عجبت من القرار الذي صدر من الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة الصادر بأغلبية كاسحة ضد تعيين المرأة قاضيا, وهو ما أراه سعيا حثيثا نحو شدنا الي الوراء لنظل نراوح مكاننا محلك سر كما اعتدنا وألفنا في العديد من شئون حياتنا بفضل هؤلاء الذين ألفوا ما وجدنا عليه آباءنا ومن ثم فإنهم لا يمتلكون شجاعة مواجهة المستقبل ولا دفع تكاليف التقدم ولا الخروج من كهفهم المظلم لمواجهة ضوء الشمس الساطع والمنير, وانا لا اعرف كيف تعمي الأبصار عن التقدم الذي يحيط بنا وسعي الامم التي تحاول ان تجد لنفسها مكانا تحت شم حيث تنتصر قيم الحق والعدل, وكما يقول الشاعر الراحل, نجيب سرور: حيث كل الناس في الحق سواء/ مثلما اسنان مشط/ حيث كل الناس اولاد لتسعة/ حيث كل الناس دوما سعداء/ كالعصافير بأعشاش علي أيدي الشجر. واني لأعجب من كم الحجج المتهافتة والانتهازية التي يسوقها هؤلاء الذين يرفضون منح المرأة حقوقها مثل الرجل سواء بسواء, فتارة يمنعونها حقوقها بحيل انتهازية, وتارة اخري باسم الدين وضرورات الشرع, وتارة ثالثة باسم الطبيعة البشرية التي ميزت بين الرجل والمرأة في القدرات والامكانات والادوار والوظائف الاجتماعية, وتارة اخيرة باسم الحدب عليها وصونها وحمايتها من المكاره والمصاعب وسوف احاول هنا ان اتعرض لتلك الحجج المتهافتة.
اولا أحيانا يتعلل هؤلاء, بما ينتاب المرأة من مشاعر نتيجة التغيرات الشهرية الفسيولوجية التي تبدأ معها منذ مرحلة البلوغ حتي منتصف الاربعينيات تقريبا وتواكب فترة الخصوبة لديها, وانا هنا لن اتوقف عند القول بأن المناصب المهمة لا يتولاها الانسان قبل ان يصل الي سن الاربعين فهذا قول مردود لأنه غير مبدئي من الاساس وانما اؤكد ان التربية والشعور بالواجب وبالحق هو ما يفرض علي الانسان مواجهة مشكلاته سواء كانت تلك المشكلات شعورية او سلوكية او غيرها, فهل نعذر جائعا امتدت يده الي طعام غيره, او هل نعذز غاضبا امتدت يده بالايذاء الي خلق الله, اليس من المفترض ان يتصرف الانسان مهما كانت حالته وفق الحق والقانون اما الامر الثاني هنا التعلل بالتغيرات الشهرية والذي يكشف كم هي حيلة انتهازية, اننا نحن الرجال جميعا ولنا امهات وزوجات, كثير منهن يعملن ويشقين ويكددن, في العمل خارج المنزل وفي المنزل وتربية الاولاد وتلبية حاجاتهم وحاجات الزوج وفعل مايأمر به القانون والعرف والواجب, دون أن يتوقف أحدنا ليسأل اين التغيرات الشهرية وهل من الواجب ان نعينها حينها أو نطلب منها أن تتخفف عن واجباتها أثناءها.
ثانيا: ما يقال عن الفروق الطبيعية بين المرأة والرجل, وهي فروق في ميزان العلم الحديث لا تعني الكثير, فلم تثبت اي من الابحاث العلمية ان المراة اقل ذكاء من الرجل, واعتقد ان مشاهداتنا لأبنائنا التلاميذ في مرحلة التعليم تثبت انه لا اختلافات نوعية في ذكاء اي من الفريقين, اما ان الرجل اكثر قوة عضليا فهو من ناحية لا يعني الكثير لأننا في مجتمع حديث لا يعمل فيه الناس في مؤسسات الدولة بعضلاتهم, ومن ناحية أخري فان العضلات تلك ونموها مسالة تنشئة اجتماعية كذلك ولقد اثبتت الأبحاث علي الريف المصري أن المرأة تعمل في مواسم الحصاد بلا كلل سبع عشرة ساعة متصلة وكثير من تلك الأعمال هي من الاعمال الشاقة التي تتطلب جهدا عضليا عنيفا.
