تكريم الطلاب الفائزين في مسابقة القرآن الكريم بجامعة قناة السويس    رئيس جامعة بني سويف يرأس اجتماع مديري الكليات    تاجر أسماك: تجار الجملة والقطاعي اضطروا لتخفيض الأسعار بسبب المقاطعة    شركة إير فرانس-كيه ال ام للطيران تتكبد خسائر خلال الربع الأول    بعد تراجع الأوفر برايس .. سعر شيري تيجو 8 العائلية 2024 الجديدة    «المالية»: مشروع رأس الحكمة يؤكد قدرة مصر على جذب التدفقات الاستثمارية    محافظ القاهرة يوجه بتكثيف أعمال الرقابة على الأسواق والمخابز    مع دخولها الأسبوع الثاني.. ماذا تريد الاحتجاجات الطلابية في أمريكا من إسرائيل؟    الفلسطينيون في قطاع غزة يعانون مأساة جديدة جراء ارتفاع درجات الحرارة.. تفاصيل    عضو ب«الشيوخ»: اقتحام الاحتلال الإسرائيلي لرفح الفلسطينية أمر لن تقبله مصر    بالأرقام.. حجم التبادل التجاري والاستثماري بين مصر والكويت تزامنا مع زيارة الأمير للقاهرة    واشنطن: لا نؤيد تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بشأن ممارسات إسرائيل في غزة    حسين لبيب يكشف مفاجأة عن هدفي الزمالك الثاني والثالث ضد دريمز    «الأرصاد» تحذر من رياح نشطة ومثيرة للرمال على الطرق السريعة والصحراوية    «بيطري المنوفية»: ضبط 8 أطنان لحوم ودواجن وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي    «الداخلية» تنفي مزاعم الإخوان حول انتهاكات في سجن القناطر: مغلق ولا يوجد به نزلاء    18 مليون جنيه حصيلة الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    هل وجود سيدنا موسى في مصر حقيقة أم جدل؟.. "الافتاء" ترد علي زاهي حواس    الموضوع وصل القضاء.. محمد أبو بكر يرد على ميار الببلاوي: "أنا مش تيس"    أسهل طريقة لتحضير كيكة البسكويت الباردة.. «جهزيها من غير دقيق وبيض»    أسترازينيكا: لقاح كورونا يسبب أثارا جانبية مميتة| فما مصير من تلقي اللقاح؟    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 30 أبريل 2024    موعد مباراة الزمالك القادمة ضد البنك الأهلى فى الدورى والقناة الناقلة    مواعيد مباريات الثلاثاء 30 إبريل - ريال مدريد ضد بايرن.. وكلاسيكو السعودية    وزير الإسكان: نعمل على الاستثمار في العامل البشري والكوادر الشبابية    الزراعة: زيادة إنتاجية فدان القمح إلى 26 أردبا بالأقصر .. تفاصيل    اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات الاشتراك في مشروع العلاج بنقابة المحامين    افتتاح المعرض السنوي لطلاب مدارس التعليم الفني بالقاهرة تحت شعار "ابدع واصنع"    قرار قضائي عاجل ضد المتهم المتسبب في وفاة تسنيم بسطاوي طبيبة التجمع    مؤسسة ساويرس تقدم منحة مجانية لتدريب بحارة اليخوت في دمياط    "صدى البلد" يحاور وزير العمل.. 8 مفاجآت قوية بشأن الأجور وأصول اتحاد عمال مصر وقانون العمل    سفير فنلندا في زيارة لمكتبة الإسكندرية    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    بروتوكول تعاون بين كلية الصيدلة وهيئة الدواء المصرية في مجالات خدمة المجتمع    البنتاجون يكشف عن تكلفة بناء الرصيف المؤقت قبالة ساحل غزة    "أسترازينيكا" تعترف: آثار جانبية قد تكون مميتة للقاح فيروس كورونا    حسام موافي في ضيافة "مساء dmc" الليلة على قناة dmc    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    اليوم.. استئناف فتاة على حكم رفض إثبات نسب طفلها للاعب كرة شهير    اليوم.. الحُكم على 5 مُتهمين بإزهاق روح سائق في الطريق العام    إمام: شعبية الأهلي والزمالك متساوية..