أعلنت رئاسة الجمهورية أن الرئيس السيسي سوف يشارك في قمة الاتحاد الإفريقي في إثيوبيا يومي29 و30 يناير. ورغم أن هذه الزيارة ليست لإثيوبيا وإنما للمشاركة في القمة, إلا أنه لابد أن تجري علي هامشها لقاءات متعددة مع القيادة الإثيوبية المضيفة للقمة, وكما هو معروف فإن أهم الموضوعات المطروحة بطبيعة الحال سد النهضة وأزمته المستمرة, لاسيما في ضوء التوتر الذي يسود المباحثات الخاصة باستكمال الدراسات, والذي ظهر في تصريحات مستشار وزير الري الدكتور علاء ياسين لوكالة أنباء الشرق الأوسط قبل بضعة أيام, والتي أشار فيها إلي رفض مصر للارتفاع الحالي المقرر لسد النهضة وسعته التخزينية الكبيرة التي ليس لها أي مبرر فني مقبول. وفي الوقت نفسه أشار إلي أننا ملتزمون بخارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها في الخرطوم في أغسطس الماضي, ونأمل أن تلتزم بها الأطراف الأخري دون مماطلة واستهلاك للوقت مع الاستمرار في بناء السد!!. وهذه التصريحات وإن كانت بالتأكيد أفضل من سابقاتها التي كان السيد وزير الري الحالي يبشرنا من خلالها بثقة مثيرة للدهشة والتساؤل بأننا حصلنا علي أكثر مما نتوقع, إلا أنها تعكس بشكل واضح أزمة المفاوض المصري, والفشل غير المبرر الذي يواجهه الآن, والذي لا يعرف كيف يتصرف في مواجهته, إلا بالغضب من التعرض للخداع, ومن طريقة التعامل الاثيوبي الذي يتسم بقدر كبير من الخبث والتلاعب. إن إثيوبيا أعلنت من أول يوم أن سعة السد وارتفاعه شأن اثيوبي, وأعلنت أن نتائج الدراسات سوف تستخدم في المستقبل لتحسين السياسات التشغيلية للسد, فعن أي مسار وعن أي خارطة طريق تتحدث ؟ وكيف يمكنك التمسك بها في ظل مماطلة الطرف الآخر, وما فائدتها من الأصل ؟.. وعلي ذلك, فإن الفشل الواضح الآن يعني أن إعلان مالابو قد تم تفريغه من مضمونه بشكل كامل, الأمر الذي يقتضي إحداث نوع من الانتقال في أسلوب المعالجة, إلي المفاوضات السياسية المباشرة, وانطلاقا من مضمون وروح نفس الإعلان الذي وقعت عليه إثيوبيا, والذي ينبغي التعامل معه كحزمة واحدة متكاملة, وليس بتفعيل بند واحد والتغاضي عن البنود الأخري, وذلك بالتفاوض المباشر حول سعة السد التخزينية وسياسته التشغيلية وكيفية التصرف في المياه المحتجزة خلفه, مع توضيح موقف السدود الثلاثة الأخري المزمع بناؤها. فإذا رفضت إثيوبيا ذلك وهو أمر متوقع, فيجب العدول إلي سياسية أخري تقوم علي الرفض الكامل لما تقوم به إثيوبيا من تكريس لعملية التصرف المنفرد في مياه النيل الأزرق, واعتبار أن هذه المياه ملك لها, تفعل فيها ما تشاء بغض النظر عن أي حقوق للدول المتشاطئة الأخري, أو أي قواعد أو معايير دولية واعتبار ذلك تهديدا مباشرا لمصر ومقدرات شعبها, واتخاذ مايلزم من سياسات وتحركات لمواجهة ذلك علي المديين المتوسط والبعيد. أما الاستمرار في النهج الحالي فإن هذا يعني استمرار إثيوبيا في البناء وفرض واقع جديد, بينما تستمر الأحاديث الفارغة عن نوايا إثيوبيا الحسنة وعدم الإضرار.. إن نوايا إثيوبيا واضحة ومعلنة, ولقد أعطي الرئيس السيسي إشارات عدة للرغبة في تحقيق هذا الانتقال, ومن الواضح أن الوقت قد حان وأن هذه الزيارة هي الفرصة المناسبة لذلك, فهي توفر فرصة لمباحثات مباشرة علي مستوي القمة, دون أن تكون هناك خشية من عواقب الفشل في حال القيام بزيارة ثنائية دون أن تتوافر لها مقومات النجاح.