مجلس الوزراء يوافق على إنشاء «المجلس الوطنى للتعليم والبحث والابتكار»    استقبال 10 سفن بميناء دمياط خلال 24 ساعة    تخصيص أرض الممشى السياحيّ بين المتحف المصري الكبير وهضبة الأهرام    محمود مسلم: اتهامات الصحف الدولية لمصر بشأن صفقة وقف إطلاق النار "سخيفة" (فيديو)    "بيع الحشيش وسط الشارع".. حبس "ديلر" جديد في المرج    لتفادي أى طارئ.. «السكة الحديد» تعلن تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط (تفاصيل)    محمد صبحى: تقدم الجامعات المصرية بالتصنيفات الدولية بلورة لتوجيهات القيادة السياسية    أحمد أيوب ل"هذا الصباح": ثبات موقف مصر تجاه فلسطين أقوى رد على أكاذيب إسرائيل    البطل التاريخي.. 6 مباريات رسمت طريق مانشستر سيتي نحو لقب الدوري الإنجليزي    وزير الصحة يفتتح الدورة التدريبية عن «الإدارة المعاصرة»    أصول البنك المركزي المصري تقترب من 6 تريليونات جنيه بنهاية أبريل    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بورسعيد    الشركات توقفت عن إنتاج ألف صنف دوائي والمرضى لا يجدون العلاج في زمن الانقلاب    باحثة سياسية: دور أمريكا أساسي لترسيخ الاعتراف بالدولة الفلسطينية    مصدر مصري رفيع المستوى يستنكر الاتهامات المغرضة للأطراف الوسيطة في أزمة غزة    البنوك الرقمية تُحدث نقلة نوعية في القطاع المصرفي المصري    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    "لحصد المزيد من البطولات".. ليفاندوفسكي يعلن البقاء في برشلونة الموسم القادم    هاني شكري: الكاف المسؤول عن تنظيم نهائي الكونفدرالية ونتمنى فوز الأهلي بدوري الأبطال    كيفية الحفاظ على كفاءة التكييف في فصل الصيف    تطهير شبكات ومواسير المياه بقرية الأبطال في الإسماعيلية    «المالية»: نصف مليار جنيه تمويلًا إضافيًا لدعم سداد أجورالعاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بالمحافظات    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل ابن زوجته بالقليوبية    ترقب المصريين لموعد إجازة عيد الأضحى 2024: أهمية العيد في الحياة الثقافية والاجتماعية    انتقاما من والده.. حبس المتهمين بإجبار شاب على توقيع إيصالات أمانة بالمقطم    المتحف القومي للحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    غادة عبد الرازق تعود للسينما بعد 6 سنوات غياب، ما القصة؟    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    لمواليد برج القوس.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    « وتر حساس » يعيد صبا مبارك للتليفزيون    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    لمدة يومين.. انطلاق قافلة طبية إلى منطقة أبوغليلة بمطروح    قمة عربية فى ظروف استثنائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    سيدة «المغربلين»    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    5 نصائح غذائية للطلاب خلال فترة الامتحانات من استشارية التغذية    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    الحكومة العراقية تطالب بإنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي»    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذئاب في ثياب حملان.. قصة الاصولية الأمريكية
نشر في نهضة مصر يوم 30 - 08 - 2006

"من ليس منا فهو مع الإرهاب" كلمة اطلقها بوش عشية 11 سبتمبر، وبها أيضا بدأ الكاتب والباحث المصري إميل أمين رحلته مع الفكر الأصولي الأمريكي وذلك في كتابه ذئاب في ثياب حملان "مختصر قصة الأصولية الأمريكية".
وخلال تلك الرحلة يحاول الكاتب إثبات صحة الفكرة التي ينطلق منها، وهي أن هناك منظومة فكرية خاصة تربط بين القرارات السياسية الأمريكية الآن وممارستها الداخلية والخارجية ، وهي منظومة أصولية متطرفة قديمة جاءت إثر الاختراق اليهودي لأحد أوجه الفكر المسيحي الاوروبي قبل قرنين من الآن علي يد الاصلاحي الديني مارتن لوثر.
