ظاهرة الحياة داخل القوارب ظاهرة عالمية, فهناك شعب كامل يسمي' شعب القوارب' يتكون من آلاف اللاجئين من كمبوديا وفيتنام يبحر علي سواحل مياه المحيط الهادي في جنوب شرق آسيا. أما في مصر ف' شعب المراكبية' ينتشرون أمام' جزيرة الدهب' و'الوراق' وعلي كورنيش المعادي وطرة. في ظاهرة انتشرت في مصر عندما لجأ عدد من الأسر إلي الحياة في فلوكات صغيرة بعد أن استحال عليهم الحصول علي أربعة جدران تأويهم فكونوا حياة كاملة لها مشاكلها وعاداتها وتقاليدها الخاصة. الأهرام المسائي تتعرف علي هذا العالم خلال التحقيق التالي.. الخامسة فجرا بداية يومهم, حيث يعملون كخلايا النحل مع أول ظهور لضوء النهار, كل يعرف دوره بمجرد انطلاق الفلوكة التي لا يزيد طولها عن أربعة أمتار وعرضها عن متر. الأم في قلب المركب تعد طعام اليوم والأب مع أحد أولاده أو جميعهم يرمون الشباك بينما تقبض يد أحدهم علي المجداف. أما في حال عدم وجود أبناء فالأم هي من تقوم بمهمة التجديف. بعدها تبدأ رحلة البحث عن الرزق وانتظار الغزل أو الشبك والأمل كل الأمل في السمك, لترفع الأم يديها وتدعو للزوج قائلة( يارب حنن قلب السمك وارزقنا برزق ولادنا) لتمر الدقائق وكأنها ساعات حتي يحين موعد لم الشبك ليفرح الجميع أو يصابون بخيبة الأمل, لكن في النهاية' الرزق علي الله'. فإذا كان الخير وفيرا فهنا يأتي دور تجار الأسماك والأهالي الذين يقفون علي الشط في انتظار المراكب لجمع خير البحر من الصيادين حيث يذهب الذين' جبر البحر خاطرهم' ليرسوا بمراكبهم سعداء.. وفي النهاية دائما' الحمد والشكر لك يا رب' سواء كان الرزق وافرا أو كان قليلا. صياد أبا عن جد من محطة' القلل' في منطقة' طناش' بالجيزة أخذنا فلوكة صغيرة لعبور النهر وتحديدا أمام جزيرة الوراق لنلتقي بمجموعة من سكان المراكب هناك والذين اتخذوا من شاطيء الجزيرة مرسي لهم. عم أحمد عبدالفتاح'50 سنة' أول وجه قابلناه علي مركبه الصغير, أسرة عم أحمد مكونة من الزوجة والأحفاد, حيث تعيش ابنته الكبري هي وزوجها في الفلوكة المجاورة. يقول عم أحمد كل الصيادين هنا من مواليد النهر لكن من محافظات مختلفة فأنا وكل جيراني في المراكب من المنوفية حضرنا إلي مصر للبحث عن الرزق في النيل وكلنا ورثنا المهنة عن أجدادنا,' يعني اتولدت لقيت نفسي صياد ابن صياد وعندي7 أولاد كلهم صيادون والبنت متزوجة أيضا من صياد'. ويؤكد أنهم جميعا لا يعرفون مهنة غير هذه المهنة ولا يحبون حياة البر لأن' البحر' روحنا والسمك رزقنا. لكنه يشرد ويضيف' للأسف الحال تغيرت بسبب مصنع الحوامدية الذي يصرف نفاياته في النهر, ويتسبب في موت الأسماك, علاوة علي أن السمك الصغير أو الزريعة يأخذه أصحاب المزارع الذين يملأون الأسواق الآن ويشتريها منهم الناس علي أنها سمك نيلي. بجوار فلوكة عم أحمد يعيش إبراهيم الذي لم يتعد عمره26 عاما مع زوجته وابنه يوسف البالغ من العمر سنة.' أنا مثل كل سكان المراكب' هكذا بدأ أبو يوسف حديثه معنا, قبل أن يقول' ورثت المهنة عن أجدادي, وزوجتي هنا تساعدني وتشد حيلي, فزوجة الصياد كالوتد لا يستطيع أن يستغني عنها, ودورها كبير جدا فهي أم وزوجة وصيادة ماهرة, تفرد الشبك وتلم السمك وتبيع وكمان تجدف زيها زينا, وعلي فكرة كل الصيادين هنا لا يجيدون القراءة والكتابة لأننا اتولدنا في البحر وولادنا كمان لا يذهبون إلي المدرسة لأن أيديهم بأيدينا'.. عم ابراهيم لا يحلم إلا بنقابة خاصة بهم تحميهم وتنظم حقوقهم, ويضيف' الصورة التي نشرها صلاح السعدني عن المراكبي والصياد في فيلمه غير صحيحة لأنها لا تعبر سوي عن حالة فردية لأننا جميعا لدينا شهادات ميلاد والرجال منا لديهم شهادات الجيش وتصاريح لممارسة مهنة الصيد حتي السيدات يحملن نفس التصاريح'. ورغم أن ابراهيم' عريس جديد' فإنه راض بحياته, و'مبسوط بالعيشة الرومانسية حيث يضطر الشباب للجلوس في كافتريات وكازينوهات النهر أما أنا فأجلس بلوشي'. بنت الصياد تتزوج صيادا 'أم آية'.. زوجة بسيطة أتت مع زوجها في مركبة لتعيش أمام الجزيرة هي وأولادها الثلاثة عاطف وآية وأسامة سألناها كيف تقضين يومك وتعيشين أنت وزوجك في هذه المساحة فقالت' بنت الصياد تتزوج صيادا لأنها تعرف وتقدر حياته, فلا توجد بنت عادية تستطيع تحمل الحياة داخل مركب بسيط في قلب البحر هي وأسرتها ومعها طبعا ملابسها وأوانيها وطعامها والباجور الذي تعد عليه أكلها'.. سألناها علي استحياء عن' حياتها الزوجية' فردت بابتسامة وقالت' علي فكرة أخت زوجي البالغة من العمر15 عاما تعيش معنا في نفس المكان, لكن عند النوم تنام في مركب مجاور لنا لوحدها, لأنها بنت بنوت, وحياتي الزوجية أعيشها بصورة طبيعية عندما لا يكون أحد في المركب'. وأردفت' هذا نصيبي وقدري' أم آية تتمني أن تعلم أولادها القراءة والكتابة و'بس خلاص'.