23 شركة مصرية تعمل بالمشروع.. وزير النقل: القطار الكهربائي يصل لمطروح    رئيس "رياضة النواب": نسعى لتحقيق مصالح الشباب حتي لا يكونوا فريسة للمتطرفين    هنية للأسرى الفلسطينيين: إن مع العسر يسرا وطوفان الأقصى سيحقق لكم الحرية    إسماعيل هنية: طوفان الأقصى اجتاحت قلاع الاحتلال الحصينة.. وتذل جيشا قيل إنه لا يقهر    "الشحات في الصدارة".. تعرف على قائمة هدافي الأهلي في دوري أبطال أفريقيا حتى الآن    بسبب نصف مليون جنيه.. سمية الخشاب تتهم منتج سينمائي في محضر رسمي بقسم الهرم    21 ضحية و47 مصابا.. ما الحادث الذي تسبب في استقالة هشام عرفات وزير النقل السابق؟    ضبط عاطل بحوزته كمية من الحشيش في قنا    إليسا توجه رسالة ل أصالة نصري في عيد ميلادها    أمين الفتوى يكشف عن طريقة تجد بها ساعة الاستجابة يوم الجمعة    مخاطر الإنترنت العميق، ندوة تثقيفية لكلية الدعوة الإسلامية بحضور قيادات الأزهر    وزارة النقل تنعى الدكتور هشام عرفات وزير النقل السابق    «أونروا»: نحو 600 ألف شخص فرّوا من رفح جنوبي غزة منذ تكثيف بدء العمليات الإسرائيلية    المشدد 7 سنوات لمتهم بهتك عرض طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بكفر الشيخ    وزارة النقل تنعى هشام عرفات: ساهم في تنفيذ العديد من المشروعات المهمة    بعد انفصالها عن العوضي.. ياسمين عبدالعزيز ترتدي فستان زفاف والجمهور يعلق    «الشعب الجمهوري» يهنئ «القاهرة الإخبارية» لفوزها بجائزة التميز الإعلامي العربي    أمير عيد يكشف ل«الوطن» تفاصيل بطولته لمسلسل «دواعي السفر» (فيديو)    بعد تشغيل محطات جديدة.. رئيس هيئة الأنفاق يكشف أسعار تذاكر المترو - فيديو    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    خالد الجندي: ربنا أمرنا بطاعة الوالدين فى كل الأحوال عدا الشرك بالله    رئيس جامعة المنصورة يناقش خطة عمل القافلة المتكاملة لحلايب وشلاتين    يكفلها الدستور ويضمنها القضاء.. الحقوق القانونية والجنائية لذوي الإعاقة    الكويت تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للامتثال إلى قرارات الشرعية الدولية    "الزراعة" و"البترول" يتابعان المشروعات التنموية المشتركة في وادي فيران    كوارث النقل الذكى!!    6 مستشفيات جديدة تحصل على اعتماد «جهار» بالمحافظات    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    بث مباشر مباراة بيراميدز وسيراميكا بالدوري المصري لحظة بلحظة | التشكيل    رسميًا| مساعد كلوب يرحل عن تدريب ليفربول.. وهذه وجهته المقبلة    رغم تصدر ال"السرب".. "شقو" يقترب من 70 مليون جنية إيرادات    جامعة قناة السويس ضمن أفضل 400 جامعة دولياً في تصنيف تايمز    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    مدعومة من إحدى الدول.. الأردن يعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من ميليشيات للمملكة    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    نائب محافظ الجيزة تشهد فعاليات القافلة العلاجية الشاملة بقرية ميت شماس    الزراعة: زيادة المساحات المخصصة لمحصول القطن ل130 ألف فدان    2 يونيو.. محاكمة 3 متهمين بإطلاق النار على شخصين خلال مشاجرة بالسلام    لسة حي.. نجاة طفل سقط من الدور ال11 بالإسكندرية    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    محافظ بورسعيد يناقش مقترحا للتعاون مع ممثلي وزارة البترول والهيئة الاقتصادية لقناة السويس    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    صور.. كريم قاسم من كواليس تصوير "ولاد رزق 3"    الصحة: تقديم الخدمات الطبية ل898 ألف مريض بمستشفيات الحميات    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    بالفيديو.. غناء وعزف أنتوني بلينكن في أحد النوادي الليلية ب"كييف"    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. ناجح إبراهيم يكتب: د. طوسون زعزوع.. كم تعلمت منك!

