أنا مع الأخت الفاضلة والصديقة العزيزة سكينة فؤاد في عتابها النافذ والمؤثر الذي وجهته إلي الجميع من مسئولين وإعلاميين لعدم الاحتفاء اللائق والواجب بأعياد انتصارات بورسعيد يوم23 ديسمبر الماضي. مما يعد تقصيرا مؤلما في حية المدينة الباسلة وأبنائها الأبطال الذين كتبوا صفحات ناصعة في سجل البطولة والتضحية من أجل الوطن ولا أدري سببا لغياب الاحتفاء بعيد النصر الذي حققه أبناء المدينة الباسلة عن عديد الوسائط الإعلامية التي فاتها هذا الأمر بسبب غرقها في توافه الأمور وتلبيتها حوادث وأحداث غثة وفيها من الفجاجة الكثير والكثير ولا عليك يا أختي العزيزة فذكري انتصار بورسعيد ستظل عطرة نابضة بالحياة ومفعمة ببطولات لن تمحوها غفلة البعض من العاملين في حقل الإعلام لا يقرأون التاريخ, وإن فرأوه فإنهم لا يعرفون قدره وقيمته, ولقد أعادتني سطور مقالك المنشور يوم الأحد السابع والعشرين من ديسمبر الماضي في صفحة قضايا وآراء بالأهرام الغراء إلي ذكريات غالية مازالت تحتفظ بها الذاكرة رغم مرور تسعة وخمسين عاما علي وقوعها, فقد كان من المناسبات الخالدة في شريط عملي الإذاعي أن كنت المذيع الذي أوفدته الإذاعة إلي بورسعيد يوم الثالث والعشرين من ديسمبر1956 للقيام ببث صور إذاعية صوتية عن المدينة الباسلة بعد تحررها من المستعمر وكيف تشير فيها الحياة وكيف عانت من المستعمر الدخيل وكيف تحملت وصبرت وجاهدت وناضلت وقدمت دماء أبنائها فداءا وتضحية من أجل طرد آخر جندي بريطاني بلا عودة وليحمل الاستعمار عصاه علي كاهله ويرحل لا عن بورسعيد ومصر فحسب, ولكن عن كل أنحاء العالم الذي أبتلي بالاستعمار في قارات العالم الثالث, وأتذكر أني وصلت إلي كوبري الرسوة عصر الثالث والعشرين من ديسمبر1956, ووقفت سيارة الإذاعة التي كانت تحملني مع مهندس التسجيل وسائق السيارة والعامل الذي يساعد في حمل الأجهزة الإذاعية كان المكان زاخرا بعديد المواطنين من العاملين في الأجهزة الحكومية التي ستسهم في جمع شتات ما من تبعثر من المؤسسات التعليمية والصحية وشبكات الكهرباء والمياه والتموين إلي غير ذلك من الأمور, وعند نهاية آخر ضوء من شمس ذاك اليوم سمح لنا بالتدفق إلي المدينة ولا أنسي أن أذكر أنني وبقية الطاقم الإذاعي عشنا ضيوفا لمدة عشرة أيام علي كتيبة القوات المسلحة التي كان يقودها المقدم أحمد إسماعيل علي الذي قدر له بعد ذلك أن يكون القائد العام لمعركة النصر والعبور1973, المدينة التي دخلناها عشاء ذاك اليوم كانت تموج بالفرحة الأضواء في كل مكان البسمات علي الوجوه وأهازيج السمسمية تتصاعد في الشوارع والحارات, ولعلي أتذكر أبطالا مغاوير قادوا من داخل المدينة حركة الفدائيين الذين أقضوا مضجع المستعمر فقد بحثت عنهم وسجلت معهم قصص الفداء والتضحية واختطافهم لأحد الضباط الإنجليز الذي كان يمت بصلة القرابة لملكة انجلترا, وكم أنا أسف لأن الذاكرة لم تعد تختزن أسماء هؤلاء الأبطال ولعلي أتذكر إسما واحدا منهم فقط هو النقيب شرطة عز الدين الأمير, ولعلي أيضا أزعم أنني الإعلامي الوحيد الذي سجل لحظة إسقاط ديليسبس من أعلي قاعدته, والذي كان يطل علي مدخل القناة, ففي صباح أحد أيام الأسبوع الأخير من ديسمبر سارت همهمة بين أبناء المدينة بضرورة إزالة عميل الاستعمار الأول ديليسبس من شرف الوجود علي مدخل القناة وفي صباح اليوم الثالث تجمعت الألوف من شباب ورجال المدينة ونسائها وتسلق الرجال قاعدة التمثال وربطوا التمثال بالحبال, وفي جذبة واحدة من مئات المواطنين تدحرج التمثال من عليائه علي الأرض لينهال عليه الجميع ضربا بالأحذية, ومكثت بالمدينة عشرة أيام أذاعت خلالها الإذاعة صورا صوتية عن كل جوانب الحياة في بورسعيد من عودة للتلاميذ إلي مدارسهم والموظفين إلي مكاتبهم ودورات عجلات العمل في مؤسسات الصحة والتموين والكهرباء والمياه, وغير ذلك من نبض في شرايين المدينة, تحية لبورسعيد في عيدها وتحية لأبطالها الشهداء الذين بذلوا دماءهم في سبيل نصرة الوطن ورحيل المستعمر إلي غير رجعة.