يظل الحديث عن الإدارة المحلية وضرورة تطويرها مستمرا لأن ذلك يعني التنمية لمجتمعاتنا والارتقاء بحياة المواطن المصري وتقدم بلدنا.. ويأتي قانون الإدارة المحلية في مقدمة الآليات اللازمة لتحقيق هذا التطوير المنشود, ولا شك أن تعديل هذا القانون لن يحقق أهدافه بدون رفع الوصاية المركزية عن أجهزته, ولابد من تعظيم صلاحيات المحافظات وهناك تجربة أثبتت نجاح هذا التوجه وهي تطبيق الموازنة الموحدة التي طالما طالبنا بتنفيذها, فلقد حققت دفعة وانطلاقة نحو تنفيذ خطط التنمية ومنحت حرية الانتقال بين بنود الميزانية حسب أولويات كل محافظة إن الوضع الراهن يؤكد أن هناك مشكلة جسيمة.. فالمحافظون يصدر بتعيينهم قرار جمهوري وهم يمثلون رئيس الجمهورية في محافظاتهم.. إلا أن الوزراء المركزيين لا يتخلون أبدا عن اختصاصاتهم, ومن هنا تحدث الازدواجية التي نعانيها في المحليات ويكفي أن نشير إلي أن تبعية وكلاء الوزارات في المحافظات تكون لوزاراتهم المركزية, وبالتالي تكون هناك جهتان تتمثلان في المحافظ والوزير, وكذلك فإن الحكومات السابقة قد سلبت بعض الاختصاصات التي ما كان يجب ان تسلب منها مثل إنشاء شركات قابضة للشرب والصرف الصحي في حين أن هذا الأمر منوط بالمحافظين في محافظاتهم. إن الإدارة المحلية قد جردت بالفعل من جميع أسلحتها الرقابية الممنوحة للمجالس الشعبية المحلية.. وقد بدأ ذلك منذ عام1978 م فقد كان ذلك مكفولا للشعبيين في مواجهة الأجهزة التنفيذية.. وكان ذلك يمثل حائط صد لاستشراء الفساد إلا أن إلغاء هذا الحق كان بحجة أن المادة المنصوص عليها في القانون الحالي تشير إلي أن المحافظ يمثل رئيس الجمهورية في محافظته, وبالتالي فلا يليق تقديم استجواب له... وبناء عليه الغي حق الاستجواب في مواجهة أي قيادة محلية بدءا من رؤساء القري ومرورا برؤساء المراكز والمدن والأحياء وانتهاء بالمحافظين.. في حين أنه كان هناك اتجاه قوي لمنح المحليات حق سحب الثقة من القيادات التنفيذية التي يثبت فشلها في قيادة المواقع, إلا أن ذلك قوبل بالرفض فأصبحت المجالس الشعبية المحلية بالتالي صورية وقراراتها مجرد توصيات ليس لها صفة الإلزام. ومن جانبنا فنحن نطرح بعض المقترحات التي ينبغي ان يتضمنها القانون الجديد وأهمها ان تكون سلطات المحافظين أصلية.. فالمحافظ لابد أن تكون له السلطة في إتباع السياسة الإصلاحية التنموية التي يراها هو والمجلس الشعبي المحلي المختص ملائمة للمحافظة.. كذلك لابد أن تخصص الدولة جزءا من الموازنة العامة للمحافظات للإنفاق منها علي المشروعات التي تري المجالس الشعبية المحلية ضرورة تنفيذها.. كذلك ينبغي أن يتضمن القانون الجديد مواد صريحة تتيح رقابة حقيقية من قبل المجالس الشعبية المحلية علي أداء الأجهزة التنفيذية وضرورة دعمها بمزيد من السلطات التي تمكنها من ممارسة هذا الحق وهناك ثوابت ضرورية لا خلاف عليها يجب أن يتضمنها القانون الجديد وأهمها: تعميق وتأكيد مبدأ اللامركزية وبالذات للمحافظين وانتخاب المحافظين حتي يتولي الأفضل منهم من حيث الخبرة والكفاءة وحسن السمعة قيادة العمل التنفيذي للمحافظة. إطلاق حرية المحافظات في جو ديمقراطي رحب سيزيد من تعبئة الموارد المحلية وتنشيط دور المجالس الشعبية في ذلك الإطار إعادة توزيع الموارد بين المحافظات حسب أسس ومعايير اقتصادية بحتة إلي جانب معايير أخري قد تراها الحكومة المركزية إعادة النظر في تعديل الأقاليم الاقتصادية بما يلائم تعظيم مقومات التنمية بهذه الأقاليم, ويعطي للاستثمار حرية أكبر في امتداد مشروعاته بها لقد أجمع المحافظون علي أن القانون الحالي أصبح معوقا بالقطع للصلاحيات المنشودة لهم وللمجالس المحلية والتي أصبحت لا تتناسب مع مهام التنمية المطلوبة حاليا إن تغيير قانون الإدارة المحلية الحالي تأخر كثيرا حيث يقف المحافظون ومجالسهم المحلية مكتوفي الأيدي ولا يملكون صلاحيات حقيقية وأصبحوا غير قادرين علي مساعدة المواطنين لمحدودية سلطاتهم التي تحرمهم من حق تقديم بعض الخدمات لهم, ليس هذا فقط لعدم وجود اختصاصات بل لعدم المشاركة أيضا فيها. وستشهد المحافظات طفرة وانطلاقة حقيقية بدخولها عصر الاستقلالية الإدارية لدعم التنمية.. وحتي يتحقق هذا الهدف فلابد أن يأتي تعديل القانون الحالي ليؤيد دعم السلطات المحلية خاصة في مجال فرض الرسوم المحلية ليتمكن المحافظون من تنفيذ بعض المشروعات حيث إن ذلك لا يزال محظورا علي المجالس المحلية ممارسته. إن نجاح تجربة اللامركزية في دول العالم تغرينا باللحاق بها.. وقد نظم المجلس العالمي للخدمات المحلية مؤتمرا دوليا شاركت في أعماله العديد من الدول والذي أشارت من خلاله كل دولة إلي مدي نجاح تجربة اللامركزية فيها, وقصر اختصاص الحكومات المركزية علي رسم السياسة العليا والقضايا السيادية فقط.