وبالتالي من الممكن أن تلعب الأشياء الصغيرة التي قد يعتبرها البعض تفاهات دورا في الوعي الجمعي للجمهور سواء من أجل الثورة و تغير النظم أو حتي من أجل استمرار الأوضاع. الكتاب الذي سنتقدم بعرضه اليوم يوضح لنا كيف يمكن أن تلعب الصورة الصحفية المستقاة من ثقافة سينمائية أو من حوادث تاريخية يعلمها الجموع من خلال تاريخهم في تشكيل الخطاب الصحفي السائد إبان أزمة معينة, و ذلك دون أن تكون هناك مؤامرة علي وعي الجمهور أو السعي لتوجيهه نحو اتجاه معين, و لكن فقط لأن الرجوع لوقائع تاريخية يعلمها الجمهور أو أفلام سينمائية شاهدوها تجعل من خطابنا أكثر شعبية و قربا لدي المتلقي, و هو ما سيجعل من خطابنا أكثر انتشارا و بالتالي من صحفنا أكثر توزيعا. بالطبع نحن لا ننفي وجود الأعلام الموجه أو الغير محايد, الكتاب الذي نحاول عرضه يوضح مدي الخلل في الاختيارات للصورة الصحفية التي ستؤثر بدورها في المتلقي دون أن تكون هناك مؤامرة, فما بالك لو هناك حملة موجهة لتوجيه الرأي العام؟ الصورة سواء كانت صحفية أو سينمائية أو وثائقية نضيف إليها الصورة الإليكترونية عبر الإنترنت) هي السيد المسود في مستقبل نظريات تشكيل الوعي الجمعي لدي الجمهور( إن لم تكن قد بدأت عملها منذ أكثر من عقدين و يتم رصدها في عالمنا العربي متأخرا). الكتاب الذي سيتم عرضه يحمل عنوان:-' ازدواجية الرؤية' الصورة الفوتوغرافية في وسائل الإعلام في عصر العولمة: دراسة تطبيقية علي أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001,:- تأليف كليمان شيرو. ClmentChroux,Diplopie.L,imagephotographiquel?redesmdiasglobaliss:essaisurle11septembre2001,Cherbourg-Octeville,LePointduJour,.2009 أحداث الحادي عشر من سبتمبر تلك الأحداث التي هزت العالم في بداية القرن الواحد و العشرين, و التي لا نبالغ أن اعتبرناها أهم أحداث القرن بالرغم من كوننا مازلنا في بداية هذا القرن الجديد, و الذي مازالت تخبئ لنا صفحاته الكثير من الأحداث, بالرغم أنه مع بداية هذا القرن الجديد شاهدنا في العقد الأول منه أحداث جسام مثل الأزمة الاقتصادية العقارية التي مازال العالم يعاني من أثارها المدمرة أو تسونامي, إلا أن أحداث البرجين مازالت تلقي بآثارها علي هذا القرن الجديد. بالرغم من أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي واحدة من أكثر الأحداث التي تم تصويرها في التاريخ, ألا أن الصور التي شهدناها عن تلك الأحداث لا تتجاوز العشرات من الصور. وجدناها تتكرر في كل المطبوعات حول العالم! ما هي الأسباب الفعلية لذلك ؟ هذا ما يحاول كليمان شيرو تفسيره لنا عبر دراسته التي قدمها من خلال هذا الكتاب. شيرو أستاذ تاريخ الصورة ومسئول فن التصوير بمركز جورج بومبيدو الثقافي بالعاصمة الفرنسية باريس. تحاول الدراسة توضيح ما أسمته( تناقض الحادي عشر من سبتمبر), الكتاب يحمل عنوانDiplopie و الذي ترجمناه بتصرف( ازدواج الرؤية) حيث إنه تعبير مقتبس من مفردات طب العيون, و هو يحدد الحالة التي تصيب عين المريض تجعله يري الصورة مزدوجة, حيث يري المريض صورة مزدوجة للعنصر الواحد. يعكس هذا التعبير أو المصطلح ما يحاول الكتاب بحثه و القضية محل الدراسة, و هو ما تم من خلال إقامة المؤلف في الولاياتالمتحدة و ممارسة العمل البحثي في جامعة برينستون, حيث قام بدراسة المطبوعات الصحفية الأمريكية و العالمية التي صدرت يومي11 و12 سبتمبر2001, لمحاولة تفسير لماذا عندما نتابع الصور المنشورة في المطبوعات الصحفية عن أحداث سبتمبر, يتولد لدينا الإحساس بأننا مثل المريض الذي تعاني عيناه من مرض(Diplopie) ازدواج الرؤية؟ هذا الانطباع يولد داخل المتابع نوعين من الشعور, أحدهما الإحساس بأننا في دائرة مغلقة حيث نشاهد نفس الصور كل مرة, و الآخر الإحساس بمشاهد تلك الصور من قبل, أو وفقا للتعبير الفرنسي المعروف و المستخدم عالمياdj-vu? شوهد من قبل. يوضح الكتاب بدء ذي بدء أن الدراسة التي يقوم بها تختلف كل الاختلاف عن الدراسات و الكتابات التي صدرت عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر, حيث إن الكتاب لا يهتم بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر و ما حدث فيها, و لا حتي المعالجة الصحفية عبر الوسائط المختلفة لتلك الأحداث.. و لكنه يهتم فقط بدارسة الصور الفوتوغرافية التي تم نشرها عن هذا الحادث, و بالتالي فإن المعالجات التليفزيونية للحدث, و نقل الأحداث علي الهواء لحظة بلحظة( بما فيها مشهد انهيار البرج علي الهواء مباشرا), ليست محل الدراسة في هذا الكتاب حتي و إن تمت الإشارة إليها في بعض مواضع الكتاب. يحاول كليمان شيرو من خلال كتابه شق طريق مختلف عن ذلك الذي سلكته العديد من الكتب محاولة توضيح ما حدث أمامنا علي الهواء مباشرا يوم11 سبتمبر2001 في مركز التجارة العالمي, فهو يحاول فقط تحليل طبيعة صور ما شهدناه لما حدث في ذلك اليوم. بعد مرور خمس سنوات علي أحداث الحادي عشر من سبتمبر, من خلال مراسم الذكري السنوية الخامسة للحادث, افتتحت رابطة أهالي الضحايا في منطقة الحادث(GroundZero) متحفا صغيرا لذكري الحادث و ضحاياه. في إحدي صالات هذا المتحف كان يمكن للزوار أن يكتبوا كلمة في دفتر خاص في ذكري الضحايا, تم الاحتفاظ بكل الرسائل التي كتبت, و البعض منها تم تكبيره و عرضه علي الملأ في نفس الصالة. أعلن الكثيرون من خلال تلك الرسائل عن عدم تصديقهم لما شاهدوه من خلال وسائل الأعلام عن تلك الأحداث. تكررت عبارات مثل' لم اصدق عيني',' كأننا أمام مشاهد سينمائية',' بدا الأمر و كأنه فيلم خيال علمي متواضع'. بل إن البعض اعترف بأنه لم يصدق فعليا أمكانية حدوث هذا ألا بعد زيارة منطقة الدمارGroundZero و زيارة هذا المتحف, ليدرك مدي المأساة التي حدثت. وضح ذلك من خلال تعليق مثل( قبل المجيء هنا لم أدرك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر تعد كارثة إلي تلك الدرجة). يري الكتاب أن هذا هو نتاج تولد حالة من الصدمة الذهنية( تعطل الإدراك وقتيا), نتيجة لمشاهدة سلسلة من الصور المتشابهة في التليفزيون. يذهب الكتاب إلي أبعد من أن الصور المسيطرة علي أخبار الحدث و تكررها نفسها في العديد من وسائل الأعلام أدي إلي عدم التقدير الفعلي لمدي الكارثة التي يمثلها الحدث في ذهن الكثير من المواطنين الأمريكيين, عندما يقول إن صور الضحايا, و الجرحي, و صور الأشلاء كانت شديدة الندرة في كل وسائل الاعلام. لقد سيطرت علي الحدث و قبل أي شيء صور الكتل الخرسانية و قضبان الحديد التي خلفها الدمار مع صور الدخان و اللهيب المتصاعدين, بالإضافة لصور السحب الترابية الناتجة عن انهيار المباني و تراجعت صور الضحايا من البشر.