د. محمد مصطفى الخياط استعرضنا في المقال السابق مشهد أسواق الطاقة المتجددة مع بعض من صفقات استحواذ ودمج لتلك المشروعات، نفذ أغلبها شركات طاقة عملاقة، بحثًا عن استثمارات منخفضة المخاطر مقارنة بما تشهده أسعار البترول من تقلبات بلغت ذروتها في أبريل الماضي، حين هوي سعر البرميل إلى (-33) دولار، بمعني اشتري برميل بترول واحصل على 33 دولار، متأثرًا بجائحة كورونا وانخفاض الطلب وتخمة المخزون، على إثر ذلك خفضت أوبك حصة إنتاجها بنحو 10 ملايين برميل يوميًا. في جانب الغاز الطبيعي، تذبذت الأسعار خلال عام 2020 بنحو 48 %، مما انعكس في ارتفاع مستوي المخاطر، فعلي مستوي السوق الأمريكي سجل الغاز أدني سعر له خلال الثلاثين عامًا الماضية، متبوعًا بانخفاض استهلاكه في كل القطاعات، وكذلك تأثرت باقي الأسواق العالمية. ومع ظهور اللقاحات وبدء تعافي قطاعات الإنتاج، ارتفع الطلب على النفط والغاز نوعًا ما، وإن أخرجت الأسعار النفط الصخري من المنافسة، وأعلنت السعودية عن خفض طوعي إضافي، خلال الربع الأول للعام الحالي، بنحو 1,5 مليون برميل يوميًا. ويظل السؤال، كيف تفسر ديناميكية سوق الطاقة المتجددة والإقبال عليها، أهي فقاعة، أم ملاذ آمن للاستثمار طويل المدى. قبل الإجابة على السؤال، علينا إدراك أن الكهرباء المنتجة من مشروعات الطاقة المتجددة تستخدم مباشرة، كذلك لا يُقدم المستثمر على إنشاء مشروع إلا مقرونًا بعقود شراء طويلة المدى، إما بأسعار ثابتة أو متغيرة طبقًا لعوامل محددة تتضمن نسبة التضخم ومتوسط ارتفاع سلة أسعار المنتجات، ومن ثم فلا مجال لارتفاع قيمة تلك المشروعات عن قيمتها السوقية، بمعني آخر بيع الكهرباء المنتجة بسعر أقل من التكلفة. خلاف ذلك قد تخضع أسهم الشركات (وليس المشروعات) لمتغيرات تؤدي إلى عرضها بسعر أعلي من قيمتها، وعليه تتغير قيمتها السوقية صعودًا وارتفاعًا، في حين تظل قيمتها الدفترية (قيمة الأصل) مرتبطة بما لديها من أصول مادية؛ آلات وممتلكات ومواد خام، أو فكرية مثل براءات الاختراع، مثال ذلك شركات الخدمات الإلكترونية، فقيمة أصولها منخفضة قياسًا بقيمتها السوقية. ومن ثم، فإن ما تشهده أسواق الطاقة المتجددة يعد حراكًا قويًا مدفوعًا بانخفاض أسعار الكهرباء المنتجة منها، وتطور تقنياتها مما دفع بها إلى واجهة الاستثمارات يعزز من وجودها انخفاض المخاطر، وليس كونها فقاعة كما وصفها بويانييه، والذي جاء تعقيبه كرد فعل على تفاقم سعر إحدى الصفقات. يؤكد ذلك العديد من الظواهر، أولها تنامي الاستثمار في أسواق الطاقة المتجددة، بما يتجاوز ثلاثمائة مليار دولار سنويًا، أخذًا في الاعتبار ارتفاع القدرات المركبة نظرًا للانخفاض المتوالي لأسعار تقنياتها تتصدرها الخلايا الشمسية وطاقة الرياح. وأيضًا، توجه العديد من الحكومات إلى وضع سياسات جاذبة للاستثمار، لتصبح الطاقة المتجددة قوة ناعمة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، بما له من عوائد إيجابية، يتواكب ذلك مع إعلان الرئيس الأمريكي عن سياسة داعمة لمشروعاتها، وعودة أمريكا لاتفاق باريس لمكافحة التغيرات المناخية، واعتزام العديد من الدول الوصول إلى الحياد الكربوني؛ أو صفر انبعاثات، والذي تعد الطاقة المتجددة أحد أدواته الرئيسية، جنبًا إلى جنب مع سياسات تحسين كفاءة استخدام الطاقة، الأمر الذي أدي لارتفاع القدرات المركبة عالميًا من مشروعات الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء خلال عامين متتالين عن نظيرتها الحرارية. وفي النهاية يظل التناغم بين مصادر إنتاج الطاقة كافة، كلمة السر في النجاح مقرونًا بسياسات مرنة وجاذبة. [email protected]