تحتل أوغندا موقعا استراتيجيا بين دول حوض النيل وقد كان لذلك تأثيرات بطرق عديدة رئيسية في تاريخها الحديث فمعظم اراضيها يطل علي بحيرة فيكتوريا أحد المنابع الرئيسية لنهر النيل كما ان معظم عمليات التنمية قد تأثرت بالحقيقة التي يلمسها كل شخص بأن أوغندا دولة من دول المنبع ومن دول المصب في آن واحد ومن ثم فمواردها المائية بطبيعتها عابرة لحدودها في معظمها. وقد وضع موقع أوغندا كدولة من دول المنبع ومن دول المصب في آن واحد البلاد أمام تحد كبير بشأن التفاوض علي حصتها من موارد مياه النيل. فكونها من دول المنبع يجعلها مع دول مثل كينيا وتنزانيا ورواندا وبروندي والكونغو الديمقراطية وأثيوبيا مع التزامن في نفس الوقت بأن تكون مع مصر السودان دولتي المصب في حوض النيل مما يجعلها تواجه خيارات وتحديات دول المصب والمنبع معا ويمنحها دورا تأثيريا كبيرا ومن ثم فحوض النيل يؤثر تأثيرا كبيرا في عملية التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ويحلل جيمس موليرا رئيس قسم التاريخ والتنمية ودراسات المنظمات في جامعة ماكريري والمحاضر في جامعة نيروبي والمتخصص في درسات تاريخ القارة السمراء وذلك في دراسة صدرت في كتاب باللغة الانجليزية صادر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة بعنوان نهر النيل ومرحلة ما بعد الاستعمار تحرير خبير المياه العالمي والمتخصص في دراسات مياه نهر النيل واستاذ الجغرافيا في جامعة برجن واستاذ العلوم السياسية في جامعة اوسلو. التطور التاريخي لأوغندا في اطار حوض النيل والأهمية الاستراتيجية لها كواحدة من دول المنبع وتداعيات الاستعمار البريطاني للسيطرة علي مياه النيل لضمان مصالحه في مصر. ويوضح موليرا أن الأهمية الاقتصادية والجغرافية لمياه النيل في أوغندا كانت واضحة بشكل كبير بالرغم من تجاهل ذلك في التحليل الاجتماعي والتاريخي لعملية التنمية وما يرتبط ب الكفيف المائي. وتقدر مساحة أوغندا ب236000 كيلومتر15% منها مساحات مائية بالرغم من أنها ليست دولة ساحلية وليس لها أي سواحل علي بحار ومحيطات فمعظم أراضيها جزء من حوض النيل. وهناك بحيرات عديدة ضخمة تعبر أراضي أوغندا والدول المجاورة أهمها بحيرات فيكتوريا وألبرت وادوارد وهناك انهار عديدة اهمها نهر كاجيرا. مشكلة الطاقة الكهربائية اتخذت الحكومة الأوغندية سلسلة من الاجراءات علي المدي القصير والطويل لمواجهة النقص الشديد في الطاقة الكهربائية واعتمدت سياسة الحكومة في هذا الصدد علي تشجيع القطاع الخاص لزيادة الاستثمارات في مشروعات الطاقة الكهربائية ففي موازنة عام2006 2007 خصصت الحكومة123 مليون دولار لدعم تكاليف الكهرباء واستوردت20 ميجاوات من كينيا واقامت مشروعا تصل طاقته ل100 ميجا وات واقترحت الحكومة سلسلة من المواقع يصل عددها إلي14 موقعا لإقامة مولدات كهربائية منها بوجاجالي تصل قوته250 ميجا وات وكاروما بطاقة تتراوح بين59 و300 ميجا وات وتخطط الحكومة لزيادة الطاقة الكهربائية إلي2752 ميجا وات عام2025 لمواجهة احتياجات سكان اوغندا الذين يصل عددهم ل42 مليون شخص. أوغندا وحرب السويس قامت السياسة البريطانية في أحد محاورها الرئيسية قبل حرب السويس بفترة طويلة علي السيطرة علي مياه النيل منابع ومصبا بل استخدم الاستعمار البريطاني المياه كسلاح يشهره دائما لزيادة الضغوط علي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر, ففي