ومحمد صلاح أسطورة مصر الوحيدة    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    ظهور خاص لزوجة خالد عليش والأخير يعلق: اللهم ارزقني الذرية الصالحة    هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيب    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    حشيش وشابو.. السجن 10 سنوات لعامل بتهمة الاتجار بالمواد المخدرة في سوهاج    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في عيد الأم.. هؤلاء الآباء يستحقون الاحتفاء.. قصص من واقع الحياة المصرية تجسد "أمومة " الرجل
نشر في بوابة الأهرام يوم 21 - 03 - 2021

ليس تعديًا على يوم الأمهات ولكن حتى تكتمل الاحتفالات
«آباء» يستحقون الاحتفاء
اجتازوا اختبارات القدر وخاضوا تجارب استثنائية.. والأبناء يقدمون التحية فى «العيد المناسب» بسرد الحكايات تحت شعار «أمومة فى جلباب أبى»
هو يوم الأمهات وعيدهن، ورغم ذلك لن تمانع أى منهن مشاركة الآباء فى الاحتفال، خاصة إذا كانوا من الآباء الذين قُدِّر لهم ممارسة الأمومة، فاحتلوا المكانة التى يصعب على أى شخص كان الوصول إليها وتحمل المشقة والعناء والمسئولية التى تقتضيها وتفرضها تلك المكانة.
لذلك فإن الاحتفال بهم ليس تطفلًا على الأمهات فى عيدهن ولا تجاهلًا لهن فى يومهن، بل قد يكون اعترافًا بالدور الكبير الذى تقوم به كل أم فى حياة أبنائها لدرجة تجعل من تَحمُّل بعض الرجال لمهامهن ومسئولياتهن أمرًا يستحق الإشادة والتقدير.
وما بين مناوشات أسرية يختلط فيها الهزل بالجد ويُعرِب من خلالها بعض الآباء عن رغبتهم فى «نصيب» من احتفالات عيد الأم، فإننا نسعى من جانب لتحقيق تلك الرغبة ربما لإثبات عكس القناعة السائدة لدى معظم الآباء بأنهم «منسيون» وتغفلهم ذاكرة الأبناء سهوًا فى كل احتفال بالأم، بالإضافة إلى استغلال أصداء الاحتفال والاهتمام التى يحظى بها عيد الأم مقارنة بعيد الأب الذى لا يعلم الكثير عن وجوده وحتى من سمعوا عنه لا يحتفلون به لعدم انتشار فكرته كعيد الأمهات، ولأن هناك العديد من الآباء الذين يمارسون فعل الأمومة لأسباب مختلفة تؤكد جميعًا أن الأمر لا يشترط الحمل والإنجاب فقط حتى يمكن ممارسته، بل لا يشترط حتى أن يكون الفاعل أنثى لتتولد تلك المشاعر وتحضر تلك المهام والمسئوليات، لكل هذه الأسباب اختارت «الأهرام المسائى» الاحتفاء بالآباء هذا العام فى الوقت الأنسب والمناسبة الأكثر ملاءمة لقول كلمة شكر وتقدير لكل من يستحق سماعها وإن لم يطلبها. لذلك فإن أبطال احتفال هذا العام هم مجموعة استثنائية من الآباء الذين شاءت الظروف والأقدار لهم حياة استثنائية كان فيها بعضهم الأب والأم فى حياة الأبناء، فيما اختار البعض أداء الدور الصعب بمحض إرادته حتى وإن كان لا يربطهم بهؤلاء الأبناء صلة دم بحثًا عن سعادة خفية تتوارى خلف المهمة الأصعب، وفريق ثالث منحه القدر حكاية خاصة جدًا جديرة بالرواية والتوثيق والاحتفاء.