تفتحت عيناى وأنا طالب بكلية الطب عليه.. أعجبت به ورأيته نموذجا يمكننى تقليده.. كان مديرا لمستشفى ديروط.. ذهبت إليه وأنا فى السنة الثالثة بالكلية.. طلبت منه أن أتدرب فى المستشفى فى الصيف فرحب بى كثيرا ورأى فىّ طبيبا واعدا يحب العلم دون أن يطلب منه.. تعلمت منه ما لم أتعلمه من أحد.. يأتى باكرا جدا ليتابع كل شىء بنفسه.. الحديقة رائعة.. والطرقات وعنابر المرضى تلمع نظافة.. لا ترى ذبابة أو عنكبوتا فى المستشفى الحكومى.
رأيت فيه الطبيب الإنسان الذى حقق معنى الرحمة قولا وعملا.. كانت رحمته بالناس عامة تشمل الكبير والصغير.. المسلم والمسيحى والفقير والغنى.. كان اهتمامه بالفقراء شديدا.. كان يستغيث به المريض فى الثلث الأخير من الليل فيلبى النداء.. يذهب إلى المستشفى ليتابع بنفسه حالة المريض.
تعلمت منه رد الكشف إلى الفقراء والمحتاجين واليتامى والمرأة المعيلة..كان يتفنن فى ذلك.. فإن لم يجد سببا اختلق سببا ليعيده.. تعلمت منه أن حامل القرآن لا ينبغى أن نأخذ منه أجرا تعظيما للقرآن.. وجدت أن معظم مرضاه بالمجان.. تفكرت فى ذلك طويلا فى السجن قائلا: "جاءتنى اليوم فرصة العمر لأفرج كرب المرضى المعتقلين الذين انقطعت بهم الأسباب".. فأحبنى المرضى من الإسلاميين والجنائيين حتى الشاويشية والجنود.
كان يأتيه المريض ليجرى الجراحة فى عيادته فيقول: ولماذا تكلف نفسك سأجريها لك فى المستشفى.. يصر المريض.. ويتمسك أستاذى ويجريها لمريضه بالمستشفى.
كان يحترم رجال الدين سواء مسلمين أو مسيحيين.. لم يأخذ يوما أجرة للكشف أو الجراحة من شيخ أو قسيس أو من أحد من أسرهم.. حتى إن بعض المرضى كان يدعى قرابته للشيخ فلان أو القسيس فلان حتى يعفيه من أجر الكشف.. كان يقول لأحدهما أختك فلانة كانت عندى فى العيادة أمس فيقول له الشيخ أو القسيس: ليس لى أخت بهذا الاسم.. فيضحكان معا.
أراه فى الفجر أو المغرب أو بعد منتصف الليل فى غرفة العمليات يجرى جراحة لمريض.. كان يتقن أعقد العمليات بدءا بالزائدة حتى استئصال الغدة الدرقية أو الطحال أو استئصال أجزاء من الأمعاء.
كان مرضى عيادته يدفعون ربع أجر الجراحات وكان يقبلها منهم.. وقد قابلت أحدهم أجرى جراحة معقدة أجرها مائة جنيه فأعطاه 17 جنيها فقلت له: وهل أخذها؟.. فقال: أخذها ولم يعترض.
