يؤكد كتاب( ازدواجية الرؤية الصورة الفوتوغرافية في وسائل الإعلام عصر العولمة: دراسة تطبيقية علي أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001) علي أن عناوين الصحف ومعاني الصور كانت تقدم لنا ضمنيا كارثة9/11 علي أنها بيرل هاربور جديدة. بنحو مبرمج يحيل أذهانا للربط بين اليومين والحدثين. ويؤكد الكاتب علي تلك النقطة بقوة, ويري أن الأمر مجرد تحليل منطقي لمفردات عينة البحث, فالأمر كان بمثابة فكرة مسيطرة علي جميع الصحف في اليوم التالي لأحداث سبتمبر, وهو ما يفسر سيادة صور الانفجارات والانهيارات لبرجي مركز التجارة العالمي في قلب الدخان والغبار.. فقد أرادت الصحف أن تذكرنا بقصف ميناء بيرل هاربور. لقد تكررت نوعية صور أحداث سبتمبر المنشورة في الصحف تلك, من أجل تكرار مشهد أخر في ذهنية القاريء. لقد جاءت الصور المنشورة لتوجد الإحساس بأننا شاهدنا تلك الصور من قبل أو كما يقول الفرنسيون(de'ja`-vu) لقد شهدنا هذا من قبل, وبالتحديد كان هذا هو مفتاح النجاح لصورة توماس فرنكلين(GroundZeroSpirit) روح أرض الدمار), والتي نري فيها ثلاثة جنود من رجال المطافئ وهم يرفعون العلم الأمريكي مكان الحادث فوق الركام. تلك الصورة تكررت بما لا شك فيه صورة أخري محفورة في التاريخ الأمريكي(JimaaisringtheFlagonIwo) والتي صورها جو روزنتال والتي نري فيها ستة جنود من جنود المارينز يرفعون نفس العلم الأمريكي علي قمة هضبة سوريباشي الموجودة علي جزيرة إيوجيما من بعد دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية الحرب كرد فعل علي الهجوم الذي تم علي أراضيها في موقعة ميناء بيرل هاربور من قبل القوات اليابانية. وقد اعترف توماس فرنكلين نفسه بأنه فكر في تلك الصورة عند التقاطه لصورة رفع العلم وسط أنقاض انهيار البرجين. كل من الصورتين تم توزيعهما من قبل وكالة أنباء أسوشيتد برس, محققتين نجاحا رهيبا عند توزيعهم وإعادة إنتاجهما في أشكال مختلفة من المنتجات المشتقة وصلت إلي حد صنع تماثيل مجسمة للصورتين. بل إن صورة رجال الإطفاء الثلاثة صنع منها تمثال شمعي ليوضع في متحف الشمع الشهير مدام توسو في فرعه الموجود بنيوريورك. كانت الصورتان متلازمتين في الكثير من الأحيان( علي سبيل المثال في جريدة الصن الصادرة بتاريخ13 سبتمبر2001, أو حتي في لعبة تكوين الصور للأطفالPuzzle التي كان يتم بيعها من قبل شركة تي دي سي للألعاب في2002). بل وصل الأمر إلي القيام بعملية تهجين بين الصورتين من خلال تماثيل صغيرة كانت تباع, وفيها رجال الإطفاء يرفعون العلم بنفس الطريقة التي رفع بها جنود المارينز العلم علي جزيرة أيوجيما. يقدم باتريس شيرو مؤلف الكتاب مفهوما نظريا عن تلك الظاهرة استنبطه من تحليله لها, يطلق عليه التناص الأيقوني وهو أمر مماثل للتناص الأدبي, أو ما يعرف بالعلاقة التبادلية بين نص أدبي وآخر حيث يمكن وجود فعلي لنص أدبي داخل نص أخر. وفقا لهذا المفهوم فأن صور بيرل هاربور كانت موجودة في صور نيويورك. فهي تثير في المخيلة الأحداث التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر في نفس الوقت الذي تذكر بالأحداث التاريخية لبيرل هاربور. لكن هذا التناص الأيقوني ليس ميكانيكيا ولا يحمل في طياته معني