عندما تمر بجوار أحدهم، وقبل أن تمد له قدمك ليمسح أوساخ حذائك اعلم أنه إنسان مثلك.. قهرته الظروف في مجتمع لا يرحم أنتج لنا مهنًا على هامش الحياة، لا أحد يكترث بأصحابها وكأنهم من خارج الزمن. قبل أن تمد قدمك لماسح الأحذية فكر في الظروف اللاإنسانية التي جعلته يمتهن تلك المهنة، فهي نفس الظروف التي قد يقع فريستها أى شخص. ماسح الأحذية هو الشخص الذى يبتسم فى وجه كل زبائنه، من خلال سؤاله الشهير الذى لا يتعدى سوا كلمة واحدة "تلمع"؟ وراء ابتسامته التى ربما تكون روتينية بحكم عمله من أجل لقمة العيش، حزن لا يشعر به سواى أصحاب تلك المهنة.. لا أحد يشعر بتلك الفئة المطحونة. "بوابة الأهرام" اقتربت منهم للتعرف على آلامهم وأحلامهم وخوفهم. يقول عم محمد كامل (59 سنة- يعمل ماسح أحذية منذ 40 عامًا)، "الحال مش ذى الأول.. والشغل كان زمان أكتر باستخدم صبغة وورنيش أسود وورنيش أصفر.. بشترى العدة من شارع الرويعى وباب الشعرية وشارع الجيش.. بكسب 40 جنيه فى اليوم منهم 20 جنيه بشترى بها بضاعة للشغل.. ربنا اللى بيرزق بس لو فى يوم منزلتش الشغل مش هلاقى أكل ليا ولا عيالى ومراتى.. لأنى مريض وعندى ضمور فى العظم وباخد يوم الجمعة غصب عنى إجازة بسبب مرضى .. وبطلب من الله أن حال البلد يمشى". وتابع عم محمد "الصندوق اللى بشتغل بيه تمنه 200 جنيه أما علبة الورنيش ب5 جنيهات.. وبلمع الجزمة بجنيه تقريبًا.. أنا مش بطلب من أحد اللى معاه بيدفع.. علشان هى أرزاق من عند ربنا.. والناس حالها تعبان". ويقول محمود عبد الرازق ماسح أحذية شاب (31 سنة- حاصل على دبلوم صنايع)، "يشتغل جزماتى من 7 سنين، عشان أصرف على مراتى وولادى.. بنتين وولد.. بكسب فى اليوم من 30 إلى 40 جنيهًا وباستخدم ورنيش وصبغة وتنر وبشترى العدة من أي عطار موجود.. وبلمع الأحذية بجنيه ونصف.. باخد دقيقتين في تلميع الجزمة حسب حالها نوع جلدها وعمرها كل دا بيأثر في وقت التلميع". وتابع، "عايز من الحكومة تسيب الناس فى حالها تاكل عيش .. لأن البلدية مبترحمش وبتيجى تخدنا وتاخد صناديقنا.. واحنا مش بنضر حد.. إحنا بنسترزق عشان لقمة عيش". محمد جابر 30 سنة.. يعمل من 3 سنوات ماسح أحذية، قال "أنا بكسب حسب الظروف.. ممكن أكسب فى اليوم 25 جنيهًا.. وممكن فى يوم مكسبش خالص.. أنا معايا دبلوم تجارة من 2001.. كان ممكن أكمل تعليمى بس مفيش شغل فى البلد.. عشان كدة قررت أنزل واشترى صندوق وأشتغل ومنه بصرف على أولادى ومراتى عشان رأسمال الشغلانة أقدر عليه.. الصندوق ب 100 جنية فقط". اختلفت نسب الرزق بينهم.. لكنهم اتفقوا في البحث عن لقة العيش وبرغم ظروفهم الصعبة لكن الابتسامة لا تفارق وجوهم.. ولا يريدون سوى استقرار حال البلد للحصول على رزقهم للإنفاق على أسرهم البسيطة. .