لايزال تمثال «ديليسبس» حبيسًا فى مخازن الترسانة البحرية بهيئة قناة السويس منذ أن قرر أبناء بورسعيد إزاحته من قاعدته بوصفه تجسيدًا لحقبة من الظلم عاشها المصريون تحت قهر الاحتلال والاستعمار الأجنبى. وفى كل مرة تثار أنباء عن تولى محافظ جديد لبورسعيد تتفجر أزمة عودة التمثال إذ يطالب البعض بضرورة إعادته لموقعه القديم لتنشيط السياحة خصوصًا الفرنسية وتحقيق رواج اقتصادى، بينما يرفض آخرون مؤكدين أن عودته ستكون نقطة سوداء فى تاريخ المدينة الباسلة. يذكر أن «ديلسبس» كان كلمة السر التى اختارها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لتنفيذ خطة تأمبم القناة على أنه المهندس الفرنسى الذى أشرف على تنفيذ مشروع قناة السويس أهم ممر ملاحى استراتيجى بالعالم. فى البداية تقول أميمة والى مدير عام هيئة تنشيط السياحة ببورسعيد: الهيئة أكثرمن نادى بعودة تمثال «ديليسبس» لتدعيم المزارات السياحية ببورسعيد، حيث يمكن عمل برامج سياحية للسائحين على رصيف ديليسبس مزودة بالصوت والضوء، بالإضافة إلى عرض الأفلام الوثائقية التى ترصد تاريخ مصر وتأميم القناة وكلها برامج لتنشيط السياحة بالمحافظة ونحن بأمس الحاجة لذلك لأن السياحة تمثل إحدى مقومات الرواج الاقتصادى ببورسعيد. فيما يرفض قاسم مسعد عليوة الكاتب والمؤرخ البورسعيدى عودة التمثال إلى قاعدته ويقول: أول مرة أثير فيها ملف عودة تمثال «ديليسبس» كان إبان عهد اللواء سامى خضير محافظ بورسعيد الأسبق «رحمه الله» ووقت أن كان يؤدى اليمين أمام رئيس الجمهورية بالإسكندرية التقى مع السفير الفرنسى بالقاهرة والذى كان متواجدًا هناك واقترح عليه عودة التمثال ولكن «خضير» أخبره بأن ما تم هدمه بإدارة شعبية لا يمكن أن يعود إلى مكانه وعاد السفير الفرنسى ليطلب ولو إعادة الجزء العلوى منه فأخبره «خضير» بأن الأمر مرهون بقرار مؤسسة الرئاسة. ويشير «عليوة» إلى أنه فى أواخر الثمانينات فوجئوا بمجموعة من الكتاب من القاهرة وبورسعيد يهيئون الرأى العام إلى إعادة التمثال إلى مدخل قناة السويس.. وفى المقابل قام الوطنيون من أبناء بورسعيد بالرد عليهم فى الصحف والمؤتمرات الشعبية وكان منهم رجاء النقاش وكامل زهيرى وعبد الغنى سعيد، وغيرهم ممن رفضوا فكرة عودة التمثال إلى قاعدته وقد شاركت أحزاب المعارضة اليسارية فى مجموعة الحملات المناهضة لعودة تمثال «ديليسبس» ومنها التجمع والناصرى وكان تحت التأسيس وأذكر أن اللواء سامى خضير قد أرسل برقية للمؤتمر التأسيسى للحزب الناصرى مفادها أن التمثال لن يعود إلى مكانه مرة أخرى. ويضيف «عليوة» أنه كلما جاء محافظ جديد تثار الفكرة من جديد. وقد كان المحافظ الأسبق «فخر الدين خالد» - رحمه الله - قد سمع بحضور خبراء من فرنسا لترميم أجزاء التمثال الموجود بالترسانة البحرية التابعة لقناة السويس وفوجئنا بالشدات الخشبية تقام حول القاعدة الحجرية بهدف إقامة التمثال فصدرت التعليمات بعدم عودة التمثال إلى مكانه لاسيما أن فى ذلك الوقت كان النائب السابق البدرى فرغلى يشن هجومًا قويًا على الحكومة بخصوص هذا الموضوع فى إحدى جلسات مجلس الشعب. فيما هدد البطل سيد عسران أحد أبطال المقاومة الشعبية ببورسعيد - بنسف التمثال إذا تم إعادته مرة أخرى إلى مكانه، أما مصطفى صادق محافظ بورسعيد الاسبق - رحمه الله - حينما تولى منصبه وعرض عليه الملف استغرب لأن قاعدة