قال رسول الله,: كل سلامي من الناس عليه صدقة, كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة, وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقة, والكلمة الطيبة صدقة, وبكل خطوة تمشيها إلي الصلاة صدقة, وتميط الأذي عن الطريق صدقة; رواه البخاري أوجب رسول الله, علي كل إنسان صدقة عن كل مفصل من مفاصل جسده دواما لصحة هذه المفاصل وحيويتها وعافيتها وهذه المفاصل عدها العلماء ب360 مفصلا ولذا ينبغي علي كل منا أن يقدم في كل يوم مثل هذا العدد من الصدقات. قد يبدو ذلك صعبا من الوهلة الأولي ولعل الرسول, قرأ ذلك في عيون مستمعيه فأراد أن ييسر عليهم الأمر فبين أن الصدقة المقصودة ليست مالا فحسب بل هي أكبر من ذلك وأشمل وأيسر أيضا, ومن أمثلة ذلك الكلمة الطيبة فهي أجمل الصدقات وأحلها وهي التي تطيب القلوب والنفوس وتزيل العداوات والإحن والكراهية وتبسمك في وجه الناس صدقة وهي لن تكلفك شيئا وقد تجلب لك من الخير وتدفع عنك من الشر الكثير وتزين الحياة بين الناس, وتعطي أملا جميلا للذين يستقبلون بسمتك الرائعة. وكانت السيدة عائشة تطيب الصدقة قبل أن تمنحها للفقير فلما سئلت عن ذلك قالت: لأنها تقع بين يدي الله قبل أن تقع في يد الفقير. فالصدقة لا تعد صلة بينك وبين الفقراء فحسب, ولكنها أيضا وقبل ذلك صلة بينك وبين الله فهي تطفيء غضب الرب فإذا عصيت ربك مرة أو مرات فأفضل ما تقدمه بين توبتك لله واستحضار رضاه عنك أن تطفيء غضب مولاك الحق بإكرام الخلق بكثرة الصدقات. وبلادنا الآن تمر بظروف سياسية صعبة تحتاج إلي الصدقات المعنوية مثل الابتسام الدائم ونشر الحب والعدل بين الناس.. إلخ. كما أنها تمر بظروف اقتصادية صعبة وتحتاج إلي منظومة اجتماعية متكاملة لبذل وجمع الصدقات وإيصالها إلي أصحابها. ونماذج الصدقات الحديثة لا نهائي ومفتوح فتبرعك للمستشفيات التي تعتمد علي التبرعات صدقة وتبرعك لمستشفيات وزارة الصحة أو الجامعات صدقة, فهناك مستشفيات جامعية تخدم عدة ملايين مريض سنويا, وبعض عياداتها الخارجية يخدم قرابة عشرة آلاف مريض يوميا معظمهم من الفقراء ومتوسطي الدخل وتفتقر إلي أبسط الإمكانيات. وكذلك تبرعك لبنك الطعام صدقة, أو لفك أساري الغارمات صدقة, أو إرسال ملابس أطفالك المستعملة لدور الأيتام صدقة, أو أن تذهب مع أولادك لتفطر مع هؤلاء الأيتام صدقة, أو تتبرع لدور المسنين, أو مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية صدقة. كانت مبرة الشيخ الشعراوي قديما تجهز وجبة ساخنة يوميا لكل نزلاء المستشفيات النفسية بالقاهرة, ومعها وجبة للممرضين والحراس حتي لا يأخذوا وجبات المرضي, وكانت تجهز وجبة لكل محبوس احتياطي في أقسام شرطة القاهرة الكبري وخاصة في رمضان, وكذلك وجبة لكل الشاويشية في هذه الأقسام لأنهم لا يصرف لهم طعام في فترة عملهم وحتي لا يحتاجوا لوجبات السجناء واستمر ذلك لسنوات, فقد