«السند» و«المودة» و«الرحمة» منهج حياة بدأه مع الزوجة واستگمله مع الأبناء
«على».. حگاية العمر گله
«أصبح أمى».. هذا هو اختصار العلاقة التى ربطت «على» بابنته »مروة« وشقيقها الأصغر «محمد» منذ رحيل والدتهما بعد حوالى خمس سنوات من صراع مع السرطان، حمل فيها الأب والزوج والحبيب سر زوجته محتفظًا به لنفسه ولها حتى لا يعلم أطفالهما حقيقة ما أصاب الأم، ليكونا شاهدين فقط على تحول يوم الأب وحجم مهامه ومسئولياته داخل المنزل وخارجه، وقد جاء تفسيرهما لهذا التغيير فى إطار العلاقة الطيبة التى اعتادا عليها بين والديهما، فما رأوا منهما وبينهما إلا المودة والرحمة، فلم تكن هناك أى رواسب لخلافات أو مناوشات زوجية كالمعتاد، بل كان الحب والتقدير لغة الحوار السائدة فى منزل «علي» لذلك كان التغيير فى مهام الأب والأم ممكنًا ومقبولًا فى إطار الحياة التى اعتادوها خاصة أن ما كان يشغلهما كأطفال فى سن صغيرة هو تلبية كل احتياجاتهم دون التركيز على كيفية حدوث ذلك.
ولكن لأن ذاكرة الأطفال كثيرًا ما تسجل بعض المواقف التى وقعت منذ زمن بعيد ولا تنساها أبدًا، تتذكر «مروة» أنه عندما حل السرطان كضيف ثقيل على الأم ساندها زوجها وخفف عنها من خلال التواجد دائمًا وقت حاجتها، فلم يكن يسمح لأحد قضاء حاجتها أو مساعدتها، تلك الحقيقة التى أدركتها بعد رحيل والدتها، مؤكدة أنه كان يرى نفسه «السند» الذى تستحقه ولا يريد أن تحتاج لغيره، وكذلك لأولاده حيث بات مسئولًا عن الكثير من المهام المنزلية والتنسيق بينها وبين «المواعيد» السرية التى كان يعقدها وزوجته للذهاب إلى جلسات العلاج والمتابعة بالمستشفيات دون إخبار الأبناء.
حتى حان موعد الرحيل، حين سبقت الأم لدار الحق وانتقلت إلى رحمة الله تعالى عام 1991 تاركة شريك عمرها ورحلتها مع أطفال فى عمر الزهور، وكان من الطبيعى أن تنهال على الزوج الكثير من الأفكار والعروض بالزواج بعد فترة بسيطة لظروفه ومسئولياته الجديدة التى كان يشك الجميع فى قدرته على تحملها طويلًا، بخلاف ما قاله البعض عن حقه الطبيعى فى استكمال حياته مع زوجة أخرى حتى من قِبل أشقاء الأم الذين ألحّوا فى طلبهم فى سبيل مصلحة الصغار، فعلى حد قولهم «هو لسه صغير ولازم يشوف حياته ومش هيقدر على حِمل الولاد لوحده».
ولكن جاء الرفض ردًا قاطعًا ومانعًا الحديث فى الأمر من جديد، ليبدأ «على» مرحلة جديدة مع أولاده بعدما أفرغ شحنة كبيرة من الحزن ووجع الفراق وامتصاص صدمة الوحدة والانهيار لفراق الحبيبة والزوجة بعيدًا عنهم ليقرر بعدها استكمال رحلة الحياة مع أولاده، رحلة محددة الأهداف وهى راحتهم وتعويضهم ونجاحهم.
كل هذه الأحداث سردتها «مروة» بنبرة امتزجت فيها مشاعر الحزن الذى استدعاه ذكر بعض الأحداث مع الفخر بأب ورجل قلما يجود به الزمان، اختصرت 30 عامًا من الإخلاص والوفاء والحب وإن كانت من واجبات الزواج إلا أنها عملة نادرة لا يحفظها سوى القليل ممن يصر على العهد ويسعى لتحقيق الوعد.
وعد وإن كان قطعه على نفسه دون إخبار أحد بالتحول لأم لا يقف أمامها أى عقبة فى طريق رعاية الأولاد، فتحول دون اتفاق ولا ترتيب مع الأبناء إلى الأم التى كانوا يتمنون ويحتاجون، يعد لهم أشهى الأطعمة ويقوم بتنظيف المنزل ويخصص يومًا فى الأسبوع لغسل الملابس ومتابعة دروسهم اليومية وأوقات المذاكرة إلى جانب عمله الذى اضطر فى بعض الأوقات أن يكون صباحًا ومساء لتوفير كل احتياجات الأسرة، على أن يكون هناك فاصل فى وسط اليوم لإعداد كل ما يلزم لهم فى إطار البرنامج اليومى الذى كان يقوم به دون ملل أو مطالبة براحة أو طلب مساعدة.