عام1893 دعا السير صموئيل بيكر بريطانيا لزيادة منسوب المياه في بحيرة ألبرت للسيطرة علي امدادات المياه لمصر وكان اللورد كرومر مدركا لمدي استخدام سلاح مياه النيل منذ ان عرف مخاوف زعماء مصر من سيطرة قوي أجنبية علي مياه النيل. ويحاول الباحث بهذا الكلام أن ينفي أي دور لأوغندا في محاولات بريطانيا استخدام مياه النيل والسيطرة عليها للنيل من مصر والضغط عليها ومن الصراع علي قناة السويس التي نجح الرئيس عبد الناصر في حسمها بالقرار التاريخي بتأميمها. وكان لجوء بريطانيا إلي خفض تدفق مياه النيل من جينجا في أوغندا إلي مصر أحد الخيارات الممكنة للحكومة البريطانية للضغط علي عبد الناصر لمنعه من تأميم قناة السويس الذي أغضب بريطانيا لتأثيره البالغ علي المصالح الحيوية الاستراتيجية الاقتصادية للإستعمار في منطقة دول حوض النيل. ولجأت بريطانيا لعدة وسائل ردا علي قرار التأميم لعبد الناصر منها استخدام سد اوين لخفض مستوي مياه النيل الابيض والذي تراجعت لندن عنه بعد ذلك كخطوة غير عملية علي الاطلاق وهكذا كان لدي بعض المسئولين البريطانيين اعتقاد بشأن استخدام مياه النيل كسلاح سيكولوجي ضد عبد الناصر. ولقد تغيرت سياسة أوغندا من معاهدتي1929 و1959 من المطالبة بتطبيقها علي أساس تبادلي إلي المطالبة بتغيير المعاهدتين والدعوة لمعاهدة جديدة وفقا لدعوة الرئيس الأوغندي موسيفيني واعلانه أن المعاهدة في صالح مصر فقط كما تزعم بقية دول المنبع واستمرت الانتقادات الاوغندية للمعاهدتين في عام2007 بشكل لافت للنظر. وقال وزير الموارد المائية الأوغندي أننا دولة مستقلة وعلينا الجلوس علي مائدة المفاوضات واصدرت الوزارة بيانا قالت فيه ان البلاد لها موارد مائية يمكن استخدامها في برامج التحديث والتنمية خاصة الزراعية التي تصطدم بعقبة المعاهدتيين بشكل غير عادل وأن عدم العدالة في المعاهدتين يكمن في المتطلبات بشأن ضرورة حصول اوغندا علي موافقة مصر لاستخدام مياهها للبقاء والحياة وأنه لا توجد نفس الالتزامات علي مصر لاستخدام موارد النيل. أيضا توالت الانتقادات علي مصر باعتبارها حليفا لأوغندا غير مرغوب فيه وانتقادات لمعاهدة1929 بأنها أحادية الجانب وخاصة بشأن التشاور مع مصر كما تضمنت الانتقادات ما وصف بأن معاهدة1949 بشأن سد اوين بين مصر واوغندا قد تم فرضها علي اوغندا والزعم بأن المعاهدة لم تعد ملزمة لأوغندا. كل هذه الانتقادات التي نشرت في وسائل الاعلام تعكس مدي الرفض والغضب من جانب كمبالا حول اتفاقيات مياه النيل. أوغندا والمعاهدة الجديدة المقترحة لمياه النيل: تكشف حدة الانتقادات الأوغندية لمعاهدتي1929 و1959 باعتبار أنهما لايخدمان سوي مصالح مصر والسودان فقط, مدي تحول أوغندا كمؤيد قوي لمعاهدة جديدة لمياه النيل باعتبار أن المعاهدة الجديدة ستخدم مصالح دول المنبع. وطالب وزير الموارد المائية في أوغندا بمعاهدة جديدة وقال إنه في حالة اتفاق دول حوض النيل عليها فإنه لا دولة سوف تستخدم مياه النيل بدون ابلاغ الدول الأخري وأشارت الدراسة إلي ما قاله وزير الري المصري السابق محمود أبوزيد بأن مصر تري أن مياه النيل يجب أن تكون أساسا للتعاون وليس للصراع. وتشترك دول شرق افريقيا مثل أوغندا وتنزانيا وكينيا في مصالح مشتركة مثل الثقافة والتاريخ والجغرافيا ومصالح اجتماعية سياسية واجتماعية اقتصادية وبدت هذه المصالح حتمية وضرورية