بعد أيام قليلة يمر عامان على ثورة يناير البيضاء التى رفعت شعار " عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية" وإذا كانت الثورة لم تحقق حتى الآن هذا الشعار كاملا فإن أى إنسان منصف يمكن أن يرى أن مصر تتقدم خطوات فى مجالات لم يكن مسموحا لها أن تسير فى اتجاهها، وإن كان لايزال أمامنا الكثير والكثير لكى نحقق أهداف الثورة التى تجاوزت المعنى الحرفى لكلمات الشعار " فكلمة عيش لا تعنى أن الشعب المصرى سوف يرضى بمجرد توافر رغيف الخبز والسلع الأساسية فقط، بل إن طموحات المصريين تتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد، لأن المصريين يرون أنهم ليسوا أقل من أى شعب فى العالم وأنهم أصحاب حضارة تضرب فى عمق التاريخ، وأن كل الحضارات الحديثة فى أوروبا وأمريكا والدول الناهضة فى آسيا، كل تلك الدول التى حققت تقدما كبيرا فى التكنولوجيا وفى رفع مستوى معيشة أبنائها استعانت وتستعين بمصريين فى مجالات المال والأعمال والطب والهندسة والفضاء والاتصالات وكثير من أفرع التكنولوجيا، وكثير منهم مستشارون لرؤساء الدول وبعضهم حصل على أعلى الأوسمة الدولية. ولكن لايزال شعار عيش لم يتحقق، وأتوقع أن الانتهاء من انتخابات مجلس النواب الجديد بعد نحو شهرين سوف يفتح أمامنا مرحلة جديدة من المواجهة الحقيقية مع مشكلة الفقر وارتفاع الأسعار وتزايد نسبة البطالة وكلها تقع تحت شعار العيش من أجل توفير حياة كريمة للجيل الحالى والأجيال القادمة. وربما كان التقدم فى مجال الحرية أكثر منه فى باقى مطالب الثورة، فلم يعد هناك حد أو سقف أمام التقدم الديمقراطى الذى يراه البعض أنه تجاوز حدود الحرية إلى مستوى الفوضى أحيانا، وقد أختلف مع أصحاب الرأى الأخير لأن الكبت الذى عاش فيه المصريون على مدار أكثر من 60عاما يحتاج إلى تفريغ للشحنات المكبوتة، ويحتاج أيضا إلى تعليم وتدريب على الممارسات الديمقراطية السليمة التى تحترم الآخرين وتستوعب كل التيارات الفكرية بدون تخوين وإلى قبول فكرة الاختلاف، بعد أن أصبح لدينا دستور قد يحتاج إلى تعديل فى بعض بنوده، ولكنه من المؤكد أفضل كثيرا من سابقه. أما العدالة الاجتماعية فإننى أعتقد أنها مربط الفرس كما يقولونلأن المواطن الذى يشعر بالعدالة ينتقل إلى الإحساس بالأمان وبالانتماء إلى الوطن وأن الوطن لا ينقسم كما يقول الشعب المصرى إلى أولاد البطة السودة وأولاد البطة البيضة، والعدالة الاجتماعية لن تتحقق إلا بعدالة التوزيع بحيث يستفيد الجميع بقدر متساو من نتائج التنمية، ولا أعنى بذلك أن نكون جميعا أغنياء أو جميعا فقراء، ولكن أن يكون الحراك الاجتماعى يقوم على أساس أن من يبذل جهدا أكبر فى التعليم أو العمل يكون عائده أوفر، وأن يكون الترقى نتيجة جهد وعرق وكفاءة وليس بسبب قرابة أو واسطة" الحقيقة أننا نقترب من تحقيق أهداف الثورة بعد أن كشفنا كل عيوب الماضى والحاضر ويبقى أن نتقدم نحو المستقبل بخطط واضحة ومعايير ثابتة واثقة تقضى على شعارات الماضى التى كانت تعتبر الفهلوة والشطارة و"إحنا اللى دهنا الهوا دوكو" . [email protected]