يري كتاب ازدواجية الرؤية الصورة الفوتوغرافية في وسائل الإعلام عصر العولمة: دراسة تطبيقية علي احداث الحادي عشر من سبتمبر2001 انه من الخطأ الاعتقاد بأن جعل معركة بيرل هاربور هي المرجعية الوحيدة لاحداث سبتمبر. وانه قد تم تدبيره من قبل المحافظين الجدد في البيت الأبيض بنظرية المؤامرة وعلي نفس المنوال اعتبار ان هذه التوجه نابعا من طبيعة الثقافة الأمريكية في حد ذاتها, اذا كانت مرجعية بيرل هاربور حاضرة في الذهن في ذلك الوقت الذي حدثت فيه احداث الحادي عشر من سبتمبر وفرضت نفسها كمرجعية حقيقية في حين ان باقي الخيارات كانت محتملة ومتاحة فان ذلك يرجع إلي ان عام2001 كان هو عام الذكري الستين للقصف الذي تعرض له ميناء بيرل هاربور, لقد كان الأمريكان شديدي الانشغال باحتفالات ذكري بيرل هاربور منذ شهر يناير, فقد كان الاهتمام بالذكري الستين علي اغلفة الصحف وفي البرامج الاخبارية يفوق بمقدار30% الاهتمام بالذكري الخمسين, الربط بين رجال الاطفال رافعي العلم في أرض الحادثGroundZero وصورة رجال المارينز في جزير ايوا جيما كان نتاج المرجعية المسيطرة علي الواقع الأمريكي في تلك الفترة, فقد قام جيمس برادلي بنشر كتاب يشير إلي تلك الصورةflagsofourfathers وهو كتاب حقق نجاحا كبيرا وظل علي قمة المبيعات حتي يوليو2001 قبل ان يعاد طبعه منذ ذلك التاريخ, وتم تحويله إلي فيلم سينمائي من اخراج كلينت ايستوود في عام2006 في عام2001 كان الفيلم الساطع في تلك السنة هو فيلم بيرل هاربور وهو فيلم من انتاج استوديوهات والت ديزني استثمرت فيه مبالغ خرافية, خرج لدور العرض في30 مايو2001 اربعة اشهر قبل الاحداث, وهو ما ساعد علي استدعاء ذاكرة بيرل هاربور في المخيلة الأمريكية, وقد تجاوزت ميزانية الدعاية للفيلم دعاية فيلم حديقة الديناصورات1993 وتيتانيك1998 في هذه الوضعية يمكن لنا ان نتفهم لماذا كانت ذكري معركة بيرل حاضرة في ذهن كل الأمريكيين وقت وقوع احداث سبتمبر, وليس فقط في ذهن المحاربين القدماء الذين شاركوا في احداث الحرب العالمية الثانية, لكن الصور والفيديو الذي بث عن الأحداث من دخان وانهيارات لاتحيلنا مباشرة لصور الارشيف عن هجوم بيرل هاربور, بقدر ما تحيلنا إلي صور اعادة تقديمها من قبل سينما هوليوود المصممة مع دعم كامل من احدث ما وصلت إليه البشرية من تكنولوجيا الخدع السينمائية والمؤثرات البصرية, كل هذا يجعلنا نتفهم بشكل أكبر لماذا شعر البعض عند مشاهدتهم لاحداث سبتمبر علي الهواء بأنهم يشاهدون فيلما سينمائيا. حتي لايجنح البعض لاستخدام اكليشيهات محفوظة من نوعية الحقيقة تجاوزت الخيال أو لقد تنبأت هوليوود بالحدث قبل وقوعه, فان كليمان شيرو مؤلف الكتاب, يقدم لنا تفسيرا أكثر قبولا ومصداقية لهذا فهو يري أن السبب الحقيقي لتلك الظاهرة يرجع إلي ان الجرائد التي نشرت الصور الايقونية, المتشابهة لاحداث سبتمبر تنتمي لنفس المؤسسات الدولية لصناعة الترفيه والتي يمكن عدها علي اصابع اليد الواحدة.Bertelsmann,Viacom,corporation,News,Disney,AolTimeWarner في ظل تلك الظروف فعلي الأقل يكون منطقيا ان تقدم وسائل الإعلام التي تنتمي لمجموعة ديزني رؤية للحدث مرتبطة بفيلم بيرل هاربر الذي خرج للسينمات عدة اشهر قبل الحادث, ويحذو الأخرون حذوها, لقد كان انتشار الاستخدام الايقوني لبيرل هاربور وهو نتيجة طبيعية ومنطقية لوجود علاقة بين صناعة الترفيه وصناعة الأخبار. نعيش اليوم أكثر من قبل تلك الحلقة المفرغة, فقد شهدت سوق الصور المخصصة للصحف إعادة هيكلة في السنوات الأخيرة, ففي فرنسا اغلقت وكالات التصوير الصحفي المستقلة الشهيرة سيجما, جاما, سيبا ابوابها أو علي وشك, في حين ان وكالات التصوير التابعة لوكالات الانباء الصحفية, اسوشيتدبرس, وكالة الانباء الفرنسية رويتر تشهد ازدهارا ملموسا في السنوات