترة توقف "حديث لم يحدث" وحل محله مقالا ساخرا فى الصفحة الأخيرة دون أن يكون له اسم ثابت، وكان من أوائل المقالات التى كتبها فى هذا المكان مقال بديع بعنوان "مع السلامة يا شباب" يقول فيه: شىء لطيف جدا أن يكون الإنسان عنده شباب، وعنده صحة، وعنده علبة كبريت بتولع!
عن الصحة فالحمد لله، عن الكبريت فمازلت أعيش على أمل أن أشترى ذات يوم علبة تولع، أما الشباب فلا أملك – فى سن الأربعين- إلا أن أستعد لكى ألوح له بيدى مودعا: مع ألف سلامة!
ولست نادما على أن الشباب يستعد للرحيل، ولست أيضا كوالدى جليل البندراى الذى يتمحك فى الشباب، فيحاول أن يحتفظ بشبابه متبعا أربع قواعد: النوم كفاية، والأكل الصحى، ولعب الرياضة، والكذب على أى واحد يسأله سنك كام!
فى هذا التوقيت دخل احمد رجب إلى غرفة العظماء، وبدأ رحلته مع "نص كلمة" التى خرجت إلى النور كعمود يومى فى الصفحة الثامنة بجريدة الأخبار فى 11 من يوليو عام 1968، وعلى مدى نصف قرن من الزمن لم تتغير عاداته يوما!
فيمكن أن تضبط ساعتك عند ظهور سيارته أمام المبنى القديم لدار أخبار اليوم بالضبط.. تمام العاشرة ينزل من مقعده الأمامى المجاور للسائق ثم يمضى مباشرة إلى المدخل، إلى المصعد، إلى حجرته لا يلتفت يمينا أو يسرا، وإذا التقى به شخص ما فإنه يتحاور معه بسرعة، يجيب إجابات مقتضبة، وكأنه يعلن عن رغبته فى الانفراد.
بمجرد دخوله يتقدم ليغلق الباب الخارجى بالمفتاح، لمدة ساعتين يظل بمفرده، بعدها، يدق الجرس على عم محمود الزملكاوى، ليحمل- فى الثانية عشرة ظهرا-إلى سكرتارية تحرير الأخبار، ورقة بخطه تحتوى على سطرين أو ثلاثة أو أقل ربما سطر واحد، كلمات قليلة مكتوبة بخط كبير نسبيا، منسق، منمق، تبدأ سطوره على مسافة من حافة الصفحة وتنتهى قبل حدها الأيسر، تتوسط الفراغ الأبيض، لا يوجد فيها حرف واحد مشطوب –على حد وصف الأديب جمال الغيطانى- إنها نصف كلمة التى يكتبها يوميا فى جريدة الأخبار.
هكذا يقضى أحمد رجب يومه داخل دار أخبار اليوم، فى الغرفة 53 التى اشتهرت بأنها غرفة العظماء فقد جلس فيها توفيق الحكيم وجلال الحمامصى وكامل الشناوى وموسى صبرى وأنيس منصور ثم أحمد رجب الذى قابل أحد النشالين فيها، ويروى تفاصيل ما جرى فى لقائه به قائلا: دق موظف الاستقبال التليفون الداخلى فى مكتبى ليقول لى إن نشالاً يطلب مقابلتي، وخطر ببالى أن الزائر مادام لم يذكر اسمه وقدم نفسه بصفته نشالاً فلابد أنه واحد من جيراننا الأوائل: ريشة أو نملة أو العقرب جاء فيه الخير لزيارتي، وتمنيت فى سرى ألا يكون القادم هو "تهتوهة" إذ إنه مصاب بلعثمة ينطق معها كلمة اززززيك فى ربع ساعة، وقلت لموظف الاستقبال دون أن أسأله عن اسم النشال إنى فى انتظاره غير أن الزائر كان وجهاً جديداً لا أعرفه، قدم نفسه قائلاً:
محسوبك عبد الفضيل نشال محافظ وعندى 39 سنة
وطلباتك؟
جئت أتوب على ايديك.
فقلت لابد أنه قريب واحد من جيراننا القدامى وصف له الطريق إلى مكتبي، وقبل أن أسأله راح يستحلفنى وهو يحتضننى ويقبل أكتافى ألا أرده خائباً، بعد أن قرر أن يترك المهنة التى يأكل منها "بقلاوة" و يتوب على يدي، ثم قدم لى محفظتى التى نشلها من جيبى الداخلى ليثبت لى أنه نشال ممتاز ولا يريد الحرام.
واقتنع إحساسى بعزم عبد الفضيل على التوبة دون مبرر منطقي، واتصلت تليفونياً بالمهندس عثمان أحمد عثمان ورجوته أن يعينه ساعياً أو فراشاً ب (المقاولون العرب) ولم أقل له إنه صاحب 39 سابقة نشل، فوافق المهندس مشكوراً.
وجاءنى عبد الفضيل ذات مرة فى زيارة روتينية من زياراته وقال لى خبراً غريباً جعلنى أصرخ بأعلى صوتي، وهو أن المهندس عثمان أحمد عثمان قام بتعيينه أمينا على خزائن المقاولون، فاتصلت بالمهندس لأخبره بتاريخ عبد الفضيل فاكتشفت أن عبد الفضيل حكى له كل شىء فى أول مقابلة.
علاقة أحمد رجب بالنشالين لم تقف عند عبد الفضيل بل إنه كان يعرف عمدة النشالين ويجلس معه ويعتبره واحدا من أصدقائه، ويروى أحمد رجب واحدة من ذكرياته مع عمدة النشالين قائلا: فى أحد الأيام اختفت "محفظة" أحد القراء فجاءنى يطلب مساعدتى، فذهبت إلى العمدة وطلبت منه أن يعيد "المحفظة" التى سرقها أحد "صبيانه" فسألنى عن رقم الأتوبيس الذى كان يركبه ووقت تواجده فيه وبعدها بدقائق نادى على صبيه "شفتورة" ليحضر "المحفظة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.