يبدأ الكاتب عرضه الأقرب إلي الروائي مع عصر الإصلاح الديني في أوروبا وأفكار لوثر التي أوجدت البيئة المناسبة لتحقق هذا الاختراق اليهودي المقصود وميلاد هذا الفكر اليميني المتطرف، فمن ألمانيا في أواسط القرن 16 أطلق لوثر صيحته ضد سيطرة الكنيسة البابوية وطالب بالإصلاحات الدينية وتفعيل دور الكنائس الوطنية وعدم اقتصار تفسير اللاهوت علي الرهبان البابويين، وبرغم ما اشتهرت به تلك الحركة وأهدافها من ثورة صحيحة وبداية للنهضة الأوروبية إلا إنها لم تسلم ككل التاريخ البشري من المآرب الأخري واخطر تلك المأرب جاء بفتح ملف اليهود وهو ما كان أشبه بفتح القمقم وخروج المارد منه.
وقبل التعرف عما نادي به لوثر يلقي الكاتب نظرة علي وضع اليهود آنذاك فيشبر إلي احتفالات المسيحيين بذكري صلب المسيح والتي اعتادوا خلالها إحضار يهودي أثناء الصلاة وقيام احد النبلاء بصفعه علي وجهه أمام الجميع إحياء لذكري الضرب والاهانات التي تعرض لها المسيح كما تقول العقيدة الكاثوليكية، وقد كثرت في تلك الفترة أشكال الاضطهاد ضد اليهود وانتشرت إدعاءات تقول إنهم يخطفون أبناء المسيحيين لعمل تعويذات شريرة من قلوبهم وقد مهدت تلك الاتهامات وغيرها لتكوّن رأي عام ضد اليهود وصل لمطالبة اهالي اسبانيا بقيادة الملك فردينا بإجلاء اليهود غير المعمدين عن أوروبا، مما اضطر بعضهم للهرب أو التعمد قسراً .
ومن داخل تلك النظرة المجتمعية الدونية لليهود جاءت دعوة لوثر الجديدة في كتابه "المسيح ولد يهودياً" (وهو السند الأول الذي يعتمد عليه المحافظون الجدد الآن)، وأدان في كتابه تلك المعاملة التي يتلقاها اليهود ووصفها بأنها معاملة كلاب لا بشر وكتب "قبل إن نتفاخر موقفنا بجب أن نتذكر أننا مجرد امميين أما هم فإخوة للرب وأقاربه" وقال أيضا "إننا كالكلاب اي المسيحيين الذين ليس لهم مكان إلا تحت المائدة لالتقاط الفتات الذي يتساقط من علي موائد أربابنا اليهود وهو أمر طبيعي قدّرته المشيئة الإلهية منذ القدم فهم السادة ونحن العبيد"، هكذا ساهم لوثر في خلق صورة مغايرة تبناها العديدون كإحدي أفكار لوثر التي كانت بمثابة طوق النجاة لهؤلاء ممن يعانوا حالة اقتصادية واجتماعية متردية داخل أوروبا، إلا أن التأثير الأكبر والأخطر لأفكار لوثر تمثل في خلق موقف كنسي من اليهود واليهودية ينافي العقيدة الكنسية الكاثوليكية القديمة، والتي أنكرت علي اليهود حقهم المزمع في العودة إلي أورشليم القدس وذلك لأنهم طردوا منها وشتتوا في العالم بسبب رفضهم للمسيح وبهذا انتهي إلي الأبد فكرة الأمة اليهودية، والمبدأ الكاثوليكي ينكر علي اليهود أيضا اي مستقبل جماعي في ارض فلسطين ويري ان خلاصهم الروحي الوحيد ليس بالعودة إلي اي مكان ولكن بالارتداد إلي المسيحية ليكونوا قادرين علي مقابلة المسيح مرة ثانية، أما المقولة شعب الله المختار فقد كانت الكنيسة البابوية القديمة تنظر إليها نظرة روحية وتري أن الكنيسة المقدسة هي شعب الله المختار الذي حل محل الشعب العبراني الذي حلت عليه اللعنة.
انقلب لوثر علي حلفاؤه ووضع كتاب آخر هو "اليهود واكاذبيهم" ودعا فيه إلي نبذ اليهود وطردهم لأنهم كذابون ولا يستطيعوا إلا الكذب، إلا أن تلك الكلمات وبالرغم من مجيئها في سياق الذم عادت عليهم بالنفع حيث قال "ما الذي يحول بين هؤلاء اليهود والعودة إلي أرضهم" لا احد.. إننا سنزودهم بكل ما يحتاجون إليه في رحلتهم لا لشيء إلا لنتخلص منهم أنهم عبء ثقيل علينا وبلاء وجودنا.