الأخيرة فمن400 صحيفة حجم عينة الدراسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية زينت299 صحيفة صفحاتها الأولي بصور لاحداث11 من سبتمبر قدمتها وكالة اسوشيتدبرس وقامت نفس الوكالة بتزويد15 الف مشترك حول العالم بنفس الصور في112 بلدا مختلفا, وهذا مايفسر ان10% من الصحف الفرنسية وضعت علي غلافها صور رجال الاطفاء والعلم في ارض الحادث, والتي كان مصدرها وكالة الانباء الفرنسية, بالرغم من ان الشعب الفرنسي لايوجد في ذاكرته الجمعية اي اثر لمعركة بيرل هاربور, بما في ذلك جريدة ليبراسيون الفرنسية في طبعة13 ديسمبر بالرغم من ان افتتاحية الجريدة لم تشر من بعيد أو قريب لمعركة بيرل هاربور, هنا يمكن ان نعثر علي التفسير الأكثر منطقية ومصداقية, الذي يفسر تناقض احداث سبتمبر التي يتحدث عنها الكتاب. فندرة الصور المنشورة علي احداث سبتمبر لايرجع إلي اي نوع من الرقابة, سواء تلك التي تفرضها الدولة, أو رقابة رؤساء التحرير التي تعرف باسم الرقابة الذاتية, بل السبب هو رقابة اقتصادية ان صح استخدام هذا التعبير, فمعظم الصور المتكررة التي ظهرت في الصفحات الأولي لصحف العالم, ان لم تكن كلها, وردت من وكالات التصوير التابعة لوكالات الانباء العالمية.. وضعية هيمنة وسيطرة علي سوق الصور الصحفية. يقدم هذا الكتاب تحليلا اجتماعيا للصورة الصحفية عبر نموذج صور احداث الحادي عشر من سبتمبر2001 وتحليلا اجتماعيا ثقافيا لبنية وميول المجتمع الذي نشرت فيه الصورة الصحفية, كما يقدم الكتاب دراسة تكشف لنا عملية توحيد وجهات النظر والقولبة التي تمارسها العولمة الاقتصادية والمالية علي الصور الصحفيةوتأثيرها في الذاكرة الجمعية للمتلقي, لم يكن تقديم صورة الحادي عشر من سبتمبر يحيلنا لنفس مرجعية الذاكرة الجمعية في كل انحاء العالم بالرغم من ان الصور تقريبا هي نفسها, ولكنها استخدمت نفس الاستخدام, وطهيت بحساء هوليودي ليتم اطعام المتلقي بها وهي تحمل طعم مرجعية تاريخية يدركها من يذوقها جيدا, فأن لم تكن المرجعية الهوليودية فيلم بيرل هاربور, فأنها ستكون فيلم نهاية العالم الآن, من هنا تنبع الأهمية القصوي لكتاب كليمان شيرو الذي يحمل كتابه عنوان الصورة الفوتوغرافية في وسائل الإعلام عصر العولمة كعنوان فرعي, حيث يتم معالجة جميع الاحداث إعلاميا في الغرب بنفس الاسلوب. فعند وقوع الحادث الإرهابي في العاصمة الاسبانية مدريد يوم11 مارس2004 والذي وصفته الصحف بكونه(11 سبتمبر اوروبيا او اسبانيا) نشرت الصحف في جميع انحاء العالم صورة واحدة.. صورة الفجوة التي احدثها الانفجار في جدار القطار, ذهبت بعض الجرائد للتشبيه بين حادث القطار وصورة احشائه التي بدت للعيان ومشهد اختراق الطائرة لجدران البرج في الحادي عشر من سبتمبر.. لقد اصبح الحادي عشر من سبتمبر ايقونة مرجعية بدورة. قدم لنا الكتاب مفهوما جديدا لاستخدام الصورة الصحفية مع نظرية التناص الايقوني والتي للاسف لايتم استخدامها نظريا في تحليل الصورة بالرغم من ان تلك النظرية تستحق نظرة علمية متأنية, وضع تلك النظرية في الحقل العلمي والتحليلي يذكرنا بمصير العديد من النظريات التي تم استنباطها من خلال ظواهر مثل التعامل الإعلامي مع ظاهرة تسونامي في2004 أو تلك التي قدمها باربي زيليزير حول معالجة احداث يوجوسلافيا السابقة إعلاميا عبر استخدام العذابات اليهودية خلال الحرب العالمية الثانيةshoah كمرجعية لتلك الاحداث وكذلك كان الأمر مع المعالجة الصحفية للمذبحة في رواندا, الإعلام يلجأ إلي مرجعية تاريخية في الذهن الجماعي لافراد مجتمع معين من أجل تعضيد وجهة نظره, واحتكار صناعة الأخبار تسيد وجهة النظر تلك عالميا.. ليست هناك اخبار محايدة حتي لو لم تكن هناك نظرية للمؤامرة خلفها أو توجه ايديولوجي او سياسي وهذا الكتاب لخير دليل. [email protected]