للتعاون بين تلك الدول وهناك عدد من العوامل أولها الاشتراك وشيوعية المصالح حيث أن لدول شرق افريقيا التي تضم تنزانيا وكينيا ورواندا وبروندي واوغندا مصالح تجمعها وأهمها ما يتعلق بموارد مياه النيل. ثانية هذه المصالح يتعلق بأن العلاقات بين دول المنبع ودول المصب تشير إلي أن علي دول شرق أفريقيا أن تصيغ وتشكل موقفا مشتركا وأقل اختلافا مع دول المصب ويقود ذلك إلي العامل الثالث وهو أن علي تلك الدول وهي شرق القارة وخاصة دول المنبع عليها أن تصل بدرجة التعاون بينها إلي مستوي التكامل والتي هي ضرورية لهذه الدول لاتخاذ موقف مشترك من مياه النيل وموارده وقد تجسد التعاون بين تلك الدول في ابرام معاهدة مشتركة في يونيه عام2007. العامل الرابع بين دول شرق افريقيا أن هذه الدول قد الزمت نفسها باتخاذ اجراءات مشتركة لحماية موارد ومياه النيل وخاصة بحيرة فيكتوريا وأخر هذه العوامل هو أنه في غياب اتفاقية واسعة بشأن استخدام مياه النيل يعكس ذلك مدي رفض تلك الدول لمعاهدتي1929 و1959 وان عددا من المبادرات قد تم طرحها في هذا الخصوص بشأن استخدام مياه النيل مثل منظمة حوض كاجيرا التي تعتبر اوغندا عضوا أساسيا فيها مع كينيا ورواندا وبروندي وتنزانيا وهناك برنامج ادارة البيئة في بحيرة فيكتوريا والذي تم اطلاقه في عام1994 منها ادارة موارد ومياه النيل وحمايتها من التلوث وهناك منظمة صيادي بحيرة فيكتوريا وتم تأسيسها عام1994 ما يجمع هذه المبادرات هو اتخاذ موقف مشترك من مياه النيل وادارة موارد النهر العظيم. أوغندا والتعاون بين دول حوض النيل: المشروعات والبرامج ومن ثم فالمصالح الاقتصادية والحيوية لأوغندا في حوض النيل تبدو حتمية هو مايجعلها تشارك بشكل كامل في أي مشروعات لدول حوض النيل وأنشطتها وبرامجها وفي الحقيقة فإن أوغندا شاركت ومازالت تشارك بدور حيوي ونشط في جميع مشروعات دول حوض النيل فكان لها دور نشط في منظمة هيدرومت الذي تم اطلاقه في عام1976 بهدف تقييم توازن المياه في بحيرة فيكتوريا وهذا المشروع كان ذا أهمية بالغة لأوغندا لدوره في حمايتها من الكوارث الناجمة عن الفيضانات أيضا كان لأوغندا دور نشط في مجموعة أندوجو التي ركزت علي إدارة مياه النيل وحماية النهر من التلوث وكان اختيار أوغندا كمقر لسكرتارية مبادرة دول حوض النيل التي اطلقت في عام1999 بهدف تعزيز التعاون بين دول حوض النيل بدور قيادي وفعال لمصر كما شاركت أوغندا في مفوضية النيل المقترحة كبديل لمبادرة حوض النيل. وهكذا تبرز هذه الدراسة مدي المصالح الحيوية لأوغندا في حوض النيل منذ عام1948 وخاصة في التنمية وتخطيط الطاقة الهيدروليكية ففيما كانت كينيا وتنزانيا مهتمتين بنقل مياه النيل لمواجهة احتياجاتها المحلية والصناعية في المناطق التي تعاني من ندرة مائية: اهتمت اوغندا بتدفق المياه لبحيرة فيكتوريا لتعزيز مشروعات الطاقة الهيدروليكية في شلالات اوين وكيرا وغيرها من مشروعات الطاقة الكهربائية علي السدود وكشفت هذه الدراسة عن أن سدي كييرا ونالوبيل كانا وراء انخفاض مستوي المياه في بحيرة فيكتوريا ويؤثر ذلك بشكل سلبي علي مهنة الصيد وانتاج الأسماك وصناعات نقل المياه والسياحة في حوض البحيرة. وكان اندفاع أوغندا لدعم وتأييد اتفاقية جديدة لمياه النيل ينبع من انتقاداتها لاتفاقيتي1929 و1959 وكان ذلك ايضا وراء مشاركتها بشكل كامل وفعال في مشروعات وبرامج حوض النيل.