ورغم وجود معاش للأم إلا أنه أصر على الاحتفاظ به بعيدًا عن احتياجات البيت وعدم المساس به فى أحد البنوك بأسمائهم، ومع كل مرحلة عمرية جديدة كانت تختلف قائمة الاحتياجات والمهام والمسئوليات فكان يتبدل معها «على» بحثًا عن كل سبل الراحة للأبناء التى تصل بهم إلى بر الأمان.
ليسود الصمت لحظات وتستكمل «مروة» حديثها بابتسامة قائلة: «الحمد لله اللى كان نفسه فيه وبيتمناه حققه، أنا بقيت طبيبة بيطرية وأخويا محاسب فى أحد البنوك»، لتُنهى حديثها بالامتنان والشكر والتقدير وكل المشاعر الطيبة التى لا تكفى والدها ولا تقابل كل ما وهبهم إياه، مشيرة إلى أنه علمها أهم درس فى حياتها ومنحها الأمان قائلة: «مش أى حد يقدر يعمل اللى أبويا عمله، ربنا يجازيه عنا كل خير، هو الأب والأم كما ينبغى، المهم إن لسه حكايات أبويا عن أمى مبتخلصش لحد دلوقتى».
لم يتزوج ولگنه «أب» و«أم» و«صاحب» و«جد» لگل مرضى ال MS وذويهم
«درويش».. الباب المفتوح ل«عائلة» رعاية
يشاء القدر للبعض بحياة استثنائية لا تشبه المعتاد أو الغالب، الأمر الذى قد يجده بعضهم محنة والذى يحوِّله آخرون إلى «منحة» يهبها لغيره كما لنفسه، وصاحب هذه الحكاية من هؤلاء الذين جعلوا من حكاياتهم الاستثنائية نموذجاً يُضرب به الأمثال ويتحاكى عنه الكثيرون.
«أحمد درويش»، هذا الرجل اختار بمحض إرادته ألا يتزوج ليواجه «التصلب المتعدد» وحيداً دون شركاء فى المعركة، ولكنه أراد الإنجاب وتكوين عائلة، وهذا ما سعى إليه بهدف مزدوج حين شارك وسعى لإنشاء جمعية لمرض التصلب المتعدد خاصة أنه نادر غير منتشر ويعلم جيداً كم هى حاجة كل مريض MS للمساندة والدعم والتواجد وسط هذا التجمع العائلى القائم أولًا وأخيرًا على الرعاية.
وقد كان هذا هدفه واسمه أيضًا، فأصبح هناك جمعية «رعاية» التى تجمع مرضى الMS وذويهم وكل مهتم بتبادل المعرفة والخبرة حول المرض من مرضى وأطباء يقدمون كل الدعم المعنوى قبل الطبى فى سبيل تحقيق الرعاية والعناية بكل المرضى خاصة فى الأوقات الصعبة التى يحتاج فيها المريض لمن يساعده على تخطيها. ولأن «درويش» كان من المرضى ذوى الخبرة، عاش معه لسنوات طويلة منحته كل ما يلزم من معلومات لأى مريض مستجد، فقد قرر ألا يعيش وحيداً أو يُغلق على نفسه باباً بل أصبح هو الباب المفتوح أمام كل مرضى التصلب المتعدد الذين وجدوا فيه أباً روحياً بكل ما تعنيه وتحمله الكلمة من مشاعر.
فبشهادة كل المرضى كرس «درويش» حياته للتوعية بالمرض والتخفيف من وطأة آلامه عليهم، ولم يقف العمر حائلاً بينه وبين المرضى من الشباب، فقد استطاع وهو على مشارف بلوغ الستين أن يحصل على عشرات بل مئات الأبناء والأحفاد والأصدقاء والأشقاء، لقد استطاع تكوين عائلة كبيرة يمنح كل فرد فيها القدر الذى يحتاجه من الاهتمام والمساندة والتواجد.
