مصر ولبنان علاقة ممتدة عبر التاريخ، تلك كانت الجملة المفتاح التى حفزتنى لإجراء حوار مع حسين فياض وهو واحد من كبار المحامين فى لبنان، عضو لجنة التراث والثقافة فى نقابة محاميى لبنان، فانطلاقا من انحيازه العروبى، يرى أن عودة مصر للعب الدور المنوط بها فى قيادة الأمة، يمثل الخطوة الأساسية لحل الأزمات التى تعانى منها بلداننا العربية. كشف المحامى حسين فياض عن أنه دائم الزيارة لقاهرة المعز، حيث يرى فيها - كالغالبية العظمى من اللبنانيين - الدفء والأمان، ويرى أيضا أن مصر والعراق والسعودية ثالوث القوة العربية.. هنا حوار مع حسين فياض فإلى التفاصيل. القومية العربية كفكرة إلى أى حد لاتزال حاضرة؟ هى ما زالت حاضرة فى اللاوعى العربى، ويمكن القول: إن الشارع العربى تواق إلى الوحدة العربية، ومازال الشارع المصرى يتفاعل مع الشارع اللبنانى، واللبنانى يتفاعل مع السورى، والشارع السورى يتفاعل مع اليمنى، واليمنى مع المغربى، وهكذا على مدى الجغرافية العربية من محيطها إلى خليجها، وأحد أهم الأسباب المعيقة لتحقيق هذا الحلم، يتمثل فى بعض الحكام العرب البعيدين عن أحلام وتطلعات شعوبهم. ومما يؤسف له أن شعوبنا، أصبحت فى غربة مع ماضيها المشرق، فأين نحن اليوم من شعوبنا العربية التى احتضنت ثورة الجزائر، وتناغمت مع شعاراتها، وأين نحن اليوم من الجماهير العربية التى ثارت غاضبة من دول العدوان الثلاثى على مصر، وترجمت غضبها بمواقف مناهضة لمصالح الدول الثلاث. لقد شكل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رمزا شعبيا عربيا مجسدا لحلم الوحدة، ومتفاعلا مع حركات التحرر ومعبرا عن العنفوان الرافض للاستعمار والمنتصر للكرامة العربية، وبوفاته انتهكت الكرامة وتكسرت الطموحات وأجهضت الأحلام. وكيف ترى إمكانية الخروج من الواقع الحالى المتردى؟ فى اعتقادى أن هناك ثلاثة بلدان هى مصر والعراق والسعودية تجتمع فيها الثروة البشرية والقوة العسكرية والثروة المالية، وهذا الثالوث يمثل القاعدة الصلبة للحلم العربى فى وحدة راسخة، ولإدراك الدول المعادية لأمتنا أهمية الدول الثلاث فإنها تستهدف استقرارها ووحدتها، رأينا ذلك فى محاولات إفقار مصر حتى ينشغل شبابها فى تحسين ظروفهم المعيشية، ورأينا ذلك فى غزو العراق بعد حصاره وإلهائه فى حروب عبثية، ورأينا ذلك فى استهداف المملكة السعودية ومحاولة زعزعة استقرارها. إن كل ما تتعرض لها منطقتنا من مؤامرات، يقف وراءها الكيان الصهيونى الذى تمت زراعته لشق الوحدة الجغرافية للأمة، ومن ثم الوحدة السياسية والاقتصادية، ومن وراء هذا الكيان تقف دول الغرب، التى تسعى دائما لبث بذور الفرقة بين شعوبنا العربية عبر تغذية النزعات الطائفية والمذهبية، من خلال دعم جماعات الإسلام السياسى، وضرب الفكر القومى العابر للطوائف والمذاهب، ولعلنا نذكر أن أغلب قادة ومؤسسى الفكر القومى كانوا من المسيحيين العرب، وفى هذا نذكر أنطون سعادة وميشيل عفلق وجورج حبش وغيرهم. إن القومية وعاء يتسع لكل الطوائف والمذاهب، ما يؤكد على أنها المخرج لأمتنا من الواقع الراهن المتردى إلى واقع تستحقه أمتنا، واقع يضعنا فى المكانة التى نستحقها بين الأمم كافة. النزعات الطائفية والمذهبية تم الاستهلال فى تغذيتها وتعميقها فى لبنان وأدت إلى حروب أهلية، وهاهى تنتقل إلى بلدان أخرى كيف يمكن تجاوزها؟ المذاهب والطوائف وجدت لخدمة الإنسان، وليس العكس، أساس المذهب أو الطائفة هو الإنسان، جوع الناس ومعاناتهم واحدة من كل طائفة أو مذهب، ولقد عمل الغرب الاستعمارى على تغذية هذه النعرات بغية زرعها كبذور للشقاق والخلاف بين أبناء الوطن الواحد بل والأسرة الواحدة أحيانا، وهذا الغرب الذى خاض حروبا حصدت أرواح الملايين على أسس مذهبية ومناطقية، واستفاد من دروس الحروب منتقلا إلى الاتحاد الأوروبى، متجاوزا الخلافات العرقية والمذهبية، هو بذاته الغرب الذى يغذى النعرات المذهبية والطائفية والمناطقية فى بلادنا التى يجمعها التاريخ المشترك واللغة الواحدة والإيمان بالله الواحد. الأمة العربية فى حاجة إلى فكر جديد، يكون عابرا للطوائف والمذاهب والمناطق ويؤسس لمشروع وحدوى نهضوى يجمع أمتنا ويدعم قوتها لتحتل المكانة التى تستحق، ويحقق الرخاء لشعوبنا العربية كافة. نحن فى حاجة إلى تاريخ جديد ووعى جديد وثقافة جديدة، تبدأ من المدارس والجامعات لتبنى نواة جديدة لمجتمع جديد، وما يجعلنى متفائلا أنى ألاحظ أن الأجيال الجديدة إلى حد ما أصبحت أكثر تجاوزا للحالة الطائفية والمذهبية ما يبشر بالخير، وفى هذا الإطار تحضرنى مقولة للزعيم اللبنانى الراحل صائب سلام:«يبعد السياسيون عن الشعب اللبنانى، ستجد الشعب من العناق يخنق بعضه».