أوروبا في ثوب جديد
هناك قاعدة عامة تقول الدعوة وخاصة الدينية منها وفي الظروف المجتمعية الصعبة تسري سريان النار في الهشيم، وقد نجحت كلمات لوثر في خلق صورة ذهنية جديدة تصور اليهود علي أنهم جماعة مقدسة وان عودة المسيح لن تأتي إلا بعمل المسيحيين علي عودة أقارب الرب وهم اليهود إلي ارض الميعاد وهي فلسطين، وبهذا كما يقول الكاتب يتحمل لوثر المسئولية التاريخية والدينية لنشأة هذا الفكر اليهو مسيحي.
وقد أدرك اليهود خطورة تلك الفكرة جيداً وبدءوا في الإعداد لإحياء حلمهم القديم، فعملوا هم وأتباع لوثر علي نشر هذا الفكر حتي انخرط مع قائمة الأفكار المتصارعة داخل أوروبا عصر النهضة، فشهدت علي مدار قرنين اقتتال حاد بين رجال المذهب الكاثوليكي وأنصار المذهب اليهومسيحي الجديد وبالرغم من قوة مقاومة الكنيسة البابوية والنظام القديم استطاع المذهب الجديد الانتشار لسبب اساسي هو ارتداؤه لثوب الثورة والإصلاح ، وجاء الانتصار الأكبر بنشأة جماعة البيورتاريين أو المتطهرين في الجزر البريطانية وهم من واجهوا النظام الملكي وهاجموا المذهب الكاثوليكي وعملوا علي إحياء اللغة العبرية واستدعاء الشخصيات التوراتية، والاهم من ذلك نجح هؤلاء في جعل مقولات العهد القديم هي المصدر الأول للمعلومات التاريخية لعامة أوروبا، وساعد اختراع المطبعة ٍعلي انتشار ذلك الفكر في كافة أرجاء أوروبا.
النبوءات القاتلة
نجح ذلك الفكر علي مدار الأيام في غرس فكرتين وصفها بأنها نبوءات قديمة هامة جاءت بالعهد القديم، وقد استطاعت تلك النبوءات استنشاق الحياة مرة ثانية والنمو لتصبح الآن الأساس الفكري للحاكمين الآن في البيت الأبيض.
المقولة الأولي كانت "معركة هرمجدون" وهي مصطلح عبري يتكون من كلمتان الأولي تعني جبال والثانية وهي مجدو تعني فلسطين، وتتحدث تلك النبوءة عن معركة كبري تنشأ بين قوي الخير والشر في العالم وعلي المسيحيين المؤمنين الإعداد لتلك المعركة وحشد قواهم لدعم إخوة الرب في ارض الميعاد.
المقولة الثانية او المكافأة هي نبوءة "الملك الالفي السعيد"، فقد جاء في إحدي نصوص العهد القديم وبالأخص في سفر الرؤيا ليوحنا اللاهوتي ما يلي "رأيت عروشاً منح الجالسون عليها حق القضاء ورأيت نفوس الذين قتلوا في سبيل يسوع قد عادوا إلي الحياة وملكوا مع المسيح ألف سنة تلك هي القيامة الأولي".
يقول الكاتب أخذت تلك الأفكار والنبوءات تختمر في رؤوس أصحابها إلي أن جاءت الفرصة الحقيقية واكتشفت الاراضي الأمريكية فوجد بها الأصوليون ضالتهم وانطلقوا إليها معتقدين أنها ارض الميلاد الجديد وهم الورثة الشرعيون.
الورثة الشرعيون
سارعت الجماعات اليهودية والمتطهرين البريطانيين بالهجرة إلي الأرض الجديدة، وسريعا ظهرت نتائج ما نشروه من أفكار، فمع بداية نشأة الدولة تم تشكيل خاتم الاتحاد وقد احتوي علي النجمة السداسية اليهودية مكونة من ثلاث عشر نجمة الممثلة ل13 ولاية.
