ها هو العمر يتسرب من بين يديك كقطرات ماء من قطعة ثلج... ها أنت تلملم أوراق عمرك المتبعثرة لتقصها علي أحفادك.. فالماضي بالنسبة لك هو الحياة والحاضر مجهول موعده الوريقة الأولي العشرون من شعبان... لم تتجاوز بعد العاشرة من عمرك.. تلح علي أبويك أن تشتري فانوس رمضان كأبن الجيران لتجري معه وراء المسحراتي... يوافق أبوك بعد دموعك المنهمرة... تمسك في يديه كأنه سيعطيك الحياة... ها هو سوق قريتك يلوح من بعيد.. رائحة الخضر والفاكهة تغزو أنفك.. تتصاعد انفاسك أمام دكان الحاج عبدالرحمن.. هاهي الفوانيس تغزو عينيك,, تحتار في الاختيار فالكل تصميم واحد زجاج وشمعة في الوسط, الإختلاف فقط في اللون والحجم... تغمض عينيك لثوان.. عندما تفتحها تجدها أمامك تبسط يدها لعلها تفوز بمليم أو مليمين.. تندس في جلباب أبيك خوفا منها تسمع أنينها الصامت. حاجة لله يا حاج عبدالرحمن... العيال جعانة.. ربنا ميحوجكاش لحد أبدا ربنا يسهلك تسير قدماها مبتعدة عن المكان.. تجذب أبيك من جلبابه.. تمد يدك له لتأخذ حق الفانوس.. عشرة قروش يعطيها لك بإبتسامة رقيقة.. تخبأها بين كفيك... يأمرك أن تعطيها للحاج عبدالرحمن.. لكنك تجري وراء المرأة لتعطيها حق الفانوس.. تسمع دعواتها.. تعود الي أبيك بمقولة واحدة. أنا كبرت.. ومش عايز فانوس. الوريقة الثانية العشرون من رمضان... البيت يضج بالجيران والأطفال بعد الأفطار.. السمن فوق الناس.. الدقيق ينخل في وسط الدار.. أمك بالداخل تأتي باللبن.. ها أنت تحمل العجوة والملبن لتحشو الكعك بيهما... تقعد جدتك العجوز أمام الماجور لتلت عجين الكعك ها هو السمن يسكب فوق الدقيق.. تفركه جدتك بيديها.. تشير بسكب اللبن تعود لتلت وتضع الخميرة.. تبدأ في تقطيع العجين.. الكل يمسك بالمناقيش.. يقررون من سيصنع كعكة غدا.. تسلب قطعة من العجين لتصنع بها عروسه لتأكلها فور خروجها من الفرن... يتغلب النعاس عليك.. تستيقظ وقت السحور.. تأمر جدتك أمك بإشعال الفرن.. تلملم بعض الحطب وروث البهائم( الجلة) من فوق السطح ليشتعل الفرن... تضع جدك الصاج الأول الذي يحتوي علي عروستك.. تخرج العروس جاهزة للزفاف علي فمك تقربها منه.. الآذان يلجم حركتك. الوريقة الثالثة العاشر من ذي الحجة.. تهرول نحو صديقك الذي تعرفت عليه منذ عام تقريبا لتريه ملابس العيد.. تتعلق في رقبته.. تذهب للصلاة مع أقرانك.. بعد الصلاة تشتري مسدسا لتلعب به.. تعود الي البيت كي يراه صديقك.. تبحث عنه لن تجده.. فصوته لن يخبرك أين هو... ها هي رأس صديقك ملقي بجوار فروه... تبكي وتبكي.. تدخل حجرتك معلنا الحداد عليه.. ها هي أمك تقدم اليك ما تشتهي من اللحم تغمض عينيك هامسا بالدموع. لن آكل لحم صديقي الوريقة الأخيرة لم تتجاوز بعد الثالثة عشرة.. صراخ ولطيم للخدود يوقظك من غفوتك... ها هو جسد أبيك يرقد رقدته الأخيرة.. ترتمي فوقه لعله يكون حلما... لكنها الحقيقة التي يهرب منها الجميع... تقف بجوار أعمامك تتقبل العزاء... مساء تخلع ثوبك الطفولي لترتدي رداء الحياة. أيمن وهدان