انتهت مسلسلات رمضان, ولم تبدأ بعد مسلسلات الانتخابات المصرية, وبشكل ما فإن العالم يبدو هادئا أكثر مما هو معتاد بعد أن تعود علي الحالات الأفغانية والعراقية وما فيها من حروب وإثارة حتي لم يعد أحد يهتم بما يحدث في اليمن أو السودان وتبدو المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية كما لو كانت جزءا من فيلم قديم للغاية, وتعايش الكل مع حقيقة أن أحدا لا يعرف علي وجه التحديد عما إذا كانت الدنيا خرجت من الأزمة الاقتصادية العالمية أو لم تخرج أو أنها في مكان ما غير معلوم بين الدخول والخروج. أما حوادث الإرهاب فلم يعد لها ذات الصدي الذي كان لها في الماضي, وكلما تم الكشف عن واحدة منها ظهر أن مستوي الإرهابيين لم يعد لحسن الحظ علي ذات القدر من المهارة, فيتم القبض عليهم بينما تتم العكننة علي كل الناس في المطارات وصالات السفر والترحال. وفي وقت من الأوقات ظننت أن الصحافة المصرية لم تعد تجد لديها موضوعا مهما حتي إنها تفرغت لأسبوع كامل لمهاجمة الأهرام, وتركت صحف موضوعها المفضل عن التوريث, وترك صحفيون بحثهم عن الزئبق الأحمر ليكونوا حكما علي صورة صحفية بعد أن تم نزع عنوانها وموضوعها وسياقها كله. الآن بات الموضوع الأثير للصحافة المصرية, والإعلام التليفزيوني كله, مركزا علي أسعار الطماطم التي بلغ سعر الكيلوجرام منها سبعة جنيهات كاملة; وقال البعض إنها تتراوح ما بين ستة وتسعة جنيهات حسب الحي والمكان والمكانة; وفي بعض الأحيان جري الاستنكار لأسعار البندورة كما يقول أهل الشام ومعها الجوافة التي بلغ سعر الكيلوجرام منها12 جنيها كاملة. وفي كل مرة استمعت إلي هذا الموضوع وددت لو أسمع باقي أسعار السلع الغذائية الأخري, والتي علي الأرجح أنها ارتفعت هي الأخري, ولكن الصياغة التي جري بها الحديث عن الطماطم والجوافة جرت علي طريقة حتي أنت يا بروتس بما فيها من تحقير شائع رغم أن بروتس كان واحدا من شيوخ روما المحترمين. ولكن قصة بروتس ليست قصتنا وإنما تلك الإهانات الكثيرة التي تحقر من شأن الطماطم ومعها الجوافة باعتبارهما من السلع التي لا يجوز عليها ارتفاع الأسعار بينما كان الأمر كله راجعا إلي ارتفاع معدل التضخم ومن ثم فإن ذلك سوف يكون معناه ارتفاع أسعار السلع لأن الطلب عليها أكثر من العرض. ولكن الشائع في مصر لا يسير وفق هذه الطريقة المنطقية, ولا أظن أن أحدا لديه موقف سياسي أو أخلاقي من الطماطم بذاتها, أو حتي رأي أحد في الجوافة ما يدعو إلي الاحتقار, ولكنها العادة في تلخيص موقف ينسحب من سلعة إلي قوانين السوق حيث يجري التذكير فورا بجشع التجار, والحاجة إلي تدخل الدولة لكي تكبح وتمنع هذا الجشع, أي تتدخل مباشرة في حركة السوق. بالطبع فإن الكل يعلم أن واحدا من الفولكلور الشعبي هو أن الطماطم دائما مجنونة لأن لها دورات اقتصادية بين الارتفاع والانخفاض لأنها سلعة تتلف بسرعة خاصة لو كانت مكشوفة في الأسواق ومع ارتفاع الحرارة الذي جري خلال الشهور الماضية فإن قصور العرض مع استمرار الطلب في الارتفاع أو حتي بقائه علي حاله فإن النتيجة المنطقية ارتفاع أسعار الطماطم والجوافة وكل السلع التي لها علاقة بدرجة الحرارة, أما تلك التي ليست لها علاقة مثل أجهزة التليفزيون أو الأثاث أو التليفونات المحمولة أو غيرها فقد تعرضت أسعارها لانخفاض مستمر ولكن لم يحدث أبدا أن جري حديث عن سلع حال انخفاض سعرها بما فيها الطماطم أو الجوافة. القضية هكذا تصير جزءا من النقاش العام حول قضايا أساسية لم يتم حسمها أبدا حيث تجري صياغتها علي الوجه التالي: لقد ارتفعت أسعار الطماطم, ومعها الجوافة, ومن يصدق أن الأولي قد وصلت إلي سبعة جنيهات والثانية إلي اثني عشر جنيها; ومع ذلك فإن المرتبات كما هو معلوم ثابتة. وراء هذا التعريف بالقضية أن هناك تنظيما آخر للكون يجب أن يكون جاريا وهو حال ارتفاع أسعار الطماطم ينبغي وفورا رفع المرتبات بذات القدر حتي يتزن الكون ويعدل الميزان. الحديث هنا موجه للحكومة, والافتراض هنا أيضا أن كل العاملين في الدولة يعملون لديها, أما إذا لم يكن ذلك واقعا فعليها أن تقدم دعما, أو تدخل الطماطم