وبرغم تلك البداية القوية وقع الأمريكيون الأوائل بنفس مأزق أبيهم لوثر، فحين بحثوا عن مثال اليهودي العبراني لم يجدوه إلا في أدمغتهم ووجدوا بدلاً منه صورة التاجر اليهودي شيلوك المرابي مما زج بهم إلي نفس موقف لوثر ولقد تطور الأمر ليجتمع رجال الأعمال الأمريكيون حول رأي واحد هو أن اليهود بلا أخلاق، وقال رجل الصناعة الأول آنذاك بلاكستون "ما الذي سنفعله حيال اليهود ولم لا يعطون فلسطين فطبقاً لتوزيع الرب للأرض علي الأمم تبقي فلسطين خالصة لهم"، وبهذا تكونت طبقة يصفهم الكاتب بالملكيين أكثر من الملك آو الصهيونيين أكثر من الصهاينة .
البيت الأبيض والاختراق اليميني
رأي رجال الفكر اليميني الجديد في البيت الأبيض الوجهة النهائية لمقاليد الأمور، ومن ثم رأوا ضرورة السيطرة الأيدلوجية عليه، وقد بدأ العمل بالفعل فوق المائدة المستديرة ويرصد لنا الكاتب بعض من مظاهر هذا التأثير مهما كانت اتجاهات الرئيس الامريكي، والبداية مع جورج واشنطن الذي وصف بالمتدين إلي حد الهوس، وقد تجلت آمال واشنطن في رسالة وجهها ليهود أمريكا قال فيها "آمل أن يظل الرب صانع المعجزات الذي خلص العبرانيين في الأزمة القديمة من غي المضطهدين المصريين وزرعهم في ارض الميعاد أن يحميهم في ظل السماء وان ينعم يهوه علي كل الولايات بالبركات"، أما الرئيس جيمس إبرم فقد عين في عام 1881 مستر سيمون اليهودي قنصلاً عام للولايات المتحدة في مصر وقال في حفل تعيينه "انه سعيد لكونه عين سلسل الشعب الجليل الذي استبعد من مصر قديماً مبعوث دبلوماسي لذلك البلد من الأمة الحرة العظيمة أمريكا"، وفي عام 1819 أرسل الرئيس ولسون برقية رسمية إلي زعيم الصهيونية الأمريكية الحاخام ستيفن دانير تضمنت أول تصديق علي وعد بلفور، ومع نشوب الحرب العالمية الأولي بدأ هذا الفكر في جني المزيد فقد جاء في بيان صادر عن الكونجرس تعليقاً علي توقيع بلفور " كما خلص موسي الاسرائليين من العبودية فإن الحلفاء الآن يخلصوا اليهود من أيدي الأتراك القبيحة وهي الخاتمة الملائمة للحرب"، ومن الحرب الأولي للثانية، حيث تعتبر الفترة من حكم أيزنهاور وحتي ريجان هي المفصل الرئيسي بجسد الأصولية الأمريكية، فقد وجد هذا الفكر في رجال الحزب الجمهوري خير حليف ، فالجمهوريون وإن اتفقوا مع الديمقراطيين في الهوس بما يسمي بالإمبراطورية الأمريكية إلا أن هؤلاء وعلي مدار فترات حكمهم وجدوا أن الطريق الأسرع لتحقيق أهدافهم يبدأ من جدران البنتاجون ومع طلقات مدفعه.
ودلائل هذا عديدة يبدأها الكاتب مع مقولة أيزنهاور "السيطرة علي أمريكا الآن تتم من خلال معسكرين، أما الأول هو المعسكر الصناعي اي الشركات العملاقة التي ركزت صناعتها علي الآلة العسكرية الأمريكية والثاني هو الأيدلوجية اليمينية التي تري في التواجد الروسي بالعالم الآن المثال الحي للشر الذي لابد للمملكة الخير أمريكا من مواجهته".
وفي تلك الفترة الممتدة حتي أوائل التسعينيات شهدت أمريكا نشأة العديد من المؤسسات اليمينية التي أخذت تتوغل داخل المجتمع معتمدة علي تفسير الأحداث تفسيراً حرفياً لما جاء فيما يسمي بنبوءات العهد القديم، ويشير الكاتب إلي أن تأثير تلك المؤسسات وقد كانت اغلبها ذات نشاط اجتماعي ظهر جلياً في حدثان هامان، الأول هو نكسة 67 حيث انتشرت رؤية فحواها أن انتصار اليهود علي جاراتها العرب في ستة أيام هو عمل من أعمال القوة الممنوحة لهم من الرب وان علي المسيحيين المؤمنين الاستمرار في دعم اليهود انتظار للميلاد الثاني للمسيح ، أما الحدث الثاني كان هزيمة فيتنام فأشاع ذلك اللوبي أن تلك هي رسالة للشعب الامريكي الذي ابتعد عن الرب ليراجع حساباته الدينية وان عليه العودة للالتصاق باليهود ليستمد من الدفء الإلهي.