وحتى عندما بات الحديث عن المرض متداولاً فى وسائل الإعلام المختلفة لم يكن يهتم أبداً بالحديث عن نفسه أو معاناته بقدر ما كان حديثه عن «الأولاد» كما يُطلق عليهم دائماً، حيث كان حريصاً على الإشارة لأصحاب الحاجات من محافظات مختلفة فى محاولة لتوصيل صوت كل من يحتاج فى سبيل تحقيق هدف واحد هو رعاية أبناء الMS.
لذلك لا يمكن أن تمر مناسبة كعيد الأم خاصة إذا كان الاحتفاء بالآباء أصحاب الحكايات الاستثنائية دون أن يكون بينهم، فقد كان ولا يزال «الأب والأم» اللذين اجتمعا فى جسد واحد من أجل رعاية أهل الMS.
رحلت شريكة عمره فأحيا ذكراها بتثبيت جذور العائلة ولمّ شمل الأبناء والأحفاد
«حسين»..«الوتد» لا يموت
أثناء سرد بعض الحكايات تجد نفسك أمام صورة حية تتجسد بكل مشاهدها، تشعر أثناء الاستماع إليها وكأنك ترى الأحداث والتفاصيل كاملة، وهذه الحكاية واحدة من تلك الحكايات التى تراها وتستمع إليها بالقلب لا الآذان فتتجسد مشاهدها أمامك وكأنك كنت يومًا واحدًا من أبطالها ومُشاركًا فى أحداثها.
ولأن لكل حكاية عنوانًا يمنحنا موجزًا سريعًا يختصر كل المعانى التى تحملها، فإن »الوتد« هو التعبير الأنسب والوصف الأدق لصاحب هذه الحكاية، لأن أساس حكايته ورسالته فى الحياة هو مد الجذور فى الأرض وتثبيتها بقوة حتى تستطيع الصمود فى مواجهة أى رياح تحاول اقتلاعها، كما كان أهم المبادئ التى ساقها إلى الأبناء ثم الأحفاد هى فكرة «الوتد» و«القوة» التى تنبعث من الجماعة لا الفرد، فشبْوا وشابوا على ذلك، فهذا ما زرعه «حسين مرزوق» ابن المنيا فى أولاده وأحفاده وحصده فى كل ما بقى محفورًا فى قلوبهم وأذهانهم معتادًا فى طبائعهم.
اعتاد أن يكون شريكًا فى حياة كل ابن وحفيد، شريكًا يبحث عنه كل منهم بمواصفات مختلفة، استطاع أن يجمعها كلها فى شخصية يمكنها أن تقدم لكل منهم ما يحتاج وقتما يحتاج، بل كان ملجأهم الأول وكاتم أسرارهم من أكبر ابن لأصغر حفيد وحفيدة دون تفرقة وبنفس القدر من الاهتمام والتقدير للحكاية التى تُروَى له، ترى فى أحاديثه ونصائحه «الصديق» الأقرب والأوفى لهم بل يجد فيه بعضهم «أبًا ثانيًا» بعد أن اجتاز معهم فكرة الجد والأحفاد، ورغم مهام عمله ومسئولياته داخل وخارج المنزل كزوج وأب ورب أسرة لكن دائمًا كان لديه متسع من الوقت يكفى لتلبية احتياجات الجميع والاستماع لمشكلاتهم والتفكير فى حلول ومداواة جراح أى فرد فى العائلة واعتبار مشكلته أزمة يمر بها الجميع وليس وحده، إلى جانب حرصه الشديد على الحفاظ على وقت «مستقطع» خاص جدًا بالأحفاد لا يجرؤ أحد على اقتحامه أو المساس به، فيستذكر الدروس مع أحدهم، ويقوم بكتابة الملخصات للآخر ويشرح إحدى النقاط المُبهمة لغيره، فيما يفكر وسط كل ذلك فى «خروجة الأسبوع» التى لا يمكن أن يتخطى موعدها أو يقوم بإلغائها لأن هناك من ينتظر بفارغ الصبر «فسحة جدو حسين».
