تشهد محافظة أسيوط حملة تدمير شاملة لآثارها من القصور التاريخية التي كانت شاهدة علي عبق وثراء حقبة مهمة في فن المعمار في مصر, راح ضحيتها العديد من تلك القمم الفنية الراقية وكان من أشهرها قصر حبيب باشا شنودة وقصر الطب الشرعي بشارع الهلالي وقصر مدرسة باحثة البادية وصولا لقصر مبني الحزب الوطني الذي يتم تخريبه حاليا وفي طريقه للهدم وجميعها لا تقدر بثمن. ولكن الباعث علي هدم تلك القصور التاريخية هو الثراء بأي ثمن حتي وإن كان علي حساب التاريخ والقيمة الفنية لتلك الآثار والتي بدأت بقيام هؤلاء السماسرة بشراء تلك القصور بأسعار زهيدة وخاصة أنها غير مأهولة بالسكان وفيها أعداد كبيرة من الورثة لا تهمهم قيمة الأثر ولكن ما يهمهم حجم ما يجنونه من أموال مقابل بيع أنصبتهم فيها وهو ما يسهل عملية انتقال ملكية هذه القصور من ورثتها إلي أيدي مافيا العقارات في أسيوط.. يقول حسن محمود حسن محاسب: إن ما يحدث حاليا في محافظة أسيوط هو جريمة في حق التاريخ الذي كان شاهدا علي عظمة السابقين ممن شيدوا قصورا تاريخية تدل علي براعة المصريين في التشييد والبناء حيث تحولت هذه القصور إلي ركام بعد أن قام ملاكها ببيعها إلي مافيا العقارات ممن يدفعون ملايين الجنيهات في تلك القصور المهجورة لجني ملايين أكثر بعد تحويلها إلي أبراج شاهقة ومحلات تجارية ضاربين بكل القوانين والقرارات الأثرية عرض الحائط من خلال بعض الطرق الملتوية ويضيف عادل خليفة موظف أن مافيا العقارات مجموعة من رجال الأعمال ممن يقومون بالانقضاض علي الملاك الأصليين للقصور الأثرية ويقنعونهم بالبيع لهم بأبخس الأثمان حيث إن تلك القصور صادرة لها عدة قرارات بضمها للآثار أو كونها ذات تراث معماري وممنوع التصرف فيها بالهدم وهو ما يركز عليه هؤلاء المافيا وبالفعل يضطر المالك للبيع لهم لأنه غير مستفيد من القصر ومن هنا تبدأ مرحلة جديدة من النصب ولكن علي الدولة وليس المواطنين. ويستطرد عبد العزيز محمد محمود مهندس قائلا: إن هؤلاء التجار يقومون عقب استلامهم للقصر بالبدء الفوري في أعمال التخريب من خلال استخدام مواد كيميائية تضر بأساسات المباني وكذلك إغراقها بالمياه حتي تحدث تشققات بتلك المباني وعقب ذلك تبدأ مرحلة السماسرة وبعض الموظفين ممن يسهلون الإجراءات الورقية لتلك المافيا التي تتقدم في بادئ الأمر بتظلم ضد قرار ضم العقار للمباني ذات التراث المعماري لكونه آيلا للسقوط وبالفعل تشكل لجنة والتي تؤكد صدق كلامهم وعقب ذلك يلجأون إلي القضاء وطبقا للأوراق التي بحوزتهم يحصلون علي أحكام قضائية بإسقاط القصر من المباني ذات التراث المعماري ويحق لهم هدمه وعقب ذلك يتحول إلي مبني شاهق يتربح منه هؤلاء التجار ملايين الجنيهات التي تشعل الأسعار وهذه الواقعة حدثت منذ أيام مع قصر الحزب الوطني الذي سبق أن صدر له قرار رقم1117 لسنة2012 من رئيس مجلس الوزراء الأسبق بتسجيله ضمن المباني ذات التراث المعماري المتميز بالمحافظة وحظر هدمه وعقب قيام الملاك بهدم جزء من القصر قام رئيس الحي في حينها بتحرير محضر تخريب متعمد برقم153 لسنة2013 م ومحضر رقم117 إداري لسنة2013 م, ضد المضبوطين داخله ومالك العقار ورغم ذلك نجح مالك العقار الجديد في تنفيذ مخططه ويسعي حاليا لهدم القصر الأثري الذي يشهد علي تاريخ أسيوط. ويري عامر عبد اللاه موظف أن السبب في جنون أسعار العقارات بمدينة أسيوط يرجع إلي جشع مافيا العقارات وتغاضي مسئولي المحافظة عن مخالفاتهم حيث يقوم هؤلاء التجار ببناء واستبدال تلك القصور بأبراج شاهقة بالمخالفة لقانون الارتفاعات بأسيوط والذي ينص علي عدم البناء لأكثر من5 طوابق ويقومون هم ببنائها لأقصي ارتفاع يصل إلي12 طابقا ويبيعون متر الشقة سكني بسعر يتجاوز12 ألف جنيه والتجاري بسعر30 ألف جنيه أما المحلات التجارية فسعر المتر يصل إلي140 ألف جنيه وهو ما يوحي بحجم الملايين التي يجنيها هؤلاء الحيتان الذين يلهثون خلف مكاسبهم فقط دون النظر لأحوال البلد, أما خطأ مسئولي أسيوط فكان أفدح فبدلا من التصدي لعمليات التلاعب في قرارات الهدم قاموا بكارثة أفجع وهي توصيل المرافق للأدوار المخالفة من مياه وكهرباء وكان مسئولو الدولة يشجعونهم علي ارتكاب المخالفات. وأشار إسلام محمد متولي محام إلي أن أيدي التخريب امتدت لتطول سينما رينسانس التي تعد بمثابة المتنفس الفني الوحيد لأهالي أسيوط لعدم وجود أي دور عرض أخري بالمحافظة حيث قام مجموعة من التجار بشرائها والتحايل علي القانون كعادتهم ومخالفة تراخيص الهدم والبناء التي تنص علي ضرورة موافقة المجلس الشعبي المحلي والمحافظة علي تحويل النشاط الذي خصصت من أجله وهو من نشاط تجاري إلي سكني مثلما حدث في أرض مصنع الكوكولا التي تجمد العمل بها ولكن لأن ملاك السينما لهم طرقهم الخاصة في قضاء حوائجهم فنجحوا في الحصول علي رخصة هدم ليحرم أهالي أسيوط بفعل فاعل من التمتع بمشاهدة الفن المصري. من جانبه أبدي المهندس عبد الحكيم عبد الله وكيل وزارة الإسكان بأسيوط انزعاجه الشديد من انتشار تلك الظاهرة وخاصة أنه لا يمتلك من السلطات ما يعينه علي إيقافها أو التصدي لها, مشيرا إلي أن الأمر بأيدي وزارة الثقافة المنوط بها أن تقرر مصير تلك القصور الأثرية, مؤكدا أن الحل يكمن في ضرورة وضعها تحت الحراسة حتي تقرر الدولة ما تشاء تجاهها لوقف هذه المذبحة, فضلا عن ترميمها بشكل سريع حتي لا تتهيأ الظروف لهدمها والتخلص منها.