وفى يوم من الأيام أجرى أستاذى جراحة كبرى فى القاهرة.. فذهبت أسلم عليه وبين ثنايا الحديث سألته عن تكلفتها فقال لى 1200 جنيه. فقلت هذا مبلغ كبير.. فقال لى: بل هو عادى.. إننى قررت هنا العمل لوجه الله.. نحن هنا لا نأخذ أجرا.. نحن نخدم الناس فقط.
ظل أستاذى يكشف على والدى ووالدتى مجانا حتى إنهما كانا يستحييان من ذلك ويذهبان لغيره.. حتى تلاميذى الأطباء لم يفعلوا ذلك.. وكانت أمى تقول: يا بنى أستاذك د. طوسون زعزوع ليس له مثيل.. فقد كان يكشف على نصف ديروط مجانا!!.
ترجع أصول د. زعزوع إلى أسرة محمد على باشا وقدم إلى ديروط وليس لدينا فى هذه المدينة الكبيرة سوى ثلاثة أطباء.
لم يعرف الرجل البيزنس يوما مثل أطباء اليوم الذين يتهربون "ويزوغون" من المستشفيات للذهاب إلى العيادات والمستوصفات الخاصة.. أو يتاجرون وهم أساتذة الطب فى الأراضى أو الشقق أو غيرها.. مع أن رسالة الطب الإنسانية تتناقض تماما مع رسالة التاجر المادية.
كانت السيارات الملاكى قليلة يومها فى ديروط فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات.. قد يحمل المريض بسيارته من عيادته إلى المستشفى إذا كانت حالته خطيرة.. وقد يحمل مريضا من المستشفى انتهى علاجه ولا يجد وسيلة مواصلات.. كانت سيارته أشبه بسيارة الأجرة.. حيث كان يحمل فيها كل من يسير فى طريقه إلى المستشفى الذى كان يبعد عن المدينة بحوالى 3كم.. كم من مرة وقف بسيارته على باب المستشفى فى عز الحر والصيف لكى يوصلنى إلى المدينة، حيث لم تكن يومها أى مواصلات عند المستشفى.
كان إذا خرج من المستشفى ووجد طبيبا أو طالب طب واقفا عند باب المستشفى أركبه السيارة معه.
أعطاه الله بصيرة فى التشخيص لم أدرك سرها إلا بعد طول نقاش مع أطباء آخرين خلصنا فيه إلى أن التشخيص مثل الفتوى فهو "نور يقذفه الله فى قلوب الأطباء العلماء الرحماء".
وقد فاقت تشخيصاته أساتذة كبارا وقعوا فى أخطاء فادحة لم نستغربها لكبرهم وغلظتهم.. حتى قال بعضهم: "هذه الجراحة أجريها وأنا معصوب العينين أو أجريها بظفر قدمى".. ثم يموت مريضه من جراحة بسيطة.
فى جسد كل ديروطى غرزة من غرز جراحاته.. ويندر أن يكون طفل من جيلى وثلاثة أجيال بعدى لم يختتن على يديه.
كان المشرط الجراحى ينقاد له انقيادا عجيبا.. وكأنه يعلم أن هذا الرجل لا يتقاضى شيئا يذكر عن معظم جراحاته.. وكأن المشرط يعينه على تأدية رسالته الإنسانية.
لم أر أحدا من الأطباء فى بلدتنا حظى بالود والحب مثلما حظى هذا الجراح العظيم.. إذا أصابته وعكة صحية اضطربت جنبات المدينة وقراها وأخذ الآلاف يتوافدون عليه زائرين وسائلين وقلقين على مصدر الحنان والشفقة عليهم.
حينما كبر أستاذى انتقل إلى القاهرة مع أولاده الأطباء.. ومات هناك وهو الوحيد الذى أقامت له مدينتنا جنازة وصوان عزاء دون أن تكون له أسرة أو أهل فيها، فقد اعتبروه واحدا منهم. رحم الله صانع المعروف د. محمود طوسون زعزوع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.