يكون نزيل القسم غنيا ولكنه أصبح بلا حول ولا قوة ولا مال في قسم الشرطة وقد يكون أحوج ما يكون إلي ساندوتش واحد حتي في كل وجبة, وقد جرب الآلاف ذلك, وكان منهم الكثير من كرام الناس. ومن أبواب الصدقات الرائعة أن تذهب إلي أقسام الأمراض المزمنة والخطيرة ونضع تحت كل وسادة مريض مبلغا صغيرا يعينه علي أعباء هذه الأمراض الخطيرة, وخاصة أنه قد تعطل عن عمله وكسبه. وقد لاحظت هذا الأسلوب في عدة مستشفيات, وكانت هناك سيدة تأتي كل أسبوع في إحدي مستشفيات إسكندرية في أقسام الأمراض المزمنة وتفعل ذلك. ومن نماذج الصدقات المستمرة أن ينوي الطبيب بترك أجر كشفين أو ثلاثة ليتامي أو أرامل أو معوقين كل يوم في عيادته, ويواظب علي ذلك, أو أن يخصص الجراح أجر جراحة كل أسبوع للصدقة أو يجريها أسبوعيا مجانا. ومن نماذجها الحديثة أن يحدد بائع الخضار أو الفاكهة أو اللحوم أسرة فقيرة يعطيها السلعة التي يبيعها مجانا كل يومين أو ثلاثة أو أسبوعيا مثل اللحوم. ومنها أن تنتوي الممرضة تحمل كل مريض مهما كان مزعجا أو يسبب لها الضجر وكثرة الأسئلة وتتابع الطلبات, أو أن تعطي الفقراء من جيرانها الحقن مجانا. ومنها أن ينوي الطبيب أن يسوي بين مريض المستشفي العام ومريض العيادة ومستشفاه الخاص في المعاملة الإنسانية والطبية. ومنها أن يتطوع الداعية أو رجل الدولة أو السياسي بالتصدق بعرضه علي من يسيئون إليه أو يتعرضون له بغير حق أو يشتمونه ظلما, ونية التصدق هذه تعد نوعا رائعا من الصدقة إذ أنه يبذل أغلي ما عنده وهو عرضه وسمعته. ومنها أن ينوي الصانع ألا يأخذ أجرا من كل اليتامي والأرامل أو أن يترك بعض أجره. أن ينوي تجار الأجهزة المنزلية والسلع المعمرة أن يبيعوا سلعتهم دون ربح أو بربح بسيط لبعض اليتامي يوميا. ومنها أن ينوي الشاب القوي أن يجلس كبار السن في المواصلات ويقف بدلا منهم. ومنها أن ينوي الشاب كل يوم أن يساعد أي كفيف فيعبر به الطريق, أو يحمل عن أي امرأة عجوز شنطة ثقيلة تحملها, أو يعين أي معوق علي السير أو ركوب السيارة أو القطار. ومنها أن ينوي كل صاحب مهنة أو صناعة أن يصنع شيئا كل أسبوع أو شهر مجانا ليتيم أو معوق. ومنها أن تعطي هدية بسيطة لأي طفل معوق تقابله, سواء كانت إعاقته ذهنية مثل داون أو حركية, وقد عاهدت الله أن أعطي أي طفل داون جنيهات بسيطة, ففوجئت بالفرحة الغامرة التي تغمر وجهه البريء حتي لو كان في سن الشباب. ومنها أن تعطي كل طفل صغير تراه في المسجد أو الكنيسة أو الشارع الذي تعيش فيه قطعة صغيرة من الحلوي وخاصة إذا صلي معك صلاة القيام التي يتهرب منها الرجال الآن وقد وجدت أثرا رائعا لهذا الأمر لدي الأطفال. أبواب الصدقات لا حصر لها كما أن أبواب الخير والمعروف لا تعد ولا تحصي وهي تنتظر فقط أهل الخيرات والجود, ما عليك سوي بسمة تبذلها أو سلاما تلقيه أو خيرا تعطيه أو شرا تمنعه, فهل يشق علينا ذلك؟!