فى زمن لم يشهد انتشار الراديو والتليفزيون فى العديد من القرى والنجوع بمحافظات مصر كانت الوسيلة الوحيدة للإعلان والتواصل هو ترديد المراد إذاعته بصوت مرتفع وفى جماعات فى صورة أشبه بمكبرات الصوت ولتأدية الغرض نفسه. لم يكن أهم من موعد أذان المغرب وحلول وقت الإفطار للقيام بهذا الأمر وإبلاغ الجميع بانتهاء ساعات الصيام، وقد كانت مهمة الأطفال، فى مشهد رواه لنا الآباء والأجداد خاصة من ينتمى منهم لقرى الصعيد، ولإضفاء حالة من البهجة والسرور والاختلاف على ما يقومون بإذاعته يومياً كانوا يرددون بنغمات عالية «افطر يا صايم ع الكحك العايم»، تلك الكلمات الغنائية التراثية التى ارتبطت فيما بعد بأجواء العيد وباتت ذكرى تنتمى بشكل أكبر إلى أيام عيد الفطر خاصة لمن لم يشهد تفاصيل وذكريات تلك الأيام. الكحك «العايم» فى السمن وفقاً لتفسير كلمات الأغنية لم يكن بالطبع وجبة الإفطار فى رمضان ولكن ربما كانت إشارة واستعدادا لموعد الإفطار الأخير تزامناً مع استقبال عيد الفطر المبارك وطقوس تناول الكحك والبسكويت وكل ما استجد على قائمة مستلزمات العيد.والأمر ليس مقصورا على تناوله فقط، فتجهيز وإعداد الكحك كان بالماضى القريب أمراً معتاداً وتراثاً محبباً وأحياناً واجباً على الجميع، «الكحك البيتي» الذى كان يصل محطته الأخيرة إلى الأفران فى الشارع على «صاجات» ممتدة على طوابير طويلة تنتظر دورها للوصول. مهنة ربما اندثرت مع انتعاش سوق الكحك الجاهز والإقبال الكبير عليه وتخلِّى عدد كبير ممن كانوا يفضلون «المعمول» عنه، ولكن لا تزال المحاولات قائمة للاحتفاظ بها والحفاظ عليها والتى تظهر من خلال قيام بعض السيدات بإعداد الكحك منزلياً ليس فقط من باب التدبير والتوفير ولكن بحثاً عن لمَّة وصحبة للأمهات حول تجهيز صاجات الكحك وكذلك للأبناء الذين يجتمعون معاً أمام المخابز والأفران.