تعرف العديد من الاكاديميات والمراكز البحثية المتقدمة علم إدارة المرحلة الانتقالية في عملية التحول الديمقراطي, وهو علم له رجاله وأسسه ومناهجه التي تأخذ في اعتبارها أسلوب التحول الديمقراطي, وطبيعة المجتمعات وتاريخها الحضاري. , والقوي السياسية الفاعلة فيها, فضلا عن المناخ الاقليمي والدولي وحقيقة المخاطر التي يتعرض لها الأمن القومي. ولا شئ من ذلك يتوفر في الحالة المصرية, بل ولا علاقة لذلك بما أطلقنا عليه المجلس الاستشاري. من هنا فإنه ما كان ينبغي أن يمضي حوار الثورة علي هذا النحو متخذا من الشطارة منهجا و سبيلا, من ذلك علي سبيل المثال حديث الجيش هو الذي حمي الثورة وما كان ذلك صحيحا, فقد انحاز الجيش للثورة بعد انهيار جهاز شرطة مبارك, ورفض المواجهة المسلحة مع الشعب مثلما حدث في ليبيا واليمن وسوريا, غير أن هذه المقولة تم اعتمادها بطريق الخطأ بمثابة إعلام وراثة استحق به المجلس العسكري أن يرث الأبوة السياسية التي تمتع بها رئيس مصر علي مدي نحو60 عاما, بدءا من صاحب الكاريزما الطاغية إلي الرئيس المؤمن كبير العائلة المصرية, وصولا إلي المخلوع أخيرا. وعلي نفس مستوي الشطارة كان حديث المجلس العسكري عن أن الثورة كرة لهب تلقفتها ايادي المجلس العسكري فيما يعد إنكارا لكل القوي السياسية فضلا عن كونه طلبا مباشرا للصفح عن كل التجاوزات, ما تقدم منها وما تأخر. ومن أحاديث الشطارة كذلك ما يردده الإخوان المسلمون من أن نهجهم هو المشاركة لا المغالبة, ثم يأتي حديثهم عن أن السلطة في مصر باتت مغرما وليست مغنما, في حين هيمنت الجماعة بحزبها الحرية والعدالة علي السلطة التشريعية بغرفتيها الشعب والشوري, وطالبت بتشكيل الحكومة, واصطدمت بالجميع في سبيل الهيمنة علي اللجنة التأسيسية لوضع الدستور, ولم تغض البصر عن منصب الرئيس. وقد دارت بنا أحاديث الشطارة حتي قاربت الدائرة علي الاكتمال, وكادت نقطة البداية علي مرمي البصر, فها نحن أمام برلمان مطعون في دستوريته, وسقوطه يعني بالتبعيه سقوط اللجنة التأسيسية لوضع الدستور, فهو الذي انتخبها وشارك فيها. ولجنة الدستور شهدت انسحابات جمة واجهها الإخوان بالتمسك بنص المادة60 من الإعلان الدستوري, وطالب المنسحبون بتعديل تلك المادة, فضلا عن حكم قضائي سيصدر في العاشر من الشهر الحالي في الدعوي ببطلان تشكيل اللجنة. وإذا كان هذا هو حديث المجلس العسكري والإخوان المسلمين, وهما الأقوي علي الساحة المصرية حتي الآن, فشيمة الأحزاب لا تخفي علي القارئ, فهذا أقدم الأحزاب المصرية يدعم ثلاثة مرشحين للرئاسة الواحد تلو الآخر وما زال منشقا بسبب رغبة شبابه في مرشح رابع!!!, وتطفو هنا وهناك أحاديث عن أحزاب صغيرة تطلب ملايين لتدعم مرشحا رئاسيا فتجنبه ويلات التوكيلات!!!!, ناهيك عن توريط السلطة القضائية بما يهدد هيبة الدولة في الداخل والخارج. ولو أن أحاديث الشطارة قد أفضت بنا إلي الشاطر فحسب لهان الأمر كثيرا, غير أن واقع الأمر أن الثورة بما تعنيه من تغير سريع وعنيف يطال القيم في المجتمع, والأبنية الاجتماعية, والمؤسسات السياسية, والقيادة, وأنشطة الحكم والسياسات, تلك الثورة قد تتحول بفعل أحاديث الشطارة إلي مجرد انقلاب بما يعنيه من تغير في القيادة وأحيانا في السياسات, ومع أحاديث الشطارة قد يطول بنا الحال حتي نصل بالحالة المصرية إلي مجرد الانتفاضة بما تعنيه من تغيير السياسات والقيادة والمؤسسات السياسية, لكن ليس الأبنية الاجتماعية أو القيم التي هي الأصعب في طريق الثورات الشعبية, فهي التعبير الحقيقي عن مفهوم الثورة, والتي لا تتحقق في ظل أحاديث الشطارة. كاتب وباحث سياسي [email protected]