شهدت مصر مع إطلالة عام 2006 م وحتي تاريخه سلسة من الأحداث المتلاحقة ذات طابع كارثي تصنف تحت بند المصائب غير القدرية..!! مصايب من صنع أيدينا .. نحن مسئولون عنها .. نتيجة طبيعية لتراكمات سنين طويلة لسلوكيات سلبية وقيم معكوسة شارك فيها ومسئول عنهاجميع أفراد الشعب والحكومة معا.. فالأفراد لهم متطلبات أساسية وحقوق طبيعية في العمل والسكن والتعليم والصحة والانتقال وكافة الخدمات الأمنية والاجتماعية وعليهم واجبات يجب أن تؤدي حتي يتحقق التوازن الطبيعي لحياة حرة كريمة .. والدولة تضع الدستور والقوانين والقرارات اللازمة التي تكفل تنظيم العلاقة بين الأفراد بعضهم البعض من ناحية وبين الأفراد وأجهزة ومؤسسات الدولة من ناحية أخري بما لا يتعارض مع الحقوق والواجبات والمصلحة العامة للوطن.. طيب ايه اللي بيحصل لنا ده..؟؟ مصر دولة عريقة وذات موقع جغرافي وتاريخي متميز، وإمكانيات هائلة ولها حجمها غير المختلف عليه ، وتأثيرأبنائها الريادي ليس في المنطقة وحسب بل وفي العالم أجمع ولها تجاربهاواجتهادها ونهضتها في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والفكرية والثقافية علي مدي القرن العشرين.. فما أسباب التراجع والتردي ..؟؟ وكيف تركنا أنفسنا نتهاوي في منزلق الانهيار والتدهورحتي وصل بنا الواقع الي حالة سيئة للغاية .. أفقدت الجميع شرف المهنة..!! وأري أن أهم أسباب التدهور : 1 - تخلي الدولة عن دورها ومسئوليتها في إيجاد الحلول اللازمة لتوفيرالاحتياجات الأساسية للمواطن. 2 - برغم أن تحقيق العدالة الاجتماعية كان أحد أهم أهداف الثورة ولكن الاجراءات والقرارات التي صدرت من الحكومات علي مدار 50 عاما بهذا الصدد كان تأثيرها سلبي أكثر منه أيجابي. 3 - استمرار العمل بدستور نظام اشتراكي يتناقض مع واقع وأليات وسياسات السوق المفتوح مما يفقد الثقة والمصداقية في أي اجراءات أو خطوات تتخذها الحكومة.وأصبحنا كمن رقص علي السلم. 4 - سياسة التأجيل والتسويف والترقيع وعدم البت في قضايا ومشاكل كثيرة ملحة وترحيلها الي أجيال قادمة.. 5 - غياب القانون الذي خرج ولم يعد واستبدل بالطوارئ لحين عودته. - إذا كان في العمر بقية .. ياالله..!! فماذا كانت النتيجة ..عشوائيات سرطانية تتخلل جسد مصر كله.. ولم تترك حتي العاصمة "القاهرة الكبري" زحفت عليها وكادت ان تخنقها..والعشوائيات علي كل نوع ولون منها الثابت علي الآرض ومنها المتحرك بل وهناك في السماء ايضا تحت مسمي "السحابة السوداء" علاوة علي فوضي المرور وانفلات الشارع المصري فالعشوائيات لاتعرف خيارا وفقوسا.. فقد طالت سلوكيات البشر وقيمهم الأخلاقية وأصبحت الفهلوة والأبداع في التحايل للتهرب من أحكام التجريم هي الشغل الشاغل لصاحب الحاجة بجانب السرعة والبناء في غفلة علي غير أساس وبدون اتباع للشروط والأصول الفنية وطبعا لارقابة هندسية ولا يحزنون ..وبقي اللي يقدر علي حاجة يعملها .. وأنت وشطارتك ..!! لدرجة أن المخالف بالبناء علي الأرض كان يخالف أيضا بالتعلية لأدوار متكررة تصل لارتفاعات ضعف المسموح بها لأصحاب التراخيص.. تخيلوا حجم المشاكل وكم الكوارث التي وقعت من جراء المخالفات والتهاون في تطبيق القانون وتأجيل البت في كافة القضايا والمسائل الهامة والمشاكل .. وكلنا نعرف القرار المشهور"يبقي الحال علي ماهو عليه" ..وكم من العمارات التي انهالت علي ساكنيها وراح ضحيتها مئات الأبرياء..؟؟ مثال آخر: علي تقاعس الحكومات عن تقنين العشوائيات _ منذ عام 2000م ونحن نطالب بضرورة تقنين أوضاع مزارع الدواجن غير المرخصة لأسباب كثيرة - منها البناء علي أرض زراعية او قربها من الكتل السكنية أو لتجاورها ..ألخ .والتي يغطي إنتاجها 50% من استهلاكنا من الدواجن ..ولم تتحرك الحكومة ولم تقم حتي بالحصر الفعلي لهذه المزارع .. وبقي الحال علي ماهو عليه _ الي أن جاءت الطامة الكبري المسماة بإنفلونزا الطيور _ وكان ماكان من تخبط في القرارات _ وتم علاج الأزمة علي أسوأ مايكون .. برغم تنبيهنا ومقالاتنا وصيحات المختصين في هذا المجال .. وقامت الدنيا وقعدت ..وراح اللي راح من ثروات مصر هدرا .. وفي النهاية عاد كل شئ علي ماهو عليه. اعتقادا بأن الفيرس ممكن يأتي أو لايأتي .. والحقيقة الغائبة أن الفيرس يكمن جوانا إحنا..!! في غياب التخطيط السليم والقرار الواقعي المدروس الذي يراعي مصالح العباد ، ومع تضارب القرارات وتعدد جهات الاختصاص .. وتنازع الملكيات علي تراب مصر بين الوزارات والهيئات .. والتنصل من المسئولية عند وقوع البلاء ، وقصور أجهزة الرقابة والمتابعة .. والتأجيل والتسويف في محاسبة المقصرين والمخالفين والمتجاوزين من المسئولين.. والقانون الملزم في اجازة .. واستبدل بقرارات مايعة غالبا ماتكون مفصلة لصالح فئة معينة ، أولحل أزمة ما في لحظة ما.. والتنفيذ حسب الأحوال هذا بخلاف ملفات الفساد المعروض بعض منها أمام القضاء ..كل هذا أدي الي الحالة التي وصلنا إليها.. وهذا المسلسل والسيناريو مكرر بصورة أو أخري في شتي مناحي الحياة وفي كافة القطاعات .. التعليم والصحة والبلديات والمحليات مأس كثيرة لم يعد الترقيع يجدي معها ..هذا علاوة علي طابور العاطلين .. وارتفاع الأسعار الذي ينهش الجميع. وخير دليل علي استمرار الكوارث انظر الي الطرق وقطاع النقل والمواصلات في البر والبحر والجو ( تخيلوا وبلا مبالغة أن هناك حادثة قطارات يوميا) لقد زادت أعداد ضحايا الحوادث بسبب التقصير والاهمال والتسيب والتجاوز والفهلوة أعداد ضحايا أكبر حرب خاضتها مصر علي مر التاريخ..!!