لبنان من حافة الحرب إلى ساحة التسامح والوفاق د.عبدالعزيز المقالح يؤكد التصالح الأخير بين الأشقاء اللبنانيين أنهم رغم كل ما قيل ويقال عن عمق اللافات القديمة والطارئة أنه ما يزالون يحتفظون بقدر عال من المرونة والوعي بمعنى الأخوة الوطنية، وأنهم جميعاً أدركوا خطورة التصلب، والانسياق وراء نزعة التفتت والانقسام وللذين لا يعرفون لبنان واللبنانيين عليهم أن يتذكروا أن النسيج الوطني لهذا البلد الشقيق. لا يتكون من ثلاث طوائف كما هو معلوم ومتداول، وإنما يتكون من ثماني عشرة طائفة وتأتي من هنا، أهمية الوفاق، وأهمية ما جرى في الدرجة، وما ينبغي أن يجري في لبنان نفسه من مصالحات حقيقية، تحافظ على التعايش فيما بين اللبنانيين وتحفظ للبنان الواحد غير المنقسم كيانه وعروبته، ودوره الحضاري والثفافي، بوصفه واحداً من أهم مراكز الإشعاع والاستنارة العربية في العصر الحديث لقد كشفت الحرب الأهلية المحدودة التي شهدتها ساحات بيروت. وبعض المناطق الجبلية والساحلية في لبنان قبل أسابيع، أن الانقسام لم يكن طائفياً، وأن الفرز لم يكن مذهبياً كما حاول البعض هنا وهناك أن يصوره، فقد تداخلت الطوائف في مواقفها، وكان ذلك لصالح لبنان ولصالح الأمة العربية التي يراد لأبنائها أن ينقسموا في مواقفهم السياسية على أساس طائفي، وأن تتوزعهم المذهبية والمناطقية. وأن يغدو البلد الواحد عرضة للتنازع بين مجموعة من الطوائف المتحاربة والمعادية للتعايش التاريخي ومن المؤكد أن قوى التفتيت تمتلك مهارات غير عادية لتشويه حقائق المواطنة وتسعى دائماً إلى رفع الشعارات الطائفية، لكن الواقع اليقيني يقول عكس ما يرغب فيه هؤلاء، وهو يثبت أنه لا يتوفر لأبناء أية أمة في العالم ما يتوفر لأبناء الأمة العربية من وحدة اللغة، والتاريخ، والثقافة، والانتماء، ومن إمكانية بناء دولتهم العربية الواحدةتحت مسمى الاتحاد العربي أو الولايات العربية المتحدة . ولعل ما يحدث في لبنان اليوم، ولا أقول ما حدث في الدوحة يعد صفعة قاسية على وجوه كل من راهنوا على الاقتتال الطائفي والمذهبي، وهو في الوقت نفسه يشكل نموذجاً جديراً بالاقتداء به للتصدي للتفكيك، الذي يكاد يطال كل الأقطار العربية دون استثناء وإذا كان لبنان الصغير في حجمه وجغرافيته قد تعرض لكل هذا القدر من محاولات التفتيت ونجح في المقاومة، فإن أقطاراً عربية ضاربة بمساحات شاسعة في الأرض، ليست في منأى عن شيطان التفتيت الذي ترعاه القوى المعادية للوحدة، وما تبذله من جهود لا تعرف التوقف، خدمة لأهداف قديمة وميتة منذ زمن اللدودين «سايكس» و«بيكو»، اللذين كانا لا يعتبران دورهما التفتيتي سدى مجرد مقدمة لتفتيت أكبر، بات أحفادهما يرون أنه حان زمانه وأينعت ثماره . ومن هنا فإن القيادات السياسية والروحية في الوطن العربي عليها أن تعي المخاطر، وتدرك عاقبة الانجرار وراء تعميق الخلافات داخل أبناء الأقطار، التي تتكون منها الأمة العربية الواحدة، وأن يعلموا أن حماية وحدة هذه الأقطار لا يتم إلا بإشاعة روح الوحدة الشاملة، التي تختفي معها النعرات الطائفية والدعوات المشبوهة إلى مزيد من التجزئة. ولا مناص من التفكير الجاد في حل الخلافات السياسية التي ترتدي ثياب الطائفية حيناً، والمذهبية حيناً آخر، في حين أن الشعب العربي منها براء، ولا مناص كذلك من أن نعترف ببعض المشكلات، وأن نطرح الخلافات السياسية على بساط البحث والحوار، بعيداً عن المناورات الغامضة وتبادل الاتهامات وذلك لحماية ما تبقى من وحدة الأقطار العربية، ودرءً للمزيد من التفكك والحروب، تلك التي لن تصل مهما طالت وتعددت سوى الى مزيد من القتل والدمار. والزج بالأبرياء في أتون نيران الحروب التي لا ترحم وما دام لا مناص من التعايش في وجود مساحة هائلة من الأسباب التي تدعو الشعوب إلى الأمان والانسجام كما تقول حالة لبنان، فلماذا لا يسود صوت العقل والضمير جميع الفرقاء المختلفين سياسياً في بعض أو كل الأقطار العربية وليس من الضروري في كل الأحوال أن تكون الجامعة العربية أو الدوحة شاهدتين على عود العقل وصحوة الضمير تأملات شعرية: أمةُ تتخثر في زمنٍ يتخثر لا شيء يمسك أوصالها من جنون التفسخ والانحلالْ هل شياطين أمتنامن بنيها؟ سؤال أطال الإقامة في كل ذاكرةٍ وانطوى خلفه ألفُ جرحٍ وألفُ سؤالْ عن صحيفة الراية القطرية 31/5/2008