واحدا في كل الأماكن, فما هو يبدو أمر واضحا في الولاياتالمتحدةالأمريكية لا يكون بنفس الدرجة في أنحاء أخري من العالم. فقراءة أحداث الحادي عشر من سبتمبر كتكرار لموقعة بيرل هاربور لم تكن فعالة في أوروبا, حيث لا يمكن الربط السهل بين الواقعتين. بالتأكيد لقد تشابهت الصور المنشورة في الصفحات الأولي للجرائد الفرنسية مع مثيلتها من صحف الولاياتالمتحدةالأمريكية, ولكن توزيعاتها كانت مختلفة: عدد أقل من صور انفجار الطائرة بالبرج الثاني( فقط5% مقابل41% في الولاياتالمتحدةالأمريكية) وصور أكثر للدمار والخراب الذي خلفه الحادث(30% أكثر في الصحف الفرنسية لصور الدخان والأتربة المتصاعدة). لم يتم الربط في الصحف الأوروبية بين صور الدخان والانهيارات والذكري التاريخية لمعركة بيرل هاربور, بل بالأحري بين الحادث وبين مدن أخري تم قصفها وتدميرها عبر التاريخ في مقدمتها هيروشيما ونجازاكي. في نفس الوقت تم الربط أحيانا بين صور الجمهور المذعور الذي يجري هلعا في شوارع منهاتن السفلي مع خلفية من الدخان و الأتربة الناتجة عن انهيار البرجين, وبين الصورة الشهيرة التي التقطها نيك أوت في8 يونيه1972 في فيتنام حيث نري فيها فتاة صغيرة تجري هربا من القرية الفيتنامية( ترانج بانك) وهي تبكي من بعد قصفها بالنابالم من قبل الطائرات الأمريكية أثناء الحرب الفيتنامية. كما أن الكتاب يذهب بعد من هذا عندما يطبق مفهوم التناص الأيقوني بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر, حين يؤكد أن الجريدة البلجيكيةDeMorgen وكذلك مجلةFigaro الفرنسية الصادرة في11 أكتوبر2001, جاء خيارهم في تصميم صفحاتهم الأولي بأسلوب يذكرنا, أو يحيلنا بالأحري, لأفيش فيلم(ApocalypseNow) نهاية العالم الآن وهو فيلم المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا والذي يعد أهم فيلم سينمائي عن الحرب الفيتنامية. يري الكتاب في هذا( التناص الأيقوني) الأوروبي الذي يستدعي ذكريات الحرب الفيتنامية والمدن التي تم قصفها من قبل الأمريكان خلال القرن العشرين, أسلوب يلمح بأن هجمات سبتمبر علي مدينة نيويورك هي تابعيات ونتاج جرائم العذاب والألم التي أقترفتها الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد شعوب العالم, أي شكل من إشكال رد الصاع صاعين ومن زرع يحصد وأن ذلك انتقام من السماء. من الممكن تفسير هذا التوجه الأوروبي علي انه نداء من اجل( التروي في رد الفعل), موقف أوروبي يميل للسلام أكثر منه دعوي للحرب. من مميزات هذا الموقف الأوروبي في حد ذاته بيان مدي سلبية عملية التناص الأيقوني الأمريكية والتي ربطت رمزيا بين الحادي عشر من سبتمبر وبيرل هاربور متناسية كل الجزء الثاني من القرن العشرين والحروب التي تم نشوبها في تلك الفترة, وهي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي اقترفت فيها الولاياتالمتحدة أشنع الجرائم. ولكن العكس هو ما حدث في الولاياتالمتحدة فقد ساهم الربط بين الأحداث وذكريات بيرل هاربور( التي توصف بأنها الحرب العادلة), بما لا شك فيه, في حشد الرأي العام الأمريكي حول القيام برد عسكري حاسم وقاس علي أحداث الحادي عشر من سبتمبر, والذي انتهي كما نعرف بدخول أفغانستان والعراق. [email protected]