ذكريات لم تكن وليدة موقف أو مرحلة عمرية سواء للأبناء أو الأحفاد بل كان منهجًا أسريًا خاصًا له مجموعة من الأسس التى لا يحيد عنها أبدًا، لذلك لم يكن رحيل شريكة العمر نقطة تحول فى مسار حياته بقدر ما كان نقطة فارقة جعلته أكثر حرصًا على تنفيذ هذا المنهج من أجل تنفيذ وصايا الزوجة وطمأنة روحها التى انتقلت إلى رحمة ربها بأن ما عاشا عليه سيبقى حيًا دائمًا بينهم إلى جانب قناعة الأمان التى تنبعث من قوة العائلة ومدى تماسكها، تلك القاعدة التى طالما آمن بها وأوصى بها أولاده حرصًا على تربية كل جيل جديد ينضم إلى العائلة على نفس النهج.
ورغم صدمة فراق حبيبة عمره التى سبقتها صدمة إصابتها بالمرض الخبيث إلا أن التماسك كان سبيله الوحيد لتقوية قلوب وتثبيت نفوس سبعة أبناء ومجموعة من الأحفاد الذين لم يتحملوا توالى الصدمات، ربما لأنه اعتاد إظهار تماسكه منذ علم بمرض زوجته إلى جانب يقينه من أنه قد حان الوقت ليمارس «الأمومة» و«الأبوة» معًا بكل المهام والمسئوليات التى يتطلبها كل دور فى سبيل تعويض الأبناء والأحفاد عما فقدوه بغياب «الأم» و«الجدة» فأصبح نسخة جديدة منها مُضافًا إليها هو، لذلك كان هو النموذج الحى أمام أبنائه للإيمان بالقدر والرضا به والسعى لاستكمال مشوار الحياة مهما كانت الظروف فاستلهموا منه الصبر والسلوان على فقدان أهم أضلاع الأسرة.
لم يحاول إخفاء مشاعره أو إجبار أحد على ذلك، ولكن فى المقابل رأى أن الدواء والمسكن الدائم الذى لا يزول مفعوله يكمن فى لمّ الشمل والتواجد معًا كعائلة بصفة مستمرة تساند بعضها البعض وتتبادل السؤال عن الأحوال ويتشاركون الأيام والمناسبات المميزة حرصًا على عدم تغيير العادات أو السماح للأحزان بإفساد أجواء الراحة والأمان اللذين يحضران فقط فى تجمع العائلة.
غاب «الأصل» وبقيت «السيرة» وست صور
«سيد».. أبو البنات
قد لا يكون صاحب حكاية استثنائية غابت فيها الأم ليحل محلها أو يقوم بدورها، ولكنه فى النهاية صاحب تجربة تستحق أن تُروَى ويستحق هو عليها كلمات الشكر والتقدير والامتنان من أبنائه الذين تمنوا لو كان بينهم الآن ليشهد ما أصبحوا عليه ويستمع لكل ما يرددونه عنه يومياً.
للوهلة الأولى يمكن أن تتخيله فى صورة الفنان الراحل «حسين رياض» فى فيلم السبع بنات، فيتجسد أمامك صورة الأب الذى يتمنى أن يمنح بناته كل شيء ساعيًا لتحقيق كل أحلامهن ومعها حلمه الذى طالما تمنى تحقيقه بتزويج بناته واحدة تلو الأخرى، «السيد إبراهيم» هو تجسيد حقيقى لتلك الشخصية مع اختلاف سيناريو الحياة وواقعها عن مجرد أحداث فيلم وكذلك اختلاف عدد البنات، فقد كان أباً لست بنات وكانت بصحبته زوجته «وفاء» حتى فارق الدنيا، تلك السيدة التى لازالت تحفظ سيرته وتنقلها للأحفاد الذين لم يحالفهم الحظ للقاء جدهم.
تلك السيرة التى يتناقلها البنات فيما بينهم بصفة مستمرة، وحتى الجيران والأصدقاء الذين يحاولون دائماً بث الراحة فى نفوسهن بعبارة «كإنه عايش معانا، فعمله الصالح ومدخله إلى الجنة هو بناته».
مسئولية كبيرة حملها فوق ظهره حتى حان موعد الرحيل، وسيرة طيبة تركها للأبناء والأحفاد سواء من كان لهم نصيب من رؤيته أو من تعرف عليه من بعض الصور والحكايات التى تُنقل إليه، وقدر منحه نصيبا فى تحقيق جزء من أحلامه بتزويج عدد من البنات ولكن معه زوجة وأم تسعى لاستكمال الجزء الآخر من أحلامه وبنات يحتفون كل يوم به وكأنه لا يزال بينهم حتى الآن.