بسقوط الاتحاد السوفيتي بدأ الحلم الامريكي يفرض نفسه بقوة علي عقول أصحابه وكأن الفرصة قد حانت لإرساء الإمبراطورية الكبري العالمية، ففي 1991 قام ديكي تشيني وكان يشغل آنذاك منصب الدفاع في أدارة بوش بتشكيل لجنة أفكار تألفت من فريقين، الأول يتكون من بعض رجال وزارة الدفاع ممن يطلق عليهم صقور البنتاجون، والفريق الثاني هو الدبلوماسي الأسود كولين باول وبعض مساعدين، والهدف هو رسم الخطوط الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية بعد انتهاء الحرب الباردة، وقدم الصقور خطة تقول بأهمية تشكيل وضع دولي تتكفل أمريكا خلاله بدور تشكيل العالم ولا تكتفي برد فعل عادي علي الأحداث حتي تتدارك نشوء قوات منافسة وتفرض هيمنتها، وأخذ تشيني برؤية الصقور التي تبعتها تصورات إمبراطورية أخري، ففي نفس العام قدم كل من ريتشارد بيرل ودوجلاس فيث ودافيد رومير تقرير حول إعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط وأطلق علي ذلك المخطط " الكسر النظيف" واستهدف بشكل اساسي تمزيق العراق وإضعاف سوريا (لذا فليس من الغريب أن يكون هؤلاء الجنرالات الثلاث من مهندسي حرب العراق).
يتوقف الكاتب عند نقطة هامة وهي كيف نجح الصهاينة في استثمار المناخ الجديد بصورة جيدة؟
فيشير إلي إطلاع نتنياهو علي تلك الخطة واستلامه نسخة منها في 1996، ولكن ظلت هناك إشكالية ما بين الفكر الاصولي المسيحي في أمريكا والمخطط الصهيوني برغم اتفاق الجميع أنهم أمام اللحظة التاريخية، وتلك الإشكالية هي أن الائتلاف المسيحي يدعم اليهود في حدود العودة لفلسطين لاستقبال المسيح والارتداد للمسيحية وهو ما يحصر المشروع الصهيوني الذي يحلم بدولة النيل للفرات، ولم يجد هؤلاء حلاً أو تحايلاً إلا بتفعيل التعاون العسكري مع أمريكا علي الوجه العلماني اللا ايماني حيث تظهر بوضوح الرغبات الشرسة لصقور البنتاجون في السيطرة العسكرية علي مناطق الارتكاز بالعالم، وبهذا تحالفت الأجنحة الثلاثة الائتلاف اليميني وصقور البنتاجون واللوبي الصهيوني مدركة أنها جميعاً أمام اللحظة التاريخية وانطلقت الجماعات الثلاث وغيرها تبحث عن الرجل المناسب، وقد كان وبعد عشر سنين، وهو الجمهوري اليميني المتعصب قليل الخبرة السياسية بوش الابن.
وبعد الوصول الكريم، واتت الجميع الفرصة وتم الاعتداء علي أمريكا، وأصبح الرد والانتقام حق مشروع .. وأيضا خطوة أخيرة طال انتظارها.
لماذا بوش هو الرجل المناسب؟
يعرض الكاتب في تحليل وافي الأسباب التي صنعت من بوش رجل اللحظة، ويبدأ بداية قريبة مع عام 2000 حين رشح بوش نفسه للرئاسة ، فيتذكر كيف حرص مصممي حملته الانتخابية علي تقديمه بصورة الإنسان اللطيف الطيب الذي ولد ولادة ثانية وصارت له شركة مع السماء، ولم يخطر علي بال احد مستشهدا في ذلك بقول الكاتب اريك الترمان أن المرشح القادم من تكساس يحمل وراء هذا القناع ايدولجية يمينية هي التطرف بعينه.
