بورسعيد المدينة الباسلة التي قاومت الاحتلال مرات ومرات وضرب ابناؤها مثلا في الشهادة والاستشهاد احتفلت بالأمس بعيدها القومي عندما رحل أخر جندي من جنود العدوان الثلاثي الذي وقع سنة1956 مع آخر ضوء من يوم23 ديسمبر من نفس العام ويبدو أن قدر هذه المدينة أن تعيش أحداثا عارمة منها احتلال الانجليز والفرنسيين لها سنة1956 ومنها غارات اسرائيل في حرب العبور الظافرة1973 ومنها ما حل بها عندما دخل مياهها الاسطول الانجليزي سنة1882 إبان الثورة العرابية, ومثل ذلك شهدت أرضها أول أفواج أبناء مصر من الفلاحين والبسطاء وهم يبدأون حفر القناة وديلسبس المهندس الفرنسي صاحب ومنفذ فكرة القناة يقود العمل ليكتب اسمه في التاريخ باعتباره المهندس الذي وصل مياه البحر المتوسط بمياه البحر الاحمر وكذلك ما كان من تمجيد وتخليد له بإقامة تمثال ضخم له علي مدخل القناة, وحول هذا التمثال تدور الذكريات فقد قدر لي أن أكون شاهدا بعيني رأسي ومسجلا لحدث خلع التمثال من قاعدته وركله بالأحذية والبصق عليه وكان ذلك عقب خروج المحتل في23 ديسمبر1956 بحوالي أربعة أيام وتعود بي الذاكرة الي اليوم الذي أوفدتني فيه الاذاعة لأقدم صورا اذاعية صوتية للحياة في المدينة بعد الجلاء, كيف يعيش الناس وما يقدم لهم من إمكانات معيشية وكذلك سير العمل في المدارس والمستشفيات وغير ذلك من المؤسسات وشاءت الصدف أن أكون علي مشارف المدينة قبل غروب الشمس يوم23 ديسمبر1956 حيث لم يسمح لنا بالدخول مع الافواج المنتظرة الا بعد آخر ضوء وقدر لي أيضا أن أعيش مع كتيبة القوات المسلحة التي دخلت المدينة مع أخر ضوء وكان يقودها في تلك اللحظات المقدم أحمد اسماعيل علي الذي قاد حرب العبور وهو وزير للحربية سنة1973 والرجل كان كريما عندما علم اني ومعي سائق سيارة الاذاعة ومهندس التسجيلات والعامل المساعد سنجد عنتا في الاقامة فهيأ لنا خيمة مع جنوده عشنا فيها قرابة عشرة أيام, وخلال تلك الايام قمت بارسال صور اذاعية مسجلا لألوان الحياة المختلفة في المدينة, وفي مساء أحد الايام سرت شائعة تقول ان شباب بورسعيد سيزيل في صباح اليوم التالي تمثال ديلسبس من قاعدة باعتباره الرمز الاكبر للاستعمار الذي جر وتسبب في الويلات التي عاشها شعب مصر عامة وشعب بورسعيد خاصة, جو الصباح كان دافئا رغم أننا في ديسمبر وحول قاعدته التمثال تجمع المئات من شباب بورسعيد وهم يهتفون بسقوط الاستعمار وسقوط ديلسبس, وقامت مجموعة من الشباب بتحزيم التمثال بحبال غليظة وقامت الجموع بعملية الجذب وهيلا هيلا هوب سقط التمثال علي الأرض وأخذ الجميع يضربونه بالنعال ويبصقون عليه وسجل ميكروفون الاذاعة هذه اللحظات التي أذيعت في نفس اليوم عبر أثير الاذاعة المصرية وبعد ذلك رفع التمثال من موقعه ووضع في أحد المخازن التابعة للمحافظة, ومنذ سنوات وهناك لغط يدور حول التمثال وهل يعاد الي قاعدته أم يظل حبيسا في مخزنه كما ان الحديث دار ويدور حول استغلال القاعدة التي تقف علي مدخل القنال قريبا من أمواج البحر المتوسط, البعض يقول انه حتي ولو لم يوضع التمثال في مكانه فإن هذا المكان سيظل مقرونا باسم ديلسبس لأجيال قادمة ويقول هذا البعض أيضا إن عودة التمثال الي موضعه ستكون دعاية عالمية تجذب السياحة العالمية ومن جانبها اقترحت السفارة الفرنسية قبل سنوات أن تقوم بجذب السياحة الفرنسية للمكان وللمدينة ويقول البعض أيضا انه يجب الاعتراف بفضل هذا المهندس الفرنسي في حفر القناة التي كونت مجتمعات علي مدي طولها من بورسعيد الي السويس وإن رجوع التمثال لموقعه سيكون له مردود جيد علي المدينة, وعلي الجانب الآخر هناك الرافضون لعودة التمثال وهم يقولون انه لا توجد دولة في العالم تعظم من استعمرها وكيف نعلي من شأن ديلسبس وتحت قاعدة تمثاله استشهد الآلاف من أبناء مصر ممن حفروا القناة بالكرباج وأن الفلاح الذي استشهد وهو يحفر القناة أحق بوضع تمثال له بدلا من ديلسبس. وفي استطلاع رأي قامت به محافظة بورسعيد تبين ان أكثر من75% من أهالي المدينة موافقون علي عودة التمثال إلي قاعدته والنسبة الباقية معترضة ولكن صوت هذه النسبة المعارضة هو الاعلي ولذلك سيبقي التمثال في مخزنه الي إشعار آخر.