بين عامي1839 و1842 كانت فترة تستطيع فيها الامبراطورية البريطانية علاج اختلال ميزانها التجاري عن طريق ارسال اسطولها الملكي إلي نهر اللؤلؤ وشنغهاي حتي تجبر الصين علي قبول الواردات في المقابل, هذه الأيام, أصبحت حرب العملات اقل عنفا وأكثر دهاء, والصراع الذي بدأ قبل أكثر من عامين بين الولاياتالمتحدة والصين وبعض الأسواق الناشئة الأخري, وتضمن اتهامات لاذعة بخفض قيمة العملة لتعزيز الصادرات, تطور هذا الصراع الي توترات خطيرة بشأن اسعار الصرف حتي ان تطمينات مجموعة العشرين, بعدم الدخول في سباق لخفض اسعار العملات لم تفلح في تهدئتها. وبالفعل حذر ينس فايد مان رئيس بوندسبنك( البنك المركزي الألماني) مؤخرا من التسييس المتزايد لأسعار الصرف وذلك في إشارة إلي السياسة النقدية والمالية لليابان التي دفعت الين للانخفاض20% وهو اتجاه ربما يستمر الآن, وذلك في الوقت الذي يستمر فيه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في التحفيز النقدي عبر التيسير الكمي لتعزيز الانتعاش الاقتصادي, وجزء كبير من تلك السيولة تسرب الي الأسواق الناشئة مما يهدد بزعزعة استقرارها بسبب تأثير هذه التدفقات علي تضخم حجم فقاعات الأصول, وكذلك يسجل الجنيه الاسترليني هذه الأيام بدعم من الحكومة وتعد بريطانيا هي جهة التصدير الأكثر أهمية بالنسبة لمنطقة اليورو. أما علي صعيد العملة الأوروبية الموحدة فإن قرار رئيس البنك المركزي الأوروبي, ماريو دراجي, بالإبقاء علي اسعار الفائدة عند0.75% قد اشعل مخاوف صناع السياسة من إشعال حرب عملات عالمية جديدة, لكن القرار جاء بعدما أثار ارتفاع اليورو في الفترة الأخيرة قلق الشركات الأوروبية والسياسيين ازاء القضاء علي مؤشرات مبدئية علي عودة النمو الاقتصادي في منطقة اليورو هذا العام. هكذا قال الخبراء ان تحركات دراجي نجحت في الانخفاض باليورو والارتفاع بمنطقة اليورو. واعتماد البنوك المركزية في معظم الدول سياسات نقدية غير متشددة علي نحو غير مسبوق, أدي إلي تنامي القلق بخصوص سلسلة من التخفيضات في قيمة العملات بما يشعل حرب عملات عالمية في ظل محاولات الدول المختلفة لزيادة تنافسية اسعار صادراتها, فالمشكلة تكمن في حرص العديد من الدول علي التصدير بشكل أكبر من أي وقت مضي خاصة في الولاياتالمتحدة وفي منطقة اليورو لاسيما الاقتصادات المتعثرة في ايرلندا واسبانيا واليونان والبرتغال وذلك من أجل الخروج من ازمة الديون التي أثقلت كاهلها. وهنا تجدر الاشارة الي تحذيرات سابقة من نشوب حرب عملات عالمية جديدة, أبرزها ما جاء به الخبير الاقتصادي جيمس ريكاردز في كتابه حرب العملات ومؤشراتها من خفض قيمة الدولار الأمريكي, عمليات إنقاذ اليونان وايرلندا وغيرهما, وتلاعب الصين بعملتها, مؤكدا علي أنها من أكثر الأزمات تدميرا للاقتصاد الدولي وهذه المرة قد تؤدي إلي أزمة اسوأ من ازمة عام2008. حرب العملات العالمية الأولي كانت خلال الفترة بين1921 و1936 بانهيار قاعدة الذهب وانتهت بأزمة الكساد الكبير مع انهيار اسواق المال وإفلاس قطاع عريض من الأنشطة الانتاجية والارتفاع الكبير في معدلات البطالة. أما حرب العملات العالمية الثانية فكانت باعلان الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون عام1971 توقف البنك المركزي الأمريكي عن تحويل الدولار الي ذهب وبالتالي نهاية بريتون وودز أو نظام النقد الدولي القائم علي ربط عملات دول العالم بطريقة غير مباشرة من خلال ربطها بالدولار الأمريكي. ونتج عن هذا القرار حالة من عدم الاستقرار النقدي والمالي في السبعينيات والثمانينيات وأزمة التضخم العالمي. يري محللون ان محافظي البنوك المركزية ربما كانوا هم الأبطال الجدد علي الساحة العالمية لكن حان الوقت لتنتقل المسئولية الي الحكومات, التنسيق بين صناع القرار المالي والاقتصادي في الدول الصناعية الكبري وفي الاقتصادات الناشئة لتفادي حرب عملات عالمية ثالثة, وكما قال رئيس البنك المركزي الألماني من قبل ان في الديمقراطيات البرلمانات, وليس البنوك المركزية, هي التي يجب ان تقرر بشأن المخاطر المالية والاقتصادية*