يعود الكاتب إلي بداية العلاقة بين يوش وجماعة المحافظون الجدد فيشير إلي مقال نشر في مجلة نيوزويك جاء فيه أن بوش عرف فقط نسبة لأبيه، فقد كان بوش الابن يعاقر الخمر كل ليلة حتي وصل في عام 1985 إلي حالة متقدمة من الضياع النفسي والمادي وجاء التحول بانضمامه لجماعة تنكب علي دراسة العهد القديم وكان من ابرز رجال هذا التيار وقد تأثر به بوش كثيراً كان الأب روبرت سون مؤسس جماعة الائتلاف المسيحي، ولعب ذلك الإعداد اليميني دوره فثبت في عقل الرجل منذ سنوات طوال أن العناية الإلهية اختارته لمهمة ما ولم يكن قد حان الموعد بعد.
يعرض الكاتب لرحلة الائتلاف اليميني لتوصيل بوش للدائرة المستديرة، ويستدل هنا بشهادات عدد من المحللين يبدأ مع الكاتب الفرنسي اريك لوران في كتابه عالم بوش السري فقال فيه أن الواعظ الشهير باب برتسون دفع اليمين المسيحي بمساندة بوش أمام منافسه داخل الحزب جون ماكاير، وعندما أدي المحافظون الجدد في فلوريدا دورهم المرسوم بعناية جاء مطلبهم الأول بتعيين جون اشكر وفت وزيرا للعدل (وهو الرجل المشهور بأقواله المتعصبة ضد الإسلام وقد قال عقب أحداث 11 سبتمبر أن الإسلام يطلب منك أن تذبح ابنك الوحيد أما في المسيحية فإن الرب يرسل ابنه الوحيد لكي يذبح فداء العالم).
وجاء التتويج بالطبع بوصول بوش الابن إلي البيت الأبيض مع الأخذ في الاعتبار ذلك الدور الهام الذي لعبه الائتلاف خلال انتخابات، وفي حفل التنصيب كانت الكلمات الغير واضحة التي أطلقها تعني للمتابعين بداية عهد جديد توجه فيه العقيدة الدينية الايدولوجية السياسية ففي مساء ذلك الحفل قال بوش " إن ملاك الرب حاضر في هذه العاصمة".
الثلاثاء الموعود
ينتقل بنا الكاتب أخيرا إلي معقل الأحداث صباح 11 سبتمبر، وبالرغم من إطلاق اسم الثلاثاء الأسود علي ذلك الصباح إلا انه بحق كما يقول الكاتب كان الفرصة المنتظرة لكل تلك الجماعات المتحالفة الثلاث اليمينين وصقور البنتاجون واللوبي اليهودي بالإضافة إلي رجال الصناعة والمال، ومع التفجير الأول أسرع رجال البنتاجون إلي خططهم المتعطشة للدماء السابق ذكرها كالكسر النظيف وغيرها.كما فتحت الإدراج ليبعث منها نظريات كادت أن تهجر أشهرها نظرية صدام الحضارات لصموئيل هنتنجون والتي أخذت من الإسلام العدو الأول ولم تبطأ الإدارة الأمريكية أيضا التي سارعت وأطلقت العاصفة ضد من أسمتهم الإرهابيين الأصوليين المسلمين، وقد جاءت تلك الحملات بآثارها فيشير الكاتب إلي إحدي الدراسات التي أجريت في أمريكا عقب أحداث سبتمبر وأظهرت انتشار فوبيا الإسلام والنظر إلي الحرب علي أنها الملاذ الأخير، واعتبر ذلك أمر منطقي مع استمرار حملات الأصوليين داخل وسائل الإعلام وغيرها للترهيب من كل ما هو اسلامي، ويستحضر الكاتب هنا قول القس فرانلكين جراهام لمستمعيه "اله الإسلام ليس إلهنا وليس الها علي الإطلاق كما أن الإسلام دين شرير".
نشر هؤلاء فكرهم المتطرف وانطلقوا متحالفين إلي أهدافهم القديم، وكانت أولها فوق ارض الفرات ، ونختتم ذلك العرض الموجز للطريق الطويل الذي اصطحبنا به الكاتب داخل تاريخ الفكر الاصولي الامريكي، بما أورده عن تعليق نتني اهو قبيل الحرب علي العراق حيث قال:
"انني أدعو من كل قلبي ألا يوافق صدام علي استقبال مفتشي الأمم المتحدة.. لنبدأ الحرب".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.