تمثال «ديليسبس» خالية فأرسل خطابا إلى هيئة قناة السويس بشغل القاعدة بنصب تذكارى للجندى المجهول أو الفلاح الذى حفر القناة واستعجل الرد ثم صمت صمتًا تامًا، وهكذا فإن كل محافظ يأتى يتم الضغط عليه لإعادة التمثال ويفتح الملف لفترة ثم يغلق مرة أخرى دون جديد. ويشير قاسم عليوة إلى أن هناك بعض الحجج التاريحية التى مفادها أن التمثال ظل لمدة 75 عامًا على قاعدته الشهيرة. ولذلك يجب عودته إنصافًا لذلك التاريخ ولكنى أقول إنه مر 55 عامًا على تدمير التمثال وانتزاعه من موقعه فضلًا عن أن الذى وضع التمثال فوق قاعدته هم مجموعة الفاسدين إبان الخديو إسماعيل. أما من أطاحوا به فهم مجموعة الفدائيين بمعركة 1956م الأبطال، أما بخصوص حجج تنشيط السياحة، فأرى أن الترويج السياحى الذى يرتبط بتمثال يعكس نقصًا فى الرؤية لمنظومة مهمة لأن السياحة تعتمد على عدة مقومات وليس التمثال فقط، ناهيك عن الأقاويل التى تفيد بأن الحكومة الفرنسية ستمنج 50 مليون يورو لكثير من الأفواج السياحية الفرنسية لبورسعيد فى حال عودة التمثال إلى قاعدته، أى أنه من الممكن وضع نصب تذكارى للجندى المجهول فوق القاعدة وأن يوضع تمثال «ديليسبس» فى المتحف القومى بعد ترميمه ليكون مزارًا سياحيًا للأفواج السياحية وأعتقد أن هذا سيكون أفضل من محبسه بالترسانة البحرية، لأن عودته لقاعدته سيكون بمثابة تحدٍ للإدارة والمقاومة الشعبية. ويضيف محمد خضير مدير عام الثقافة ببورسعيد: التثمال يذكرنا بأيام الاحتلال والاستعمار وتمت إزالته بإرادة أبناء بورسعيد ويجب أن تحترم هذه الإرادة فعودته تعنى استهتارا بمشاعر أبناء المحافظة التى تصدت بحزم وقوة للاستعمار الغاشم. أما «مسيو يير ماركوس» ألفاروبا» مدير الجمعية المصرية لتنمية الثقافة الفرنسية ببورسعيد فيرى «أنه ليس» صاحب الرأى فى هذا الشأن لأن أبناء بورسعيد وحدهم هم أصحاب القرار فالتمثال ملك لمصر والقاعدة ملك لبورسعيد وفرنسا لا تستطيع فرض رأيها وأنا أتحدث نيابة عن جمعية الثقافة الفرنسية وليس السفارة أو الحكومة الفرنسية، ولكنى اذكر أن «رامييه أرنو» رئيس جمعية أصدقاء «فرديناند ديليسبس» فى فرنسا والذى تواجد منذ شهرين فى بورسعيد طالب بعودة التمثال وبرأيى أن لا علاقة له بهذا الشأن خصوصًا أنه يعلم أن الرأى الرسمى يجب أن يكون للسفارة الفرنسية لأنه قرار مصرى خالص دون تدخل جهة أجنبية. ولكنى أرى أن هناك أهم من تمثال ديليسبس وهو كيفية استغلال تراث بورسعيد المعمارى لتنشيط السياحة ولا يعتقد «بيير» أن إعادة التمثال لقاعدته سيكفى لعمل انتعاش كامل للسياحة لأن من المفترض أن يوجد العديد من المقومات قد يكون التمثال أحدها. ويشير «بيير» إلى أهمية النظر للمستقبل وعدم الرجوع للوراء حتى تسير عجلة التنمية ببورسعيد من أطاحوا، فالأفضل والأصلح للمدينة هو الذى يجب أن يتخذه أبناء المحافظة والتمثال ممكن أن يوضع فى أى مكان آخر ببورسعيد بهدف تنشيط السياحة بحسب ما يرى أبناء المحافظة. أما اللواء أحمد عبد الله محافظ بورسعيد، فلا يمانع من عودة التمثال إلى قاعدته مادام سيكون من مقومات تنشيط السياحة ببورسعيد ولكن مع تباين الآراء. فقد رأى أن الأمر مفوض للشارع البورسعيدى على اعتبار انه صاحب القرار الوحيد فى هذا الشأن. ومع ذكرى تأميم القناة فى 26 يوليو 1956م يظل التساؤل هل سيضع أبناء بورسعيد نهاية لقصة تمثال «ديليسبس»؟!