إلي البطاقات التموينية, أو تضغط علي القطاع الخاص لكي يقدم علاوة خاصة تسمي علاوة الطماطم. ولكن المسألة هي أن الطماطم ليست هي السلعة الوحيدة, بل إنها ليست لب موضوع التضخم, كما أن الحكومة لم تعد هي المصدر الوحيد للعمل, ومن المرجح دائما أن القطاع الخاص حال حدوث التضخم فإنه إما أن يصدره إلي المستهلك أو أنه يقبل علي السلعة التي ارتفع سعرها لكي يستثمر فيها فيقوم بعمل ثلاجات عظمي تحمي الطماطم من التلف بسبب الحرارة العالية, أو يحولها إلي نوع من الصلصة لكي تستخدم كبديل للطماطم حال ارتفاع أسعارها. ومازلت أتذكر أن ذلك هو ما كان يتم فعله في كل بيت مصري قبل سنوات ليست بعيدة حيث كان يجري تحويل الطماطم ساعة انخفاض أسعارها بشدة إلي صلصة تتم صناعتها محليا وتستخدم ساعة ارتفاع أسعار المجنونة. لم يكن أحد أيامها يحمل الحكومة ولا التجار ولا اقتصاد السوق سبب دورة طبيعية من دورات الاقتصاد الذي يجري في بلدان كثيرة بنفس الطريقة التي يجري بها في مصر. المهم أن الطماطم باتت نجم المرحلة لأنها باتت تستدعي تدخلا حكوميا عاجلا; وفي آخر مرات ارتفاع الأسعار في السلع الغذائية منذ عامين تدخلت الدولة لكي ترفع المرتبات بما مقداره30%; وبعدها بات علي الدولة أن تجد حلا لمشكلتين: ما الذي تفعله مع القطاع الخاص الذي يحدد علاواته وأسعاره بنفسه, وكيف تدفع هذا القدر لسبعة ملايين موظف حكومي, وكانت النتيجة أنها رفعت بعضا من الأسعار هي الأخري في السلع التي تملكها حتي أخذت باليمين ما كانت قد دفعته باليسار مع وجود بعض الضحايا والخسائر أثناء العملية كلها. فالجمهور لم يفهم كيف يزيد مرتبه بمقدار الثلث تقريبا بينما يظل مستوي المعيشة كما هو; والقطاع الخاص لم يستوعب كيف لدولة تسعي لتطبيق قواعد اقتصاد السوق أن تتدخل لدي القطاع الخاص لكي يرفع مرتباته بذات نسبة الحكومة رغم الفارق الكبير في المرتبات هنا وهناك; وإذا كانت الحكومة تستطيع أن تتحكم في مالها كما تشاء, فكيف يمكن للقطاع الخاص الذي أقام مشروعاته وفق حسابات للتكلفة أن يعبث بها بهذا الشكل؟. النتيجة لم تكن سارة لأحد لأنها أدت إلي تعثر عملية الاستثمار التي هي الحل الأساسي لمواجهة التضخم وارتفاع الأسعار حتي تمكن موازنة العرض والطلب بطريقة معقولة. فالطلب متزايد دائما أولا لأن السكان يزيدون; وثانيا لأنه مع ارتفاع مستوي المعيشة وعمل المرأة خرجت عملية تصنيع الصلصة وأمثالها من البيوت, ودخلت الطماطم الطازجة جزءا هاما من السلطة; وثالثا أن مصر يضاف لها سكان آخرون يدخلون في شكل سياحة, كما أن بعضهم يستقر في شكل إقامة دائمة كما هي الحال بالنسبة لعدد من مواطني الدول العربية. القضية إذا متمثلة دائما في العرض, والعرض لا يرتفع إلا بالاستثمار, وهو ما يعني ليس فقط توفيرا لسلع, وإنما أيضا عملا كثيرا لمن لا عمل له, وعمرانا لمناطق لا تعرف إلا الجدب والبوار. هذا الحل المنطقي هو الذي أدي إلي التنمية في بلدان أخري, وخفض مستويات التضخم في نفس الوقت; أما حكاية جشع التجار والدعوة المبطنة لتدخل الدولة في صناعة الطماطم, كما جرت أيضا نفس الدعوة لدخولها مرة أخري في صناعة السينما, فمصير ذلك لن يكون أبدا سوي أزمة تختفي فيها السلع وترتفع الأسعار, ولا يظهر إلا كل ما هو رديء, وطوابير طويلة تنتظر الطماطم والجوافة والأفلام وسلعا أخري كثيرة. وبعد ذلك لا تجد الدولة بدا من تأميم السلعة كلها حتي تسيطر علي الإنتاج والتوزيع ما دامت تتحكم في المستهلكين بأشكال شتي. فالبداية قد تكون الطماطم والجوافة, ولكن الاقتصاد مثله مثل النار يشتعل من مستصغر الشرر!!. لا أظن أن أحدا لديه موقف سياسي أو أخلاقي من الطماطم بذاتها, أو حتي رأي أحد في الجوافة ما يدعو إلي الاحتقار, ولكنها العادة في تلخيص موقف ينسحب من سلعة إلي قوانين السوق حيث يجري التذكير فورا بجشع التجار.المهم أن الطماطم باتت نجم المرحلة لأنها باتت تستدعي تدخلا حكوميا عاجلا, وفي آخر مرات ارتفاع الأسعار في السلع الغذائية منذ عامين تدخلت الدولة لكي ترفع المرتبات بما مقداره30%; وبعدها بات علي الدولة أن تجد حلا لمشكلتين [email protected]