اما ان المرأة اكثر رهافة حس واكثر رقة وحنانا, فهو ايضا كلام ماسخ لا يعني شيئا إذ اننا في مجال تعيين المرأة قاضيا ولسنا في مجال اختيار زوجة لأحد أولادنا الذكور, ورهافة الحس عند المراة لن تمنعها من تطبيق القانون قاضيا ولسنا في مجال اختيار زوجة لاحد اولادنا الذكور, ورهافة الحس عند المراة لن تمنعها من تطبيق القانون بل لعلي اقول ان رهافة الحس تلك في أحيان كثيرة ستكون طوق النجاة للكثيرين واعتقد ان القضاء الذي يطالب بعض الواقفين امامه من المحامين بأن تكون الرحمة فوق العدل يقرون بأهمية ووظيفية ذلك الشعور المرهف والحس الإنساني العميق.
وانا لا أعرف لماذا لا يفكر الرافضون لحق المرأة هذا ان دول العالم المتقدم قد منحت المرأة هذا الحق ومازالت العدالة هناك ناصعة ومشرقة لا يظلم امامها احد بل ان هناك حوالي عشر دول عربية اي نصف الدول العربية قد عينت المرأة قاضيا ومن تلك الدول تونس والسودان واليمن ورغم هذا لم تتدهور تلك الدول لولاية المرأة القضاء ولم يحل باهلها عذاب الله وسخطه.
ولعل الرافضين لحق المرأة في تولي منصة القضاء يعرفون ان المرأة تولت في بلادنا قيادة عشرات المناصب والمراكز فهي استاذة جامعية ومديرة كليات وجامعات ووزيرة وطبيبة وهي كلها مراكز تفرض علي الانسان اتخاذ قرارات مصيرية فهل انهارت تلك المراكز بسبب تولي المرأة قيادتها؟
ونحن نعرف ان ما يزيد علي25% من الأسر المصرية تعيلها نساء بسبب موت الزوج او الطلاق او الهجر او غيرها وهو ما يجعل المراة مسئولا كاملا عن تلك الأسر بما في ذلك مختلف القرارات المصيرية التي تتعلق بمستقبل تلك الأسر وأولادها, والسؤال هنا لماذا لا يفكر المعترضون بمنح المرأة الفرصة كاملة لتولي امر القضاء لسنوات او اكثر ثم يدرسون التجربة ويطرحون نتائج دراستهم علي الناس..
ام ان الدين يمنع تولي المرأة للقضاء فهو امر يرد عليه ان تلك الدول الاسلامية قد عينت المرأة قاضيا لانها قامت بتفسير النصوص الدينية تفسيرا يعلي من قيم العدل والمساواة وديننا بلا شك هو دين العدل والمساواة, ولا شك ان هناك من كبار الأئمة من أيد عمل المرأة في القضاء, وحتي اذا لم يكن الأمر كذلك فإننا لم ولن نستطيع تطبيق كل ماوصل الينا من نصوص تطبيقا حرفيا, فإننا قد رفعنا سن الزواج للفتاة الي18 سنة ولم يكن محددا دينيا, وتجاوزنا جميع احكام الرقيق والجواري وهي احكام مقررة ومعروفة في كتب الفقه وتجاوزنا كثيرا من احكام الحروب كالأسري والسبي والغنائم وهي منصوص عليها دينيا وتجاوزناها لأن العصر لا يسمح ولا اتفاقيات الاممالمتحدة التي تحدد احكام الحروب سوف تسمح لنا بذلك واخيرا نأتي الي منصب القاضي نفسه, وانا لا اعرف لماذا يضع المعترضون في اذهانهم تلك الصورة التقليدية الوحيدة للقاضي الذي كان يجلس في المسجد مادا قدمه في وجه السلطان ويواجه السلطان بقوله: ان من يمد قدمه لا يمد يده, او هو ذلك القاضي الذي ينطلق في عمله من قناعاته الخاصة والشخصية وليس سواها فيأمر بقتل هذا قصاصا, ويعفو عن ذلك فيكتب له عمرا جديدا. والحق ان القاضي الآن أصبح مجرد موظف عمومي ينطلق عمله من القانون ويعمل في ضوء لوائح ونظم ومعايير صارمة, وتحت رقابة صارمة ايضا من مجلس القضاء الأعلي ومن التفتيش القضائي, وهي كلها ضوابط لاتترك للقاضي درجة كبيرة من تدخل التقديرات الشخصية, ومن حق اصغر محامي ان يطلب رد القاضي ايا كان لمجرد انه اخطأ او انه حاد قليلا عن جادة الحق والصواب واخيرا فإن هذا كله يجوز الاعتراض عليه واستأنافه ونقضه فضلا عن ان هذا كله يدور تحت سمع وبصر الناس والمتخصصين والرأي العام فمتي نثق في أنفسنا, ونتخفف من قيودنا لننطلق مع المنطلقين الي المستقبل؟ [email protected]