فقد بصره فأصبح «عين» كل طفل كفيف على جهاز الكمبيوتر
«أحمد».. «أُبوَّة» من طراز فريد
«فاقد الشيء لا يعطيه» حكمة لا يمكن تعميمها أو إثبات صحة ما تفترضه كحقيقة حياتية، بل هناك بعض الحالات التى تنسفها من الأساس وتؤكد أن فاقد الشيء أحيانًا قد يمنح أضعافه.
وهذا هو المبدأ والدرب الذى سار عليه الدكتور أحمد فاروق عندما قرر أن يتجاوز محنة فقدان البصر ويُحولها إلى منحة بل وهدية ربانية قدمها الله له عز وجل لحكمة تفهم مغزاها ومقصدها فيما بعد.
سخَّر وقته وكل جهده وكذلك دراسته لخدمة ذوى الاحتياجات الخاصة من المكفوفين وبشكل خاص الأطفال ليساعدهم فى الاعتماد الكلى على أنفسهم فى استخدام أجهزة الكمبيوتر، كان يعد برامج خاصة لهم لمساعدتهم فى النمو الإدراكى والوظيفى إلى جانب مجال الإرشاد والصحة النفسية لتكتمل مهمة التأهيل.
قضى أكثر من نصف عمره فى هذه المهمة ولا يزال يستكملها فيمارس دوره كأب لأولاده داخل وخارج المنزل، حيث يعتبر كل طفل كفيف فى حاجة لمساعدته هو ابن جديد له ينضم لأسرته الكبيرة التى يرى أنها تستحق منه كل ما يفعله وأكثر، الأمر الذى يدفع الأطفال سواء من كان لديه أب فيكون محظوظاً بأب آخر، أو من كان منهم يتيماً فيحل الدكتور أحمد محله حاملاً مسئولية تعليمهم وإدخال السرور على قلوبهم وتأهيلهم لحياة لا يعرفون فيها معنى اليأس أو فقدان الأمل.
قادته الصدفة لإنقاذ مشرد من الشارع فتحول بعدها ل«ولى أمر» المشردين
«وحيد».. أب شاب لأبناء مُسنين
الصدفة هى جزء من قدر لا تقع إلا لحكمة، والقدر وحده قاد المهندس محمود وحيد لتلك الصدفة التى تبدلت بعدها حياته وحياة المئات من المشردين الذين تركوا الشارع بلا رجعة وأصبح لهم بيت وعائلة.
مشرد واحد كان السبب فى إيواء مئات وربما آلاف المشردين من المسنين رجال ونساء، وكذلك أطفال بلا مأوى أصبحوا جزءًا من عائلة مؤسسة «معانا لإنقاذ إنسان» التى أسسها «وحيد» لتكون البيت الكبير الذى يجمع المشردين كبداية لحياة جديدة أكثر آدمية ورحمة.
ولأن «وحيد» خاض معهم جميعًا الرحلة منذ اللحظة الأولى التى التقى بهم فيها فى الشارع حتى أصبحوا أفرادًا فى أسرة «معانا»، تحول إلى أب ورب أسرة، وليست أسرة عادية بل أسرة كبيرة يحتاج كل فرد فيها إلى عناية خاصة، بات ولى أمرهم والمسئول عنهم رغم فارق العمر الكبير بينه وبينهم.
لم يكن يتعامل معهم كمسنين فى أرذل العمر بل أصبحوا أولاده الذين يحتاجون منه كل ما يحتاجه الطفل من أبيه، وبات يمنحهم كل ما يرى فيه مصدر سعادة وبهجة لهم، وقد امتدت مهام الأبوَّة ومسئولياتها لتصل إلى مساعدة بعضهم فى الارتباط بشريك العمر وإتمام الزواج بشريك أو شريكة العمر لبدء حياة جديدة معًا. «محمود وحيد» أحد الآباء الذين يستحقون الاحتفاء فى يوم الأمهات لأنه يمارس «الأبوة» و«الأمومة» معًا مع أبنائه المسنين فى مهمة حياتية اختار أن يعيش فيها ولها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.