نسب إلي الدكتور فاروق الباز في برنامج تليفزيوني دعوته إلي قصر مجانية التعليم في مصر علي المرحلة الابتدائية. لم يتضح مما نسب إلي الدكتور الباز إن كان يعني مرحلة التعليم الأساسي بشقيها أم أنه يريد العودة إلي مراحل سابقة كان التعليم الابتدائي وحده يمثل فيها مرحلة الإلزام قبل أن ينضم التعليم الإعدادي إلي هذه المرحلة. مبررات الدكتور الباز أن المصروفات سوف تجعل الطالب يعرف قيمة العلم لأن التعليم ببلاش بيطلع شبان غير متعلمين جيدا.. فالشباب يخرجوا من الجامعة غير متعلمين جيدا لأنهم اتعلموا ببلاش. لكن الدكتور الباز لا يطرح دعوة إلغاء المجانية علي عواهنها فهو يري مثلا أن يكون التعليم الفني مجانيا وأنه إذا كان هناك دعم للمرحلة الثانوية فلتكن الجامعة بمقابل مع وجود منح للمتفوقين وأنه لا صلاح للعملية التعليمية إلا بالمدرس. ما قد لا يكون الدكتور الباز علي بينة منه أنه لا توجد مجانية تعليم في مصر إلا علي الورق شأنها شأن الدعم الذي لا يصل إلي مستحقيه وأن المجانية والدعمكالساقية الخربانة التي ترفع الماء من البئر ليعود الي البئر مرة ثانية فلا المياه جرت في القنوات الي الحقل لري الزرع العطشان ولا تمت إراحة الثور الدائر في الساقية دون جدوي. في مصر نحوا من19 مليون طالب منهم18 مليونا في مراحل التعليم العام المختلفة وهؤلاء جميعا باستثناء النزر اليسير منهم يتلقون دروسا خصوصية لدي المدرسين المفروض أن يقوموا بواجبهم التعليمي تجاههم في الفصول وهو ما لا يحدث منذ عقود. هذه الدروس الخصوصية تبدأ منذ قبول التلميذ في الصف الأول الابتدائي وقبل أن تطأقدمه أرض المدرسة إذ أنها تنتظم في شهر أغسطس وتستمر مع التلميذ حتي نهاية المرحلة الثانوية في التعليم العام. لو افترضنا أن المتوسط السنوي للدروسالخصوصية حتي نهاية المرحلة الثانوية ألف جنيه وهو رقم هزيل فمعني ذلك أن أولياء الأمور يدفعون18 مليار جنيه سنويا تذهب لجيوب المدرسين إضافة إلي الرسوم المقررة التي تفرضها الدولة.. يعني مجانية كده وكده. ميزانية التعليم تبلغ نحو95 مليار جنيه تمثل الأجور ومرتبات العاملين نحو85% منها والباقي يذهب إلي بناء المدارس وترميمها وطباعة الكتب وغيرها من مستلزمات العملية التعليمية. المعادلة التعليمية في مصر هي مدرس غير مؤهل يشكو من وضعه المعيشي ويلجأ للدروس الخصوصية فهو بذلك يحصل علي دخلين أحدهما من الدولة وأكبرهما من أولياء الأمور. ومدارس مكتظة الفصول تمنع المدرس الراغب في القيام بالعملية التعليمية كما ينبغي من واجبه. وتلميذ لا يتعلم شيئا في المدرسة ويبدأ يومه بالدروس الخصوصية قبل ساعتين من بدء الدراسة ولساعتين أخريين بعد انتهاء الدراسة وولي أمر طافح المر من أجل توفير أجر الدروس الخصوصية ودولة عاجزة عن إدراك أنه لا مستقبل لهذا الوطن غير تعليم جيد. كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة دول أخري كانت تأتي بعدنا منذ سنين محدودة سبقتنا وسبقت غيرنا لأنها أصلحت نظمها التعليمية وكانت جادة وحاسمة في مسعاها مدركة أن خلاصها في التعليم. المحصلة النهائية هي أنه لدينا تعليم بلا تعليم ولدينا خريجون بلا كفاءة وبلا معرفة ولدينا خريجو تعليم فني لا يحسنون شيئا ويضطر أصحاب المصانع إلي استجلاب عمالة أجنبية. كان الناس يصفون من لا يحسن من أمر نفسه وأمر الدنيا شيئا بأنه لا يميز بين الألف وكوز الذرة وأخشي أن هذا أصبح حال معظم أبنائنا المتعلمين.